يوسف حمود - الخليج أونلاين-
منذ سنوات بدا لافتاً الانخراط الواضح لقطر في القضية الفلسطينية، وتحديداً في التهدئة بين حماس والاحتلال الإسرائيلي خلال الحروب السابقة التي عاشها الجانبان، وتعود اليوم مجدداً بخطوات مماثلة لإيقاف أعنف حرب منذ نصف قرن تخوضها دولة الاحتلال.
واللافت في الحرب الجارية، دخول السعودية بثقلها الدبلوماسي إلى جانب قطر في محاولة للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية حليفة "إسرائيل"، من أجل إيقاف الحرب والمضي نحو هدنة واتفاق سياسي.
وفي 7 أكتوبر 2023، شنت حركة حماس أكبر هجوم على "إسرائيل" منذ عقود، إذ عبر مقاتلوها إلى داخل بلدات إسرائيلية وقتلوا المئات، وعادوا إلى قطاع غزة بأسرى بالعشرات، في حين رد جيش الاحتلال بغارات على غزة، حيث تشير الأرقام حتى مساء 8 أكتوبر إلى سقوط 700 قتيل إسرائيلي، فيما سقط أكثر من 400 شهيد، إضافة إلى 2000 جريح فلسطيني ومثلهم من الإسرائيليين.
ومع تحميل الدوحة والرياض "إسرائيل" مسؤولية التصعيد الجاري، يخوض البلدان تحركات دبلوماسية واسعة دولياً لخفض التصعيد وإنقاذ غزة من جرائم الاحتلال الإسرائيلي، فهل تفضي تلك التحركات إلى إنهاء العدوان وخفض التصعيد؟
تحركات قطرية
خلال أقل من يومين، كثفت الدبلوماسية القطرية تحركاتها واتصالاتها مع دول مختلفة، وأكدتها في بيانٍ لخارجيتها هو الثاني خلال يومين (8 أكتوبر 2023)، حين جددت دعوتها جميع الأطراف إلى وقف التصعيد وصولاً إلى التهدئة في فلسطين، ووقف المواجهات المسلحة بشكل تام في كل المحاور.
وأوضحت خارجية قطر أن الاتصالات التي يجريها المسؤولون القطريون مع الأطراف المعنية متواصلة، ضمن الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، دعا خلال اتصالات أجراها مع عدد من نظرائه وكبار المسؤولين، في العالم العربي وحول العالم، إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف القتال وحقن دماء المدنيين.
ومن أبرز تلك الاتصالات ما بحثه "آل ثاني" مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وأعرب خلاله الأول (7 أكتوبر) عن "أسفه العميق إزاء تصاعد العنف بين الجانبين"، مشدداً على ضرورة ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، مؤكداً ضرورة تضافر جهود البلدين من أجل التهدئة وخفض التصعيد، وتجنيب المدنيين تبعات المواجهات.
كما بحث مع وزيري الخارجية التركي هاكان فيدان، والأردني أيمن الصفدي، تطورات الأوضاع في فلسطين، وكذلك مع وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل ألباريس.
ووفق وكالة الأنباء القطرية، أعرب رئيس وزراء قطر عن قلق الدوحة العميق إزاء تصاعد العنف بين الجانبين، مشدداً على ضرورة ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، مؤكداَ "ضرورة تضافر جهود البلدين من أجل التهدئة وخفض التصعيد، وتجنيب المدنيين تبعات المواجهات".
وفي (8 أكتوبر) قالت وكالة الأنباء القطرية: إن رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري اتفق مع نظيره المصري على تعزيز تنسيق جهود خفض التصعيد.
كما تلقى رئيس وزراء قطر اتصالاً من وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد، استعرضا خلاله "آخر تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية و(إسرائيل) وسبل تخفيض التصعيد"، حيث أكد آل ثاني ضرورة "تضافر الجهود الإقليمية والدولية من أجل التهدئة وخفض التصعيد وتجنيب المدنيين تبعات المواجهات".
وكانت الخارجية القطرية حمّلت، السبت (7 أكتوبر)، "إسرائيل" وحدها مسؤولية التصعيد الجاري؛ بسبب انتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني، وآخرها الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى تحت حماية الشرطة الإسرائيلية.
اتصالات سعودية
وفي السياق بحث "آل ثاني" مع وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي (7 أكتوبر)، آخر تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية و"إسرائيل"، وسبل خفض التصعيد.
