يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تعيش تونس توتراً كبيراً، بالتوازي مع التحركات الاحتجاجية المعارضة واستفحال الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وإصرار الرئيس قيس سعيد على الانفراد بالقرار السياسي في البلاد، والمضي قدماً في خريطة الطريق التي صاغها بنفسه، ورفض أي حوار مع معارضيه أو عقد شراكة أو التوافق مع مؤيديه عليها.
وبدأت الأزمة السياسية منذ أن قرر قيس سعيّد، صيف العام 2021، احتكار السلطات في البلاد عبر تجميد أعمال البرلمان وحلّه لاحقاً وإقالة رئيس الحكومة السابق، كما شكَّل مجلساً أعلى مؤقتاً للقضاء.
واعتادت دول الخليج أن تسارع في التدخل على نحو إيجابي؛ للحد من تدهور الأوضاع السياسية في الدول العربية، والتي كان آخرها في تونس، خاصة مع عودة الدفء إلى العلاقات التونسية القطرية بعد فترة من البرود، إضافة إلى تنامي العلاقات السعودية التونسية، ليتساءل مراقبون حول إمكانية تدخُّل دول خليجية لإخراج البلد المغاربي من أزمته الراهنة؟
قطر وتونس
تشهد العلاقات بين قطر وتونس حالياً نوعاً من الدفء ومحاولات للتقارب بعد فترة من البرود إثر اتخاذ الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية في 25 يوليو 2021، والإطاحة بالائتلاف الحاكم السابق بقيادة حركة النهضة.
ويظهر أن الأزمة المالية التي تعاني منها تونس باتت باباً يمكن للدبلوماسية القطرية المرور من خلاله لتوطيد العلاقات مع الحكام الجدد في تونس وربما أداء دور وساطة بين الرئيس سعيد والأحزاب المعارضة لخطواته المتتالية.
وكان آخر تلك الخطوات استقبال الرئيس التونسي في (20 فبراير 2023)، مساعد وزير الخارجية القطري للشؤون الإقليمية محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي، مبعوثاً خاصاً محملاً برسالة شفوية من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وأعرب سعيد -وفق بيان رئاسي تونسي- "عن حرص بلادنا على إعطاء دفع جديد لعلاقات التبادل والاستثمار والشراكة مع قطر لا سيّما عبر تنفيذ الاتفاقات الثنائية، وكذلك إنجاز مشاريع استثمارية وتنموية بتونس في القطاعات ذات الاهتمام المشترك؛ لما فيه خير ومنفعة الشعبين الشقيقين".
كما تأتي الجهود القطرية في ظل سعي الدوحة لتصفير مشاكلها مع عدد من الدول العربية مثل مصر، حيث تجاوز البلدان مرحلة الخلافات وقررا المضي قدماً في تعزيز التعاون الاقتصادي، فيما فتحت القاهرة أبوابها أمام الاستثمارات القطرية.
تحركات سعودية
ومطلع الشهر ذاته، أبلغ وزير داخلية السعودية، الأمير عبد العزيز بن سعود، رئيس تونس، قيس سعيد، استعداد المملكة لتوسيع التعاون الأمني مع تونس، مؤكداً ثقة الرياض بقدرة قصر قرطاج على "تجاوز الصعوبات".
ونقل وزير الداخلية السعودي عزم قيادة المملكة على "مواصلة مساندة تونس والوقوف إلى جانبها من أجل تحقيق تطلعات شعبها"، وفق البيان الرئاسي التونسي.
وأشار إلى أن "القيادة في المملكة واثقة بقدرة تونس على تجاوز الصعوبات التي تمرّ بها"، مؤكداً أنها "تعتبر أمن تونس واستقرارها من أمن واستقرار السعودية".
وأعرب وزير الداخلية السعودي عن "استعداد المملكة لتدعيم علاقات التعاون مع تونس في المجال الأمني وتوسيعه"، دون تفاصيل أكثر بشأنه.
ولا يعلم ماذا حملته هذه الزيارة باستثناء ما تم الإعلان عنه رسمياً، لكنها جاءت في وقتٍ تعيش تونس أزمة سياسية واقتصادية خانقة، وسط محاولات مستميتة من الرئيس التونسي للخروج ببلاده من الأزمة.
بالتوازي مع التحركات السياسية، أوقفت الشرطة مساء 24 فبراير 2023، المعارض البارز غازي الشواشي الزعيم السابق لحزب التيار الديمقراطي في تونس.
يأتي ذلك وسط حملة اعتقالات واسعة هذا الشهر استهدفت أكثر من 12 شخصاً، من بينهم سياسيون معارضون ونشطاء ومنظمون لاحتجاجات ومدير إذاعة "موزاييك"، إضافة إلى رجل أعمال بارز واثنين من القضاة.
واعتبرت منظمة العفو الدولية غير الحكومية في وقت سابق، أن حملة الاعتقالات "محاولة متعمدة للتضييق على المعارضة، لا سيما الانتقادات الموجهة للرئيس"، وحثت الرئيس التونسي على "وقف هذه الحملة التي لها اعتبارات سياسية".
