محمد أبو رزق - الخليج أونلاين-
أثارت التوترات المسلحة التي عادت إلى ليبيا من خلال اشتباكات شهدتها العاصمة طرابلس مخاوفَ من عودة القلاقل في البلد العربي الأفريقي، في ظل محاولات خليجية ودولية وأممية لتحقيق الاستقرار والدفع نحو إجراء انتخابات عامة.
وكان الاقتتال قد اندلع يوم 14 أغسطس 2023، بعد احتجاز قوة الردع الخاصة -التي تسيطر على مطار معيتيقة بطرابلس- قائد اللواء 444 محمود حمزة عندما كان يقوم بإجراءات السفر عبر المطار.
وتهدد الاشتباكات الأخيرة في ليبيا الجهود المبذولة لبسط الهدوء والذهاب إلى الانتخابات في البلاد، التي عانت خلال السنوات الماضية من نزاعات مسلحة أدت إلى مقتل الآلاف من الليبيين وتدمير البنى التحتية واستمرار الانقسام السياسي بين طرابلس وبنغازي.
قطر والإمارات أعربتا عن قلقهما البالغ من التطورات التي تشهدها العاصمة الليبية، قبل أن تعلن حكومة الوحدة الوطنية في البلاد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين المتحاربين.
الجهود القطرية
أمام تأزم الوضع السياسي، تدخلت قطر والإمارات والأمم المتحدة والمجتمع الدولي ضمن جهود هذه الأطراف لرأب الصدع وتسوية الصراعات الليبية أملاً باستقرار سياسي، خاصة في ظل عقد مؤتمرات دولية تخص الأزمة الليبية.
وكان لقطر دور نشط في الوساطة الدبلوماسية بين الأطراف المتصارعة في ليبيا، من أجل تحقيق الحوار والتفاهم، والعمل على تعزيز الاستقرار في البلاد.
وكثفت دولة قطر جهودها من أجل ضمان استمرار الأمن في ليبيا، وكان آخرها لقاء جمع المندوبة الدائمة لقطر لدى الأمم المتحدة، الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، عبد الله باتيلي، أواخر أغسطس 2023.
وخلال اللقاء، بحث الجانبان "السبل الممكنة لتقوية دعم بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بهدف ضمان الأمن وتعزيز الاستقرار"، وفق بيان الخارجية القطرية.
كما بحث السفير القطري لدى ليبيا، خالد الدوسري، منتصف الشهر ذاته، مع رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، تعزيز التعاون المشترك بما يخدم مصالح الشعبين، بالإضافة إلى مناقشة الملفات السياسية الجارية في البلاد.
ومطلع أغسطس 2023، أجرى سفير دولة قطر لدى طرابلس مع باتيلي، مباحثات تتعلق بآخر التطورات والمستجدات في البلاد.
الدبيبة وعقيلة صالح في قطر
وفي سبتمبر 2022 شهدت العاصمة القطرية الدوحة محادثات مكثفة بين الأطراف الليبية المختلفة بهدف تعزيز الحوار والتوصل إلى حل سلمي.
وجاءت الجهود القطرية من أعلى الهرم السياسي، إذ بحث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، (سبتمبر 2022)، ضرورة إجراء الانتخابات في ليبيا.
وحسب بيان المكتب الإعلامي للدبيبة في حينها، ركز الاجتماع على ضرورة دعم الجهود الدولية لإجراء الانتخابات في ليبيا بوصفها الخيار الوحيد للشعب الليبي، للوصول إلى الاستقرار ورفضه للمراحل الانتقالية.
وخلال الشهر ذاته التقى أمير قطر برئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، في الدوحة، على هامش زيارة هي الأولى من نوعها للأخير إلى البلد الخليجي.
وبحث الجانبان -وفق بيان الديوان الأميري- تعزيز التعاون بين البلدين وتطورات الأوضاع في ليبيا حيث جرى "التأكيد على دعم الدوحة لخيارات الشعب الليبي وتحقيق تطلعاته في التنمية والازدهار من أجل وحدة ليبيا واستقرارها".
أيضاً رحبت قطر، خلال يونيو الماضي، بتوافق أعضاء لجنة "6+6" الليبية على القوانين الانتخابية، معتبرة ذلك "خطوة مهمة" نحو تحقيق الاتفاق السياسي في البلاد وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ولجنة "6+6" مكونة من 6 أعضاء من مجلس النواب، ومثلهم من مجلس الدولة (نيابي استشاري)، نص على تشكيلها التعديل الـ13 للإعلان الدستوري (دستور مؤقت وضع بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011).
