يوسف حمود - الخليج أونلاين-
اشتعل فتيل أزمة بين الصومال وإثيوبيا مجدداً بإعلان أديس أبابا توقيع مذكرة تفاهم مع إقليم "أرض الصومال"، وهو ما أثار الكثير من الجدل والتوترات، خاصة مع إعلان مستشار كبير للرئيس الصومالي، السبت (13 يناير)، أن مقديشو "مستعدة لخوض الحرب" لمنع إثيوبيا من الاعتراف بالإقليم الانفصالي.
هذه المذكرة، التي تأتي بعد قرابة 6 سنوات من اتفاق أولي بين الطرفين تم إلغاؤه لاحقاً، أثارت إدانات من الصومال؛ في وقت يشعر جيران آخرون بالقلق بشأن السماح بالوصول البحري المحتمل إلى البحر الأحمر من جانب إثيوبيا.
وفي كل أزمة جديدة تبدأ بالاشتعال، تتجه الأنظار تلقائياً صوب العاصمة القطرية الدوحة، التي تبنت سياسة الوساطة كطريقة للتعامل مع الأزمات الدولية، ونجحت في كثير من الوساطات المختلفة، كان آخرها بين أمريكا وفنزويلا، فهل تدخل قطر في هذه الأزمة؟
موقف قطر
تسارع قطر دوماً للتعاون مع الدول والحكومات لإنهاء الأزمات المختلفة، لكنها في الوقت ذاته تؤكد تمسكها بحق كل دولة في سيادتها، كما هو الحال مع التطورات في الصومال والخلافات مع إثيوبيا.
وشاركت قطر في اجتماع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري (17 يناير 2024)، في الدورة غير العادية لدعم الصومال في مواجهة ما أسمته الجامعة بـ"الاعتداء على سيادتها ووحدة أراضيها".
في الاجتماع أكد سلطان بن سعد المريخي، وزير الدولة للشؤون الخارجية بقطر، أن المشاركة "تأتي مساندة لجمهورية الصومال الشقيقة التي تواجه ما يهدد وحدتها واستقرارها وسلامة أراضيها"، مؤكداً معارضة بلاده لـ"أية إجراءات من شأنها التأثير على السيادة الصومالية".
كما أكد ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة الصومال على كامل أراضيه، وحق شعبه، دون غيره، في الانتفاع بموارده، مجدداً عزم الدوحة على "تطوير العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية الصومال الشقيقة انطلاقاً من رغبة القيادة السياسية لدى البلدين، وتعزيزاً للتواصل المستمر بين المسؤولين".
وكان لافتاً لقاء الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، سفير دولة قطر لدى مقديشو عبد الله بن سالم النعيمي، حيث أكدت وكالة الأنباء القطرية أن الجانبين بحثا "علاقات التعاون بين البلدين"، فيما لم تتطرق الوكالة لمزيد من التفاصيل.
رفض وأزمة
في الوقت الحالي يرفض الصومال أي وساطة، وطلبه الوحيد أن تنسحب إثيوبيا من اتفاقها مع ما يُعرف بإقليم أرض الصومال، والذي يمنح أديس أبابا الوصول إلى ميناء على البحر الأحمر مقابل اعترافها بالإقليم دولة مستقلة.
وجاء توقيع الاتفاقية بين أديس أبابا وأرض الصومال بعد نحو 6 سنوات من اتفاق أولي بين الطرفين ألغي لاحقاً بعد أن أثار إدانات من الصومال بشأن السماح بالوصول البحري المحتمل إلى البحر الأحمر من جانب إثيوبيا.
ويقع إقليم أرض الصومال (المعروف بصوماليلاند) وعاصمته "هرجيسا" في منطقة القرن الأفريقي شمال غرب جمهورية الصومال، ويُشكِّل 27% من مساحتها، ويَحده من الشمال خليج عدن، ومن الجنوب إثيوبيا، ومن الشرق إقليم بونتلاند الصومالي، ومن الغرب جيبوتي.
ويبلغ طول خط ساحل الإقليم 850 كيلومتراً، وهو أكثر من ربع طول الساحل الصومالي الأطول في القارة الأفريقية. ويُقدر عدد سكان الإقليم بنحو 4 ملايين نسمة، وهم 23% من التعداد السكاني الصومالي الذي تخطّى 18 مليون نسمة.
