يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تعرضت دولة قطر لحملات إعلامية منظمة من قبل دول وجهات ربما لا تريد أن ترى دولة عربية مسلمة ناجحة في تنظيم أكبر تظاهرة رياضية على المستوى العالمي، وكانت ألمانيا متصدرة تلك الجهات.
ولعل الهجوم الألماني لم يثر استياء دولة قطر والمتضامنين معها فقط، بل وصل إلى انتقاد سفير برلين في الدوحة ما تقوم به حكومة بلاده، ودفعه ذلك للمطالبة بوقف ذلك ومراجعة الخطاب الموجه للبلد الخليجي "حتى لا نفقد بلد صديق".
وعلى الرغم مما تعرضت له قطر من ألمانيا، فإنها لم تكن كنظيرتها حينما حشرت السياسة في الرياضة، فبالرغم من الهجوم الشرس ضدها فقد وقعت اتفاقية اقتصادية لتصدير الغاز لبرلين، وهو ما أشار له السفير الذي يرى أن على بلاده إنقاذ تلك العلاقات مع الدوحة، ليطرح تساؤلاً حول ما ترمي له تصريحاته.
تصريحات غاضبة
رسالة سربت محتواها مجلة "دير شبيغل" الألمانية، قالت إن السفير في قطر كلاوديوس فيشباخ أرسل رسالة إلى وزارة الخارجية الألمانية حذر فيها من أسلوب التعامل الحالي مع قطر، مطالباً الحكومة الألمانية بتغييره.
وقالت إن السفير أرسل رسالة سرية من أربع صفحات حذر بها من أن تلحق السياسة الألمانية الحالية ضرراً جسيماً بالعلاقات مع الدولة الخليجية في ظل الخلافات الأخيرة التي أحاطت بكأس العالم لكرة القدم، حيث كتب قائلاً: "حصلت ألمانيا على مكافأة ثقة كبيرة في قطر في السنوات الأخيرة، بيد أنها أضاعت تلك الثقة في الأسابيع الماضية الأخيرة".
ورصد السفير تدهور العلاقات الألمانية القطرية بشكل خطير نتيجة النقاشات الدائرة حول كأس العالم، مشيراً إلى انزعاج قطر من الاتهامات الألمانية المتكررة، ومسار السياسة الألمانية الحالي، خاصة تصرف وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر بعد ظهورها خلال مباراة منتخب بلادها في مونديال قطر 2022 مرتدية شارة "حب واحد" المتعلقة بدعم المثليين.
وبين السفير الألماني في رسالته لبرلين أن قطر ترى نفسها "ضحية حملة إعلامية غير مسبوقة.. وترى وضع اللاعبين الألمان يدهم على فمهم وارتداء شارة للرابطة قلة احترام لثقافتها".
ومن أجل إنقاذ العلاقات، دعا السفير الألماني بلاده "إلى الابتعاد عن استراتيجية المواجهة. ما نحتاجه الآن هو بيان عام رفيع المستوى يعترف بالتنفيذ الجيد للغاية لكأس العالم حتى الآن، والرضا عن اتفاقية توريد الغاز الطبيعي المسال الجديدة".
وإلى جانب ذلك قال: "من المهم أيضاً تقدير التقدم المحرز في حالة حقوق الإنسان في سياق الاستعدادات لكأس العالم، وتأكيد على الاهتمام بمواصلة العلاقات الجيدة تقليدياً".
اتفاقية الغاز
الرسالة التي كتبها السفير، قال إنه رغم إرسال قطر إشارة سياسية عبر عقد صفقة غاز مسال مع ألمانيا "فإن المزاج الحالي حيال ألمانيا في الأوساط الاقتصادية المحلية.. الذي يكون ودياً عادة أصبح بائساً".
ما يشير له السفير هو توقيع "قطر للطاقة"، أواخر نوفمبر الماضي، اتفاقاً مع شركة "كونوكو فيليبس" الأمريكية لتصدير الغاز المسال إلى ألمانيا لمدة 15 عاماً، بدءاً من عام 2026، وهي الاتفاقية الأطول من نوعها في تاريخ صفقات الغاز المسال.
ويومها أكد سعد بن شريدة الكعبي، وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ"قطر للطاقة"، أن الاتفاق سيوفر مليوني طن من الغاز المسال سنوياً، تصل من راس لفان في قطر إلى محطة الغاز المسال شمالي ألمانيا.
والاتفاقية هذه من الاتفاقيات طويلة الأمد القليلة التي توقعها دولة أوروبية، إذ طالما كانت دول التكتل ترفض توقيع عقود طويلة الأجل، وتكتفي بعقود الشراء الفورية.
الحفاظ على العلاقات
يرى المحلل المختص بالشأن الأوروبي محمد فتوح، أن من ضمن مهام أي سفير "هو الحفاظ على العلاقات بين بلاده والدولة التي يعمل فيها".
ويلفت إلى أن السفير الألماني "استشعر بأن الأجواء السلبية الحالية السائدة تجاه قطر لا تخدم العلاقات بين الجانبين، خصوصاً مع سلوك وإشارات من مسؤولين في الحكومة الألمانية قد تعتبر خارجة حتى عن إطار السلوك الدبلوماسي المقبول".