ووفق اتفاق المجلسين كلفت اللجنة بإعداد قوانين انتخابية "توافقية" تجري عبرها انتخابات تحل أزمة صراع على السلطة بين حكومة عينها مجلس النواب مطلع 2022، وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة الذي يرفض التسليم إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.
وفي يونيو الماضي، بحث سفير قطر لدى ليبيا، مع رئيس المفوضية الليبية للانتخابات عماد السايح، الدعم العربي والإقليمي لإجراء الانتخابات الليبية المرتقبة.
وإلى جانب الجهود السياسية، قدمت قطر مساعدات إنسانية وإغاثية للسكان الليبيين المتأثرين من الصراع والأوضاع الصعبة، وشملت توزيع المساعدات الطبية والإغاثية والأغذية للمحتاجين.
كما تقدم قطر دعماً اقتصادياً لليبيا من خلال استثمارات في مجموعة متنوعة من القطاعات، مثل النفط والغاز والبنية التحتية، بهدف دعم الاستقرار الاقتصادي وتعزيز التنمية، إضافة إلى تقديم دعم لمجموعة من المشاريع التعليمية والثقافية في ليبيا، لتعزيز التعليم والتواصل الثقافي بين البلدين.
الدور الإماراتي
كما تحضر الإمارات في الملف الليبي؛ إذ قامت أبوظبي بالعديد من الجهود والتدخلات المختلفة في ليبيا، وقالت إنها تهدف إلى "تعزيز الاستقرار والأمن في البلاد، وتحقيق الحوار والتفاهم".
وتؤكد الإمارات- وهي حليفة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر قبل انفتاحها على حكومة الدبيبة - على دعمها للحل السياسي في ليبيا، وضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية.
وأكد المنسق السياسي بالإنابة لبعثة دولة الإمارات الدائمة في الأمم المتحدة سعود المزروعي، خلال كلمة له في مجلس الأمن يوم 22 أغسطس 2023، ضرورة التغلب على القضايا المتبقية في مسودة الإطار القانوني للانتخابات، بحيث يتيح عقد انتخاباتٍ برلمانية ورئاسية متزامنة، تكون مبنيةً على أسسٍ قانونية متينة.
وشدد المزروعي على ضرورة تجاوز حالةِ الانسداد السياسي، وتجنب الأطراف لأي مبادرات أحادية الجانب قد تؤدي إلى تعميق الانقسام الحالي.
وكان من أبرز الجهود الإماراتية في هذا الإطار اللقاء الذي جمع رئيس حكومة الوحدة الليبية الدبيبة، مع الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، حيث بحثا جملة قضايا، في مقدمتها الجهود المبذولة لإجراء الانتخابات العامة.
وخلال اللقاء، الذي تم في أبوظبي في فبراير الماضي، أكد الرئيس الإماراتي ضرورة دعم جهود إجراء الانتخابات، إضافة إلى "أهمية دعم الجهود والمبادرات كافة التي تحفظ سيادة ليبيا ووحدة أراضيها وتضمن مسار التنمية والازدهار فيها وتحقق تطلعات شعبها"، وفق وكالة أنباء الإمارات.
وفي الشأن الإنساني، قدمت الإمارات مساعدات إنسانية وإغاثية للمواطنين الليبيين المتأثرين من الصراع والأوضاع الصعبة.
تسوية الخلافات
وفي هذا الإطار يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، د. حسن نافعة، أن نجاح فرص الجهود القطرية والإماراتية للوصول إلى انتخابات عامة في ليبيا "مرتبط بتسوية الخلافات الداخلية بين الأطراف المحلية المعنية في البلاد".
ويقول نافعة، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "هناك وساطات كثيرة جرت للوصول إلى حل للأزمة السياسية في ليبيا وإجراء الانتخابات، ولكنها تعثرت بسبب افتقاد الثقة بين الأطراف الليبية".
ويشدد على أن هناك خلافاً أساسياً حول قانون الانتخابات، "وما لم يتم اتفاق الأطراف المعنية حول هذا القانون يستحيل إجراء الانتخابات"، متوقعاً تجدد الاشتباكات التي حدثت مؤخراً "في حالة بقاء الخلافات قائمة مدة طويلة أو تفاقمت".