قطر والصومال
ولقطر تداخل مع الصومال، وحاولت سابقاً عقد مفاوضات بين الحكومة المركزية و"أرض الصومال"، كان آخرها في مايو 2021، عندما أرسلت مطلق بن ماجد القحطاني، المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات.
يومها استهل القحطاني زيارته بهرغيسا عاصمة أرض الصومال الانفصالية والتقى بالرئيس موسى بيحي عبدي، وناقش معه- حسبما أكده بيان صادر من رئاسة أرض الصومال- افتتاح قطر مكتباً دبلوماسياً في هرغيسا، وافتتاح مكتب آخر لمنظمة قطر الخيرية.
وعقب تلك الزيارة، وصل القحطاني إلى مقديشو، والتقى بالقائم بأعمال رئيس الوزراء محمد حسين روبلي ورئاسة البرلمان الفيدرالي المنتهية ولايته ورئيس وكالة المخابرات والأمن القومي فهد ياسين، وناقش مع تلك الجهات المساعدة في التوصل إلى اتفاق انتخابي والتعاون في مكافحة الإرهاب.
ونجحت قطر حينها في التوسط لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين جمهوريتي الصومال وكينيا بهدف تحقيق السلم والاستقرار الدوليين، كما قامت الدوحة بجهود الوساطة في الصومال لحل الخلافات السياسية المتعلقة بالانتخابات، وذلك عبر الحوار والتوافق الشامل بين الأطراف الصومالية.
قطر والوساطة
"لقطر دور وسيط واضح في كثير من القضايا الدولية، وقد يكون لها يد في إيقاف التوتر بالصومال"، وفق الكاتب الصومالي علي عبد ؤالله شيخ، الذي يشير إلى أن الأزمة الحالية متداخلة بين أطراف مختلفة في جنوب شرق أفريقيا.
في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، يلفت شيخ إلى أن أي تطورات قادمة في المشهد الصومالي سيكون لها تأثيرات وتداعيات كبيرة جداً على منطقة القرن الأفريقي، خصوصاً في حال لجأ الجانبان إلى استخدام السلاح.
ويضيف: "إثيوبيا غير قادرة على الدخول في القتال، لكن قد تدعم جماعات مسلحة مناوئة لحكومة الصومال، في المقابل فإن الحكومة المركزية ضعيفة ومتهالكة بسبب الحروب السابقة، وستلاقي صعوبات".
لذلك يرى الكاتب عبد الله شيخ، أن "قطر ستكون قادرة على التأثير في هذا الجانب على الطرفين، تحاشياً للوصول إلى ما هو أبعد من الخلافات السياسية والتهديدات"، مؤكداً أن أي ضغوط دولية حالياً "لن تجدي في ظل الأزمة الحالية".
ويتابع: "قطر لديها خبرة سابقة منذ أكثر من 5 سنوات في الصومال، وكان لديها وساطات مختلفة، وهذا ما قد يمكنها من اللعب مع الأطراف حسب ما قامت به سابقاً للعب الدور الوسيط الموثوق من الجانبين، وهنا أقصد الحكومة المركزية والحكومة في أرض الصومال".
وساطات لا تتوقف
وخلال السنوات الأخيرة كان لقطر دور بارز في دعم وتسهيل عمليات الوساطة في مناطق متعددة، تجاوزت الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، ووصلت إلى مناطق أبعد وأصعب في ملفاتها، وهو ما مثلته أخيراً بنجاحها في حل أزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا، فضلاً عن خوضها نقاشات ووساطة دبلوماسية مستمرة في ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة.
واستمرار الجهود الحالية في قطر يأتي بعدما نجحت، بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة، في الوساطة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حيث جرى التوصل إلى اتفاق على هدنة إنسانية في قطاع غزة استمرت أسبوعاً (أواخر نوفمبر 2023)، تم خلالها تبادل أسرى ومحتجزين وإدخال مساعدات ووقف الحرب، قبل أن يعاود الاحتلال عدوانه مجدداً.
وفي حال دخلت قطر في وساطة بالصومال، فهي تعد محطة جديدة في سياق سلسلة من الأدوار المماثلة التي شملت أيضاً دولاً عدة، ومنها الحوار الأمريكي مع "طالبان" حول أفغانستان، وإعادة الأطفال الأوكرانيين إلى ذويهم من روسيا، والملف الإيراني ـ الأمريكي.