دول » قطر

علاقات قطر مع واشنطن وإسرائيل في مرحلة اختبار

في 2023/10/26

سايمون هندرسون- معهد واشنطن للدراسات-

تستخدم قطر علاقتها الوثيقة مع "حماس" للمساعدة في تأمين إطلاق سراح الرهائن في غزة، لكن هذه العلاقات نفسها قد تؤدي في النهاية إلى الإضرار بعلاقاتها السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة.

في 22 تشرين الأول/أكتوبر، علّق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على إطلاق سراح الرهينتين الأمريكيتين اللتين تم احتجازهما في هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وقال لشبكة "إن بي سي نيوز": "أود مجدداً أن أشكر حكومة قطر على الدور المهم للغاية الذي لعبته في إطلاق سراحهما". وتم إطلاق سراح رهينتين أخريين في اليوم التالي. وتعليقاً على المفاوضات، قال مسؤول قطري كبير لصحيفة ألمانية: "تم الإفراج (عن الرهينتين) في إطار يؤكد النية الإيجابية للإفراج عن الرهائن. نحن متفائلون بأنه سيتم إطلاق سراح الرهائن، وخصوصاً المدنيين، قريباً جداً". لكن البيان الرسمي الإسرائيلي في هذا الشأن لم يأتِ على ذكر قطر - وهو أمر غير مفاجئ نظراً لعلاقات الدوحة الوثيقة مع "حماس"، وادعاءها الأولي بأن إسرائيل هي "المسؤولة الوحيدة" عن الصراع الحالي، وواقع أن أكثر من مائتي رهينة إسرائيلية وأجنبية ما زالوا محتجزين.

وأثار دور قطر غضباً شعبياً في الولايات المتحدة أيضاً، حيث تساءل العديد من المراقبين عن سبب تقرّب واشنطن لهذه الدرجة من الدولة الخليجية المذكورة. وتستضيف الدوحة في الوقت نفسه قاعدة جوية أمريكية كبرى وقيادة "حماس" وبيروقراطيتها، كما تحافظ على علاقات مع إيران ونظام "طالبان" في أفغانستان. ولكن الإدارات الأمريكية شجّعت أحياناً وأشادت بعلاقات قطر بـ"حماس" و"طالبان" لأسباب سياسية مختلفة. ويتناسى النقاد عادة أيضاً التاريخ الحديث للعلاقات القطرية الوثيقة مع إسرائيل - وهي علاقات أقل علنية هذه الأيام ولكن من المؤكد أنها لا تزال قائمة (على سبيل المثال، كشف أحد الصحفيين عن قيام طائرات تابعة للحكومة الإسرائيلية برحلات من وإلى الدوحة في أواخر أيلول/سبتمبر). وقد حاول المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون مراراً وتكراراً، دون جدوى، إيجاد وسيط بديل ليحل محل الدوحة في التعامل مع قطاع غزة، وقد تدفعهم الأزمة الحالية إلى المحاولة مجدداً.

حفظ توازن قطر مع إسرائيل وغزة وإيران ودول الخليج

ظهر أول دليل علني على علاقات الدوحة بإسرائيل بعد اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين عام 1995، حيث حضر وزير الإعلام القطري حمد بن عبد العزيز الكواري جنازته في القدس مرتدياً الزي العربي الكامل. وقام خلف رابين، شمعون بيريز، بزيارة الدوحة في عام 1996، وتم إنشاء مكتب تجاري إسرائيلي - سفارة بحكم الأمر الواقع من الناحية العملية - في الدوحة بعد فترة وجيزة. وعلى الرغم من التوترات في المنطقة، ظل هذا المكتب مفتوحاً حتى عام 2008، عندما نفذت إسرائيل عملية "الرصاص المصبوب" في غزة. ولم تؤت خطط إنشاء مكتب قطري مماثل بالقرب من تل أبيب ثمارها. واليوم، لا يزال الإسرائيليون قادرين على زيارة قطر باستخدام جوازات سفرهم الأصلية، ولدى وزارة الخارجية الإسرائيلية موظف مسؤول للشؤون القطرية.

