القدس العربي-
أعلنت قطر رسمياً إعادة تقييم دورها ومشاركتها في جهود الوساطة التي ترعاها مع أطراف إقليمية ودولية بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية حماس، بهدف التوصل لاتفاق ينهي الحرب الإسرائيلية على غزة، وإنهاء الصراع في فلسطين.
وجاء الإعلان القطري على أعلى مستوى، وعبر عنه صراحة وبلغة مباشرة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية الذي أكد بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن الدوحة لن تستمر في هذا الدور بعد الآن من دون مراجعة وتقييم لما يجري.
ولم يأت الموقف القطري متسرعاً أو ممزوجاً بقرار عاطفي، وإنما اتخذ بعد قراءة واسعة ومعمقة للمشهد، بعد أن أخذت المناورات التي تقوم بها جهات وأطراف سياسية في تل أبيب وواشنطن مساراً معقداً.
وقالها صراحة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري إن الدوحة “ترفض إساءة استخدام وساطتها لخدمة أهداف سياسية ضيقة من قبل البعض”، ليؤكد أن قطر “تعمل حاليا على إعادة تقييم هذه الوساطة بشكل كامل ودقيق”. وبحسب المسؤولين القطريين فإن الدوحة كان منطلقها ودافعها في رعاية جهود الوساطة إنسانياً أولاً، وثانياً دعماً لصمود أشقائهم الفلسطينيين، وثالثاً للمساهمة في أي دور يحلل السلام أينما كان، مثلما فعلت في العديد من المناسبات وفي مواقع مختلفة.
وسعت قطر منذ البداية أن تسهم بشكل إيجابي في المفاوضات بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وحركة المقاومة الإسلامية حماس، من خلال جسر الهوة بين الأطراف، وتقريب المسافات بين وجهات النظر، من خلال المفاوضات غير المباشرة. ووجدت قطر نفسها في دوامة لم تعهدها من قبل في الجهود الدبلوماسية العديدة التي باشرتها، وملفات شائكة ساهمت فيها وتكللت جهودها بالنجاح من دون ظروف استثنائية خاصة سوى ما يتطلبه دور الوسيط، مثل أفغانستان، وإيران، وغيرها.
وتأكد للدوحة أن سلطات الاحتلال تحديداً تماطل وتراوغ في موضوع الوساطة، مما جعل المسألة تأخذ وقتاً طويلا، وتعقيدات استمرت لأشهر، وخلافات لم تكن من صلب المفاوضات.
الوساطة القطرية منطلقها إنساني وداعم للفلسطينيين
تعتبر قطر أن دورها في الوساطة لا يتيح لها فرض أجندات أو شروط على الأطراف، ولا ممارسة ضغوط على جهة أو ابتزاز طرف ما مهما كان السبب. ويأتي التأكيد رداً على تصريحات إسرائيلية تشير صراحة إلى ضرورة ممارسة قطر ابتزازا بأشكال وصيغ مختلفة على حركة المقاومة الإسلامية حماس.
وتوالت تصريحات سياسيين من تل أبيب وواشنطن، كانت تصب في اتجاه أن قطر مطالبة بممارسة ضغوط على حركة حماس، أو التهديد بطرد مكتبها في حال رفضوا الصفقات التي تخدم وجهة نظر نتنياهو ومجلس أركان حربه. وفي مناسبات مختلفة أعلن بعض السياسيين مواقف تعتبر تدخلاً صريحاً في القرار القطري، من قبيل أن الدوحة مطالبة بفرض ضغط على حماس مقابل استضافة المكتب. ويعتبر الأمر في العرف الدبلوماسي تدخلاً في شأن داخلي.
سعت الدوحة في مراحل عدة من إدارة جهود الوساطة التزام الصمت حيال التصريحات الواردة من عواصم عدة، بهدف التركيز على جهد إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، والعمل بشكل وسيط مع الولايات المتحدة ومصر لتقديم مقترحات بنّاءة، خصوصاً وأن دور الوسيط محدود ولا يمكنه تقديم أشياء ترفضها أطراف الأزمة، إلا أن جرعات الاستهداف زادت عن حدها.
وكشف ذلك الشيخ محمد بن عبد الرحمن الذي يؤكد أن المفاوضات تمر بمرحلة حساسة ودقيقة ولا بد أن تسفر عن وقف الحرب وإطلاق الرهائن (الأسرى). لكن بالمقابل وجدت قطر ما اعتبرته إساءة لاستخدام وساطتها وتوظيفها لخدمة مصالح سياسية ضيقة. رئيس الوزراء القطري كشف بشكل مباشر أن الدوحة ترى بوضوح أن “هناك إساءة للدور القطري في الوساطة، ونحن نرفض هذه الإساءة”.
تصريحات متناقضة
ترى قطر أن بعض الأطراف، وتحديداً في تل أبيب ترسل تصريحات للاستهلاك الإعلامي وتمرير رسائل سياسية وتحقيق مكاسب خاصة، على حساب مكانة قطر أو الإساءة لها، أو النيل من سمعتها.
وفي هذا السياق تجد الدوحة ازدواجية في التصريحات، بين ما يقال لها من بعض الأطراف، والأحاديث التي توجه للمسؤولين القطريين، في الغرف المغلقة، ويكون عكسها تماماً ما يذاع علناً أو لوسائل الإعلام، حيث يرتفع بارومتر المزايدة. ورصدت السلطات القطرية العديد من التصريحات المسيئة والتي لم تجد صدراً يتقبلها بعد توسع دائرتها وارتفاع حدتها، وتجاوز السقف الذي يمكن التغاضي عنه و”تطنيشه” على حد الوصف الخليجي، أي التعامل معه بلامبالاة.
