متابعات-
بدون أطراف سفلية، وبهِمة عالية ومتنقلاً باستخدام يديه تارة وعلى كرسي متحرك تارة أخرى، أصبح الشاب القطري من ذوي الاحتياجات الخاصة غانم المفتاح، أحد أبرز الأشخاص الفاعلين في المجتمع القطري، ثم العالم، ويقدم دروساً في الصبر والتحمل والإبداع، وصولاً إلى تقديم دروس في الإنسانية.
وللمفتاح شهرة واسعة في منطقة الخليج والوطن العربي، حيث لا يعرف اليأس طريقاً إليه؛ فهو يحب المغامرة والتنقل في الأحداث المهمة، كما حدث في مونديال قطر، وكان الشخصية البارزة فيها.
وفي ظل الأحداث الجارية في غزة والعدوان المستمر، حمل الغانم جسده الصغير وانطلق إلى مدينة العريش تضامناً مع القطاع الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي، والتقى بجرحى فلسطينيين، في رسالة بأن الإنسانية لا يمكن أن تمنعها إعاقة أو بعد المسافات.
في العريش
مع استمرار وصول المساعدات القطرية إلى العريش المصرية ومن ثم إلى قطاع غزة، ووجود وفد دبلوماسي سبق أن قام بزيارة القطاع قبل أيام، انضم الملهم القطري الشاب غانم المفتاح إلى الوفد المرافق للطائرات القطرية التي توجهت للمنطقة، مطلع ديسمبر 2023، حاملة مساعدات إنسانية.
وقبل مغادرته مطار حمد الدولي، نشر المفتاح مقطع فيديو له وهو متوجه نحو إحدى الطائرات وعلق عليه: "توكلنا على الله"، حيث لوحظ تقديمه رسالة باختياره الصعود على سلم الطائرة بيديه رغم أن مطار حمد الدولي يوفر مرافق مصممة خصوصاً للركاب الذين يحتاجون إلى مساعدة خاصة.
وفور وصوله إلى مطار العريش كان في استقباله وزيرة الدولة للتعاون الدولي بوزارة الخارجية القطرية، لولوة الخاطر، التي اصطحبته في زيارة إلى مستشفى العريش لزيارة المصابين من غزة الذين نقلوا إليه.
وقال، في تصريحات إعلامية، إنه سعيد أن يكون مع أهالي غزة المصابين، مؤكداً أن شعب فلسطين حر وصامد، وتعلم منهم الشجاعة والقوة، متابعاً: "فرحان (سعيد) إني موجود لدعم إخوتي الفلسطينيين، وشعب حر وصامد، ونحن معكم ولن نترككم".
وأكد غانم أنه جاء إلى مصر، وخاصة محافظة شمال سيناء، لزيارة المصابين الفلسطينيين في مستشفى العريش، وتقديم الدعم المعنوي لهم ومساندتهم خلال مصابهم الأليم نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل.
إشادات واسعة
على صفحتها في "تويتر" كشفت الوزيرة القطرية، لولوة الخاطر، أنه منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة كان الشاب الغانم يتواصل معها بـ"إلحاح ويومياً لتقديم الدعم لأهلنا في غزة"، مضيفة: "عندما عرف أننا دخلنا غزة بدونه بكى بكاء الرجال الصادقين".
وأشارت إلى أن الغانم فور وصوله إلى العريش "واسى الجرحى والمرضى الفلسطينيين، حتى إن والد أحمد- الأب الذي فقد كل أبنائه وزوجته وإخوته ووالديه دفعة واحدة- قال لأول مرة أرى أحمد يضحك منذ القصف عندما رأى غانم، فهو يتابع كل فيديوهاته".
وأضافت: "مبادرة غانم ليست مجرد لقطة عابرة يسجل بها موقفاً يقف أمامه الآخرون مهللين، ولا تفاعلاً لحظياً مع (الترند) كما يقال، لكنها حصيلة قناعة عميقة والتزام حقيقي تجاه القضية الفلسطينية"، كاشفة عن أنه منذ سنوات "يسخر دخله من وسائل التواصل والمحاضرات ومن أسرته، لدعم مشروعات كثيرة في فلسطين العزيزة، وعلى رأسها كفالة الأيتام في غزّة الغالية".
وفي مواقع التواصل الاجتماعي تفاعل كثير مع الشاب القطري، وعلق الإعلامي بقناة الجزيرة ماجد عبد الهادي بقوله: "غانم المفتاح نموذج استثنائي لقامات سامقة في أُمَّةٍ أقعدها العجز".
وعلق الباحث مهنا الحبيل على الزيارة قائلاً: "ربنا يرعاك يا غانم المفتاح ويتقبل سعيك، رمزيتك وعزيمتك أضحت أيقونة عالمية، بمعيار إنساني حقيقي وخاصة في هولوكوست غزة".
وعلق عبد الله علي قائلاً: "يشهد الله أني بكيت لما شفت غانم المفتاح، وهو يحاول تقديم المساعدات إلى غزة، بينما صهاينة العرب يدعونهم إلى المؤتمرات والحفلات".
أما حساب "وهج الفؤاد"، فعلق على صور المفتاح قائلاً: "مبادرة غانم المفتاح، ذي القلب الكبير والروح المفعمة بالحياة، لمواساة الجرحى والمرضى الفلسطينيين الذين يتلقون العلاج في العريش بمصر".
كما علق مازن جابر بقوله: "في وقت دول بحالها متجاهلة غزة وأهلها.. نموذجان مشرفان لمسؤولة رسمية ومواطن بطل موجودان مع أهل غزة حتى لو بالدعم المعنوي".