وقوبلت هذه العلاقات بمساعدات قطرية للفلسطينيين. وقد فضلت الدوحة غزة على الضفة الغربية في هذا الصدد، وزودت القطاع بالتمويل الضروري لاحتياجات الطاقة، والرواتب العامة، والمباني السكنية الجديدة، والمدارس. وكان المبعوث القطري الرئيسي الذي ينظم هذه المشاريع هو رجل الأعمال الكبير في مجال البناء محمد العمادي. وفي مقابلة أجراها معه كاتب هذه السطور في عام 2018، نفى أن تكون أموال الحكومة القطرية قد ذهبت إلى "حماس"، موضحاً كيف كان يسافر بانتظام إلى الأردن قبل التوجه بالسيارة إلى غزة عبر القدس، حيث كان يقيم في فندق يفضله اليهود المتدينون.

كان أحد الدوافع الرئيسية لإقامة الدوحة علاقات مع إسرائيل هو الاعتقاد بأن هذه الأخيرة ستساعد قطر على التأثير على الولايات المتحدة عبر مجتمعها اليهودي. وهناك دوافع محلية أيضاً لعلاقات الحكومة القطرية مع "حماس" - فالقطريون العرب يتعاطفون مع الفلسطينيين بشكل عام، والعديد منهم يشاركون في الالتزام الصارم بالإسلام المتمثل في إيديولوجية "الإخوان المسلمين" والتي تزعم "حماس" أنها تتبعها. (على الرغم من أن الحكومة القطرية كانت ذكية في تمكين غير المسلمين من الحصول على الكحول بسهولة فيها).

وفيما يتعلق بإيران، أصبح موقف الدوحة معقداً بسبب الجغرافيا والهيدروكربونات. فقطر هي شبه جزيرة منفردة في الخليج العربي وتضم عدد قليل من السكان يبلغ حوالي 300 ألف نسمة، لكنها تنعم باحتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي، وهي ثالث أكبر احتياطيات في العالم بعد روسيا وإيران. لكن "حقل غاز الشمال" البحري الضخم التابع لها يجاور "حقل بارس الجنوبي" الإيراني الأقل تطوراً، مما يفرض حالة من التشارك القسري تحتم على الدوحة بشكل أساسي الحفاظ على علاقات جيدة مع طهران.

أما علاقات قطر مع جيرانها الآخرين في الخليج فهي مشحونة على نحو متزايد. على سبيل المثال، لا تزال البحرين مستاءة من عدم إمكانية الوصول إلى موقع عاصمتها التاريخية في شمال قطر، ومن أن احتياطياتها المتواضعة من النفط والغاز تتضاءل أمام احتياطيات الدوحة. وكثيراً ما يشتكي المسؤولون القطريون من جانبهم، من الأماكن التي أقامت فيها بعض دول الجوار مفاعلات الطاقة النووية الحالية أو المخطط لها، ويرجع ذلك على الأرجح إلى أسباب رمزية بقدر ما يرجع إلى مخاوف من التلوث الفعلي. فقد وضعت الإمارات العربية المتحدة مفاعلاتها الأربعة بعيداً عن أبوظبي ولكن قريباً جداً من الدوحة. وبالمثل، فإن الخطط المبدئية للمملكة العربية السعودية لبناء مفاعل مدني صيني قد يتم تشييده على الحدود مع قطر.

وفي عام 2017، فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حظراً تجارياً ودبلوماسياً كاملاً على قطر، بدعوى أن الدوحة تدعم الإرهاب، وأصدرت قائمة طويلة من المطالب لإنهاء الخلاف. إلّا أن الخلاف انتهى فجأة دون سبب واضح في أوائل عام 2021، عندما رفع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحظر على الرغم من عدم تلبية أي من المطالب.

هل لدى واشنطن بدائل لقطر؟

على مر السنين، لعبت الدوحة ورقتها كدولة "غنية بالموارد ولكن سريعة التأثر" بمهارة، ولو بشكل مثير للجدل. ففي أواخر تسعينيات القرن الماضي، بنت "قاعدة العُديد الجوية" العملاقة، على الرغم من أن هذه المنشآت تجاوزت بكثير احتياجاتها العسكرية في ذلك الوقت. وعندما منع السعوديون الولايات المتحدة من استخدام "قاعدة الأمير سلطان الجوية" لتنفيذ عمليات ضد تنظيم "القاعدة" في أفغانستان في عام 2003، أتاحت قطر "قاعدة العُديد". ومنذ ذلك الحين، استخدمتها القوات الجوية الأمريكية والوحدات المتحالفة معها كقاعدتها الرئيسية في الخليج، حتى أنها أنشأت فيها مركز عمليات أساسي يتحكم بجميع الأنشطة الجوية الأمريكية في المنطقة الممتدة من العراق إلى أفغانستان. وسمحت دولة الإمارات المجاورة للقوات الأمريكية بالعمل من "قاعدة الظفرة الجوية"، لكن وفقاً لبعض التقارير، إن القيود العملياتية في تلك المنشأة تجعلها غير جذابة بالمقارنة مع "قاعدة العُديد".