ويواجه سعيّد انتقادات شديدة من منظمات حقوقية تونسية ودولية تندد بفرضه "قيوداً تعسفية" على الحريات.
وفي يوليو 2022 تم إقرار دستور جديد بعد استفتاء شعبي، تضمن صلاحيات محدودة للبرلمان مقابل تمتع الرئيس بغالبية السلطات التنفيذية، منها تعيين الحكومة ورئيسها.
ومطلع العام الحالي جرت انتخابات نيابية لم يشارك فيها نحو تسعين في المئة من الناخبين.
ويعمل "الاتحاد العام التونسي للشغل" (المركزية النقابية) مع منظمات أخرى على صوغ مبادرة لتقديم مقترحات حلول في مواجهة تأزم الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
وطيدة ووثيقة
تشير الناشطة والإعلامية التونسية عايدة بن عمر، إلى أن العلاقات التونسية الخليجية "وطيدة ووثيقة وذات عمق تاريخي وحضاري ضارب في القدم".
لكنها في الوقت ذاته أشارت إلى أنه في السنوات العشر الأخيرة، تراوحت هذه العلاقات "بين الانسجام والتنسيق والفتور أيضاً حسب المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة وتغير التحالفات الدولية".
وتؤكد بن عمر لـ"الخليج أونلاين"، أن هذه العلاقات "تحكمها المصالح المشتركة، خصوصاً في الجانب الاقتصادي"، موضحة بالقول: "دول الخليج لديها استثمارات ضخمة في تونس وهي دول شريكة لتونس بهذا المجال".
وترى أن قطر لعبت "دوراً كبيراً في دعم الثورة التونسية ومسار الانتقال الديمقراطي طيلة العشرية السابقة، وسعت عبر مؤسساتها وشبكات علاقاتها المعقدة لجمع الفرقاء السياسيين ضمن قاعدة الديمقراطية، والحث دائماً على الحوار لحلحلة المشاكل السياسية والوصول لحلول ترضي أطراف النزاع وتحفظ مصالح التونسيين".
وتشير إلى أن زيارة المسؤول القطري الأخيرة لتونس "جاءت كبادرة حسن نية؛ لجس نبض حكام قرطاج والمعارضة، ومحاولة التقريب بينهما لبلورة خارطة طريق تنهي الانقسام الحاد بينهما والذي يلقي بثقله ويساهم في تدهور الوضع الاقتصادي الخانق بطبعه والنزيف الاجتماعي الخطير".
وأكدت أن لقطر "سابقة في هذا الباب ودورها الكبير في إنجاح الوساطات بعدة دول، من بينها أفغانستان والصومال وغيرها"، مضيفةً: "لهذا يجب أن ننظر إلى أنه بإمكان قطر أن تكون وسيطاً ناجحاً للملمة المشهد والسير به نحو الاستقرار من جديد".
وتلفت إلى زيارة مرتقبة لتونس يجريها أمير قطر في الأيام القادمة، معتقدةً أنها "ستكون منعرجاً مفصلياً لإنهاء هذا الصراع".
وأشارت إلى أن السعودية "ربما ستكون لديها أيضاً مبادرات نحو الدفع في مسار المصالحة، لأن مصالحها في تونس مهددة بقوة أمام بروز دور إيراني مريب ومربك في صناعة خيوط الوضع الجديد بتونس".
الخليج وتونس
منذ الوهلة الأولى للأزمة السياسية الجديدة في تونس بعد إعلان رئيسها تجميد البرلمان وحل الحكومة وتوليه السلطة، سارعت دول الخليج لتأكيد وقوفها إلى جانب تونس، وضرورة تغليب صوت الحكمة في أي قرارات متخذة.
وحينها أصدرت دول خليجية بيانات وتصريحات علقت فيها على خطوات سعيّد، وطالبت معظمها بدعم استقرار البلاد.
ومنذ تلك الأزمة، تراجعت الدول الخليجية عن مساعدة تونس، بسبب تخوفها من مشروع قيس سعيد، وعدم قدرته على الصمود أطول فترةٍ ممكنةٍ، نتيجة الضغوطات الداخلية والخارجية.
وبسبب الأزمة التي أحدثها سعيد مع الدول الخارجية، والتي كان آخرها طرد مسؤولة أوروبية من تونس منتصف شهر فبراير الجاري، تسعى الدول الخليجية لعدم تأزيم الأمور أكثر مع المنظومة الدولية، حيث يبدو أن التحركات الأخيرة تمضي نحو هذا المسار.
وفي ظل أوضاع اقتصادية صعبة، تُعول السلطات التونسية على الدعم المالي الخليجي، خاصةً أن هذه الأزمة تأتي بالتزامن مع الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد.
وترتبط دول الخليج العربي مع تونس بعلاقات واسعة في المجالات كافة، وكان لافتاً رفض تونس الانحياز إلى أي طرف بالأزمة الخليجية التي وقعت في 2017.