الوزير السعودي الذي تقود بلاده تحركات مماثلة لقطر، بحث أيضاً (7 أكتوبر) مع كل من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، ضرورة العمل على وقف التصعيد.
وشدد خلال اتصالاته على رفض السعودية "استهداف المدنيين العزّل بأي شكل، وضرورة احترام القانون الدولي الإنساني من جميع الأطراف".
كما دعا الوزير السعودي إلى تكثيف الجهود لتهدئة الأوضاع وتجنب مزيد من العنف.
وأجرى اتصالات مع نظيريه المصري سامح شكري والأردني أيمن الصفدي، بحث فيها مستجدات وتطورات الأوضاع في غزة ومحيطها وسبل تكثيف العمل المشترك لوقف التصعيد بين الجانبين، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس".
وفي (9 أكتوبر)، تلقى "بن فرحان" اتصالاً هو الثاني من وزير الخارجية الأمريكي، بحث خلاله "خطورة استمرار التصعيد العسكري في غزة ومحيطها، وضرورة العمل على إيجاد السبل اللازمة لنزع فتيل التوتر وتكاتف المجتمع الدولي لتخفيف تداعيات هذه الأزمة بما يسهم في حفظ الأمن والسلم الدوليين".
كما ذكرت أن بن فرحان تلقى اتصالاً هاتفياً من وزيرة خارجية فرنسا كاثرين كولونا، جرى خلاله بحث التطورات والمستجدات ذاتها.
وكانت الخارجية السعودية أصدرت بياناً دعت فيه إلى الوقف الفوري للتصعيد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وحماية المدنيين، وضبط النفس.
الاحتلال بيده القرار
يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني مصطفى الصواف، أن التحركات القطرية السعودية تتوقف عند الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، قائلاً: إن "الاحتلال بيده تقرير إيقاف إطلاق النار والدخول في مفاوضات عبر الوسطاء أم لا، أما المقاومة الفلسطينية فأعتقد أنه ليس لديها مانع في ذلك".
وأضاف: "حماس حققت ما سعت إليه سواء من خلال الهجوم الكبير أو أسر عدد منهم"، مشيراً إلى أن هذا ربما أحد أبرز أهداف حماس من المعركة، و"هناك رسائل تم توجيهها للاحتلال، وقد تحققت جميعها".
ولفت إلى أن أي وساطة تحدث سواءً قامت بها قطر والسعودية أو غيرهما، "لن تتحقق في ساعات، وقد تحتاج إلى عدة أيام، لأن الاحتلال حالياً يحاول تفريغ حقده وغضبه مما حدث، من خلال استهداف المنازل والأبراج".
وحول ما تقوم به الدولتان الخليجيتان، يقول الصواف: "هي محاولات موجودة ولكن على البلدين الخليجيين العمل على إشراك مصر في الأمر، لأن الاحتلال لو وافق فستكون هناك جولات من التفاوض حول الأسرى".
طبيعة التحركات
بدوره يؤكد رئيس مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات عبد العزيز العنجري، ضرورة التفريق بين التحركات السعودية والقطرية، موضحاً بقوله إن لدى قطر "أوراقاً أقوى من السعودية في هذا المضمار".
ويرجع في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، سبب ذلك إلى "احتضان الدوحة قادة حماس على أراضيها وأيضاً بسبب تقديمها دعماً مالياً مستمراً للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة دون مساومات".
وفي المقابل يرى أن السعودية "لا تملك هذه الأوراق وإنما تملك مكانتها العربية والإسلامية المعنوية، وتصريحات قادتها الأخيرة بشأن الرغبة في التطبيع مع إسرائيل قد تُضعف أي تأثير محتمل يمكن أن تمارسه الرياض على حماس والشارع العربي بالتبعية. هذا إضافة إلى اعتقال السعودية عدداً من قادة حماس في فترات مختلفة".
ويعتقد أن عدداً كبيراً من الدول العربية التي تسعى حالياً للوساطة، تقدم نفسها وسيطاً في هذا الصراع لتستغل اللحظة وتزيد من نفوذها الدولي والإقليمي، "لكن لا يملك معظمها أي تأثير حقيقي على هذا الملف"، حسب قوله.