ويعتقد في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أنه عند استدعاء السفير الألماني من قبل خارجية قطر سمع كلاماً خلال هذه الزيارة أو خارجها عن احتمالات تأثر العلاقات الاقتصادية والسياسية وغيرها بما تراه قطر هجوماً وسلوكاً غير مبرر تجاهها".
وأضاف: "قطر تعتبر أن الهجوم عليها يتجاوز مسألة المثليين ويمتد إلى إنكار حق أي دولة لا تخضع للشروط الغربية في استضافة بطولة كبرى مثل كأس العالم، كما أن هناك شكوكاً بأن هناك حملة منسقة تم العمل عليها على مدى سنوات، وازدادت حدتها كلما اقترب موعد كأس العالم وصولاً إلى الافتتاح. لكن تجاوز الهجوم قضية استضافة كأس العالم لتمتد إلى كل ما يتعلق بقطر، وهذا ما يزيد من غضب القطريين ومعهم الكثيرون في العالم العربي والإسلامي".
ويشير إلى أن اللافت في السلوك الألماني تجاه قطر "أن الحملة في الدولة الأوروبية الأخرى يتولاها الإعلام ومنظمات غير حكومية، بل ربما أشادت حكومات غربية بقطر وتحضيراتها لكأس العالم، مثلما فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، لكن الحكومة الألمانية انخرطت بشكل مباشر في الحملة ضد قطر، وربما هذا ما دفع السفير الألماني للتحذير من تبعات ذلك".
ويؤكد أن قطر في العادة "تتبع دبلوماسية منفتحة على جميع الأطراف، وتجمع علاقاتها بين الأطراف المتناقضة والقيام بوساطات واتصالات بين جميع الأطراف، كما هو الحال مثلاً في أفغانستان وغزة، وتتجنب السياسات الصدامية في غالب الأحيان".
وأضاف: "الوضع الحالي سيفرض عليها على الأرجح موقفاً جديداً لم تعتد عليه، وقد يضعها أمام خيارات سياسية جديدة أو غير تقليدية، ما يجعل دبلوماسيين مثل السفير الألماني يضع في الحسبان جميع الخيارات المتوقعة".
ويعتقد أيضاً أن السفير الألماني "استشعر حالة عدم الرضا عن السلوك الغربي تجاه قطر؛ لأن الكثيرين في العالمين العربي والإسلامي يرون أن الهجوم على قطر مرتبط بمحاولة فرض رؤية وقيم معينة على الدول الإسلامية".
وحول اتفاق تصدير الغاز القطري إلى ألمانيا يقول: إن "ذلك لا يعني أن العلاقات لم تتأثر؛ لأن ملف الغاز مرتبط بجوانب أخرى، منها مثلاً الضغوط الأمريكية للاستغناء عن الغاز الروسي، ورغبة قطر في عدم ربط تصدير الغاز بقضايا سياسية؛ لأنه عصب اقتصادها ولا تريد الإضرار بموقعها في السوق، ولترسيخ صورتها كلاعب أساسي في سوق الغاز بعيداً عن المؤثرات السياسية".
انزعاج أمني
كانت مجلة "دير شبيغل" الألمانية قد رأت أن السفير ليس وحده من أزعجه تصرف الحكومة الألمانية الأخير، موضحة بالقول: "بالنسبة لجهاز المخابرات الأجنبية BND على وجه الخصوص، كانت قطر شريكاً متشابكاً وسرياً بشكل ممتاز يمكن للمرء الاعتماد عليه لسنوات".
وأشارت إلى أن الدوحة "ساعدت في القضايا الحساسة. العام الماضي فقط قامت المخابرات القطرية بإطلاق سراح عامل تنمية ألماني كان قد اختطف في اليمن، كما ساعدت قطر في إجلاء مواطنين ألمان من أفغانستان العام الماضي".
ووفقاً للصحيفة، فإن الدوائر الأمنية الألمانية "تشكك على الأقل فيما إذا كانت الدوحة ستكون مستعدة للقيام بمثل هذه المناورات في المستقبل".
ولعل أبرز التصريحات التي كادت أن تحدث أزمة دبلوماسية مع قطر جاءت على لسان نانسي فيزر، وزيرة الداخلية الألمانية، التي وجهت انتقادات حادة لقرار منح حق استضافة كأس العالم 2022 لكرة القدم لقطر، وذلك قبيل زيارتها إلى الدوحة، والتي استفزت مرة أخرى القطريين بعد أن رفعت شارة تدعم المثليين خلال مباراة لمنتخب بلادها أمام اليابان.
وقالت فيزر، المسؤولة أيضاً عن ملف الرياضة في ألمانيا: "بالنسبة لنا كحكومة ألمانيا فإن حق الاستضافة هذا خادع للغاية"، مضيفة: "هناك معايير ينبغي الالتزام بها، وسيكون من الأفضل عدم منح حق استضافة البطولات لمثل هذه الدول".
وتعرضت قطر لحملة شرسة قبل وخلال المونديال، الذي يقام حالياً، من قبل دول أوروبية، ما دفع الدوحة للانتقال من الدفاع إلى الهجوم لصدّ منتقدي مونديالها.