واليوم، تبدو العودة إلى قاعدة سعودية بديلة غير مجدية نظراً للتجربة التاريخية المشحونة للقوات الأمريكية في المملكة. وفي الوقت نفسه، أضرت الإمارات بسمعتها لدى واشنطن من خلال سماحها للصين سراً ببناء قاعدة استخباراتية على أراضيها. وتستضيف البحرين أساساً "الأسطول الخامس" الأمريكي - وقد يكون الطلب من هذه الدولة التي يحكمها السنة بأن تعمل المزيد أمراً إشكالياً نظراً للتعاطف الواسع النطاق مع إيران في صفوف الأغلبية الشيعية من سكانها.

وغالباً ما أثارت رعاية الدوحة لشبكة "الجزيرة" الإعلامية غضب واشنطن أيضاً. فقناتها العربية على وجه الخصوص مؤيدة بشدة للإسلاميين ومعادية للولايات المتحدة، وهي مشاعر كان لها عواقب عملية مميتة على القوات الأمريكية على الأرض. على سبيل المثال، بعد الإطاحة بصدام حسين، تآمر صحفيو "الجزيرة" في العراق على ما يبدو مع مقاتلين كانوا ينصبون كمائن للقوات الأمريكية، وذلك جزئياً للحصول على صور أفضل جودة. وفي ذلك الوقت، لم يكن للغضب الدبلوماسي الأميركي تجاه الدوحة تأثير واضح على ممارسات الشبكة.

وفي الآونة الأخيرة، أعربت واشنطن عن امتنانها للدور الرئيسي الذي لعبته قطر في مساعدة اللاجئين على مغادرة أفغانستان عند استلام حركة "طالبان" زمام السلطة في عام 2021. وتعمل الآن مجموعة أساسية من الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يركزون على الشؤون الأفغانية انطلاقاً من السفارة الأمريكية في الدوحة. ولكن بعد أن أعادت الحرب ضد "حماس" حالياً المخاوف القديمة إلى الواجهة مجدداً، فقد تسعى الولايات المتحدة إلى الضغط على قطر من خلال التهديد بسحب أصولها العسكرية من البلاد أو تقليص وجودها العسكري والدبلوماسي فيها فعلياً.

الخاتمة

لدى الولايات المتحدة وإسرائيل أولويات متشابهة ولكن غير متطابقة بالضرورة في أزمة غزة. فكلاهما يريد تحرير المزيد من الرهائن، لكن واشنطن حريصة على منع اتساع رقعة النزاع إلى لبنان وإيران، في حين تركز إسرائيل بصورة أكثر على إعادة بناء الردع ضد "حماس" بعد هجومها المفاجئ الصادم. ويبدو أن العثور على بديل للقناة الدبلوماسية القطرية المستعد للعمل مع "حماس" غير محتمل.

ومع ذلك، يمكن لواشنطن بالتأكيد أن تجعل الدوحة أكثر وعياً بمدى اشمئزاز البيت الأبيض ومعظم الأمريكيين من الهجمات الإرهابية المروعة التي تشنها الحركة ضد المدنيين الإسرائيليين. فالدوحة تعتبر الولايات المتحدة أهم حليف لها، وكان تجاهلها السابق لمخاوف الولايات المتحدة أكثر وضوحاً في عهد الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني. أما اليوم فيقود البلاد ابنه تميم، الذي بنى سمعة قطر كجهة فاعلة عالمية في قطاع الطاقة وعالم الرياضة ومجالات أخرى. ويواجه الأمير تميم حالياً أصعب اختبار له، وهو فصل الدوحة عن "حماس". وإلا فإنه يواجه احتمال تخفيض كبير في مستوى العلاقات الثنائية الأكثر أهمية لبلاده مع الولايات المتحدة.