ويؤكد أن دول الخليج بشكل عام، وبشكل خاصٍ السعودية "لديها مصلحة في استتباب الأمن بالمنطقة، لأن لديها مشاريع اقتصادية وسياحية كُبرى تريد المضي فيها قدماً، ولن تكون ذات جدوى ما لم تكن هناك حالة من الاستقرار الدائم في المنطقة"، لكن هذا الأمر وفقاً للعنجري "غير محتمل، في ظل استمرار الحصار المفروض على أهل غزة وغياب أي أفق سياسي أمام الفلسطينيين".
وحول ما إذا كانت مصر ستخوض منفردةً أي وساطات بدون قطر والسعودية ودول أخرى، يقول: "في السابق كانت المخابرات المصرية تقوم بدور الوساطة بشكل حصري، لكن انحياز القاهرة إلى الجانب الإسرائيلي أضعف نفوذها وكلمتها لدى المقاومة ولم يعد القادة المصريون في نظر حماس وسيطاً نزيهاً يمكن الوثوق به، فضلاً عما تواجهه مصر من متاعب داخلية أضعفت نفوذها الإقليمي".
وأضاف: "كل هذه العوامل سمحت للاعبين آخرين بمشاركة القاهرة في هذا الدور دون أن تلغي الدور المصري كلياً".
ويرى أن الإشكالية في كل هذه الوساطات، "أنها تقدم نفسها كوسيط محايد، بين طرفين يُعتقد– أو يُصوّر– أنهما متكافآن، في حين أن الغرب بأكمله وعلى رأسه الولايات المتحدة، يقدم الدعم المالي والعسكري والسياسي والمعنوي لأكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً".
وفي مقابل ذلك الدعم، يشير إلى أن الحكومات العربية التي تريد أن تكون وسيطاً، "لا تسمح لمواطنيها بالتظاهر لتقديم دعم معنوي للفلسطينيين ولا بحرية التعبير بالكلمة لنصرة فلسطين، وأنه لا يمكن الحديث عن تقديم هذه الدول العربية أي دعم مالي أو عسكري للمقاومة، لأن مجرد توقع تقديم هذه الأنظمة مثل هذا الدعم خارج نطاق الاحتمال".
ويلفت إلى وجود عنصر إيجابي وحيد في تعدد الوسطاء وهو أن "هذا التعدد يكسر الاحتكار المصري لملف الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا التعدد ربما يقدم للمقاومة خيارات أوسع مما كان يقدمه النظام المصري عندما كان وكيلاً حصرياً ولم يكن هناك خيار أمام المقاومة غير التفاوض معه".
قبل الحرب بأيام
وإلى ما قبل اندلاع الحرب بأيام، كانت قطر الطرفَ الموثوق من جانب الطرفين في تخفيف حالة التوتر بين الجانبين، حيث كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، (3 أكتوبر 2023)، أن جهود الدوحة مستمرة لتهدئة الأوضاع في غزة من أجل رفع المعاناة عن الفلسطينيين في القطاع والأراضي الفلسطينية عموماً.
وقال الأنصاري: إن "الجهد القطري في خفض التصعيدب غزة مستمر، وهو من أحد الثوابت في السياسة الخارجية القطرية خلال السنوات الأخيرة".
وأضاف أن "الدور القطري كان في إطار الوساطة بين الطرفين والوصول إلى توافق لإنهاء حالة التصعيد، وذلك لرفع المعاناة عن غزة والأراضي الفلسطينية".
وأشار إلى أن "إسرائيل" أعادت، قبل أيام، فتح معبر رئيس مع غزة (بيت حانون/ إيريز) بعد فترة إغلاق استمرت أسبوعين تخللها خروج مسيرات فلسطينية غاضبة على السياج الفاصل مع الاحتلال.
وأكد أن إعادة فتح المعبر كانت فرصة لخفض التصعيد بين الطرفين، مشدداً على أن الوضع في غزة مأساوي و"لن يؤدي أي صراع آخر إلا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية".
وأوضح أن الدور القطري كان في إطار الوساطة بين الطرفين ونقل الرسائل، والوصول إلى توافق، وهذا نجح في حينه.
وذكر أن الجهد القطري في تحقيق التفاهمات بين الفصائل الفلسطينية و"إسرائيل" مستمر، خاصة في ظل استمرار حالة التوتر، مشيراً إلى أن الهدف الرئيس من ذلك هو رفع المعاناة عن غزة والأراضي الفلسطينية.
وشدد الأنصاري على أن المنطقة لا يمكنها أن تتحمل هذا السيل من الحروب المستمرة خلال هذه السنوات والتي تؤثر على الإنسان في غزة ومنظومة الاستقرار في الأراضي الفلسطينية عامة.