وترى السلطات القطرية أن جهات في تل أبيب تستغل موضوع الوساطة سجلاً للمزايدة السياسية بين مختلف التيارات، ويتم الزج باسم قطر من دون مبرر وسط المعارك الضارية بين الفرقاء، لتجاوز حالة الاحتقان نتيجة فشل سياسات بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يواجه المزيد من الضغوط. ولم تسم قطر جهة محددة حينما أطلق الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني تصريحه الذي أعلن عن إعادة تقييم دور الدوحة في مجال الوساطة. لكن رصد التصريحات التي ظهرت ضد قطر في الفترة الأخيرة يحيلها جميعاً إلى تل أبيب، وبعض المصادر في مبنى الكابيتول في العاصمة الأمريكية واشنطن، التي تداول بعض ساساتها والنواب تصريحات تستخدم كلمات من نفس قاموس جهات إسرائيلية.
تحليل الموقف قبل حسم قرار وقف جهود الوساطة
إعلان رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري مراجعة الدوحة دورها في الوساطة التي ترعاها وتشارك فيها بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية حماس، لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة التي أقفلت شهرها السادس، لم يعن دفن الوساطة نهائياً.
وبحسب المسؤولين القطريين، فإن هذا التصريح يعني توجيه رسالة للجهة التي تستهدف قطر، في انتظار أن تراجع الدوحة قرارها النهائي بحسب تداعيات الموقف، خصوصاً وأن همها الأساسي التوصل لإنهاء الحرب، وضمان التزام الجميع بخفض التصعيد وتحكيم العقل واللجوء للحوار بدلاً من العنف، لاحتواء التصعيد. وتواصل قطر اتصالاتها مع مختلف الأطراف التي يمكن أن تلعب دوراً في الملف الفلسطيني، لتحقيق أي اختراق في ملف الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
ومؤخراً ناقش الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية مع هاكان فيدان وزير الخارجية التركي تطورات الأوضاع في فلسطين المحتلة. كما أجرى المسؤولون القطريون اتصالات مختلفة مع الجهات المسؤولة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي إيران، لاحتواء التصعيد في المنطقة.
قطر تحذر من مغبة توسع نطاق الحرب الإسرائيلية على غزة
يؤكد المسؤولون في قطر وفي مناسبات مختلفة، وفي تصريحات بعضها كان رداً على أسئلة لـ”القدس العربي”، أنهم يحذرون جميع الأطراف من مغبة توسع نطاق الأزمات في المنطقة بسبب الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. وتؤكد الدوحة أن الأزمة يمكن أن تنشطر وتتوسع شظاياها لكل دول المنطقة.
وشدد مؤخراً الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني “قلنا منذ البداية إن استمرار الحرب على غزة يمكن أن يؤدي لتوسع الصراع، وقد تصاعد الصراع منذ قصف قنصلية طهران في دمشق، ونحن نعمل على احتواء الأزمة ولا نعرف إلى أين ستصل الأمور”. ويستطرد المسؤول القطري في قراءته للتحديات التي تواجهها المنطقة: “لا نعرف من يرغب في احتواء التصعيد ومن يرغب في توسيعه، وسمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يقوم بالتنسيق حالياً مع دول المنطقة لتوحيد المواقف”.
نفي لاتهامات ساسة في واشنطن
وقبل إعلان رئيس الوزراء القطري مراجعة الدوحة دورها في مجال الوساطة، ردت سفارة قطر في الولايات المتحدة على تصريحات أطلقها ساسة في واشنطن استهدفت بدورها الدولة التي اعتبرت المحاور الموثوق عالمياً، أي قطر. وأعلنت الدوحة في بيان عمم في عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية، مفاجأتها بالتصريحات التي أدلى بها عضو الكونجرس الأمريكي ستيني هوير عن أزمة المحتجزين بقطاع غزة وتهديده “بإعادة تقييم” العلاقات الأمريكية مع قطر.
وحاول النائب الأمريكي أن يفرض على الدوحة اتخاذ قرارات وتوصيات بما اعتبر تدخلاً في شأن سيادي، مع زعمه أن قطر لا بد “أن تخبر حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية أنه ستكون هناك “تداعيات” إذا “واصلت (حماس) عرقلة التقدم صوب الإفراج عن الرهائن والتوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار”. ليضيف أنه “إذا فشلت قطر في ممارسة هذا الضغط، فإن الولايات المتحدة لا بد أن تعيد تقييم علاقاتها مع قطر”.
وردت قطر على ذلك أن الدوحة وسيط فقط، لا تتحكم لا في إسرائيل، ولا في حماس، وهما المسؤولتان الوحيدتان عن التوصل إلى اتفاق.
وذكّرت الدوحة الساسة في واشنطن أن “دور قطر في الوساطة قائم فقط لأن الولايات المتحدة طلبت منها في 2012 الاضطلاع بهذا الدور بما أن إسرائيل وحماس، للأسف، ترفض كل منهما التحدث مع الأخرى مباشرة”، وهي إشارة إلى طلب البيت الأبيض من الدوحة استقبال قادة حماس.