ونشر الإعلامي محسن الإفرنجي مقطع فيديو للغانم قائلاً: "لقاء الإنسانية.. الناشط القطري غانم المفتاح يلتقي الفنان الفلسطيني محمد الدلو في العريش، وكلاهما من ذوي الاحتياجات الخاصة".
أيقونة المونديال وقصة معاناة
أثناء مونديال كأس العالم الذي أقيم لأول مرة في قطر وبالشرق الأوسط، لفت الشاب القطري الأنظار خلال افتتاح المونديال، باعتباره مثالاً على تحدي الإعاقة، وشارك في مشهد تمثيلي بين الشرق والغرب مع الممثل الأمريكي الشهير مورغان.
واستهل غانم المفتاح حفل الافتتاح بتلاوة الآية القرآنية: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
وفي أبريل 2022، أعلنت اللجنة العليا المنظمة لمونديال قطر تعيين الغانم سفيراً رسمياً للبطولة، وكانت رسالة حينها من قطر بالاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة في الدولة الخليجية.
والغانم ولد في 5 مايو 2002، بحالة نادرة تعرف باسم متلازمة التراجع الذيلي (CDS)، وهي اضطراب نادر يسبب مشكلات في نمو الجزء السفلي من الجسم، لكن ذلك لم يمنعه من تحدي إعاقته، حيث قال في مناسبات عديدة إنه رفض الاستسلام لهذه الإعاقة رغم حجم التحدي الهائل المتمثل في حاجته للعلاج المستمر، واستطاع التغلب على ذلك بـ"الصبر والإيجابية".
وقال: "تعلمت من أمي أنه لا شيء اسمه المستحيل"، مضيفاً: "هناك من يقول إنني تحديت إعاقتي ولكن أنا أقول إنني لم أتحد إعاقتي، وإنما تمكنت من التعايش معها، وعدم الاستسلام لها، بل مضيت في طريقي بأمل كبير في الحياة".
وألهمت قصته العديد من الأشخاص، وأصبح يتابع حسابه على "إنستغرام" أكثر من 5.7 ملايين شخص، وقال إنه يريد أن يرسل من خلال مواقع التواصل "رسائل إيجابية هي أن الأشخاص ذوي الإعاقة قادرون على العطاء وفاعلون في المجتمع".
سبب مرضه
يقول "كليفلند كلينيك" (مركز طبي أكاديمي أمريكي)، إن هذه الإعاقة تبدأ أثناء نمو الجنين في رحم الأم، ويؤثر على مناطق في الجسم قد تشمل أسفل الظهر والأرجل والمسالك البولية والجهاز الهضمي والأعضاء التناسلية.
ويحدث أن تكون عظام الحبل الشوكي والفقرات أسفل العمود الفقري غير طبيعية أو غير موجودة، ويتشكل كيس مملوء بالسوائل بالقرب من الحبل الشوكي حيث لا تنغلق فقراته تماماً، وقد يحدث تقوس للعمود الفقري.
وقد تصيب متلازمة التراجع الذيلي (CDS) أي شخص بغض النظر عن أي عوامل، وقد تكون الأسباب وراثية، حيث يقول المركز الوطني الأمريكي لمعلومات التقانة الحيوية، التابع للمكتبة الوطنية للطب، إنه يحدث لكل 1-3 أطفال بين كل 100 ألف ولادة حية.
وكان غانم المفتاح خضع لرحلة علاجية في ألمانيا تكللت بالنجاح، حيث قدم الشكر لأسرته ولبلاده، واستعرض في مقطع فيديو تحديه للمرض الذي ألم به، حتى استعادة عافيته.
تحدٍّ وتصدر للمشهد
كما يتحدث الشاب بامتنان عن دولته ومسؤوليها الذين يعرفونه بشكل شخصي، ويتلقى منهم باستمرار كل أشكال الدعم المادي والمعنوي. وغالباً ما يحظى المفتاح بفرصة الحضور في المهرجانات والفعاليات التي تقيمها قطر، وإبرازه بشكل جيد، لا شفقة، بل تأكيداً على نجاحه.
وسبق أن ظهر المفتاح، مطلع العام الماضي، في فيديو يشرح فيه كيف أنه تجاوز إعاقته وتمكن من تحقيق حلمه بقيادة سيارة بشكل طبيعي.
وبالرغم من مرضه وإعاقته، يمارس المفتاح الرياضة بانتظام، حيث يمارس ألعاباً مثل التزلج على الجليد وتسلق الجبال وكرة القدم والسباحة وكرة السلة والسباحة، وقد تمكن من الغوص 18 متراً في البحار.
كما سبق أن عُين سفيراً للنوايا الحسنة لمؤسسة أيادي الخير نحو آسيا (روتا)، التي ترعاها مؤسسة قطر، و"سفير السلام" لأمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد، وسفيراً للحملة الدعائية لمركز قطر للمال، كما أنه أيضاً رائد أعمال، حيث لديه شركة لإنتاج "الآيس كريم" تملك 6 فروع، ويأمل في توسعتها في دول المنطقة.
ويسعى المفتاح حالياً للحصول على شهادة جامعية، والتخصص في العلوم السياسية، بهدف أن يلتحق بالسلك الدبلوماسي ويمثل بلاده.
وفي العام 2018 تم إدراج قصة الفتى ضمن المناهج التعليمية القطرية؛ منهاج الصف الأول ثانوي بمادة المهارات الحياتية المهنية، وهو نفس الأمر الذي فعلته وزارة التربيّة والتعليم الكويتية التي جعلت قصته ضمن منهاج الصف الثامن إنجليزي.