يوسف حمود - الخليج أونلاين-
حفل سجل الوساطات القطرية بنجاحات متعددة اكتسبت من جرائها سمعة عالمية، وتقود حالياً جهوداً لوقف الحرب في غزة التي تقترب من عامها الأول.
وبينما كانت قطر وشركاؤها في الوساطة، الولايات المتحدة ومصر، يعملون لوقف حرب غزة، تصاعد التوتر في لبنان وصولاً إلى وصف الدوحة ما يحدث بأنه "حرب مكتملة الأركان"، وسط دعوات إلى اتفاق يمنع صراعاً أوسع بين الطرفين.
لكن يبدو أن تل أبيب تريد توسيع الحرب على "حزب الله" مع طلب جنرالات الجيش الإسرائيلي من الجنود الاستعداد لتوغل محتمل في لبنان، فهل تتدخل قطر في وساطة جديدة للتهدئة؟
لم يحن الوقت
وحول إمكانية دخول قطر بوساطة في لبنان، أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أنه لا يعلم بوجود "ارتباط مباشر" بين اقتراح وقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً في لبنان، واقتراح وقف إطلاق النار في غزة الذي عملت قطر عليه بشكل مكثف، إلى جانب مصر والولايات المتحدة.
وأضاف الأنصاري: "لست على علم بوجود صلة مباشرة، لكن من الواضح أن الوساطتين متداخلتان بشكل كبير عندما تتحدث عن نفس الأطراف التي تشارك في الغالب في هذا المسار الدبلوماسي".
وشدد على أنه "من المبكر للغاية" التحدث عن "مسار وساطة رسمي" في المحادثات بين "إسرائيل" و"حزب الله"، مشيراً إلى أنه "نعمل مع شركائنا لضمان وقف إطلاق النار الفوري في لبنان، والعمل على العودة إلى المسار الصحيح بعد التصعيد الحالي. كما نواصل جهودنا على المسار الآخر في غزة".
وقال الأنصاري: "أعتقد أن هناك شعوراً عاماً في المجتمع الدولي بأن الجميع يعملون معاً من أجل ضمان وقف إطلاق النار في لبنان، ولا أعتقد أننا نستطيع الآن أن نقول إن هناك مساراً رسمياً للوساطة، بل إن كل قنوات الاتصال تظل مفتوحة".
وذكر أيضاً أن الحرب في لبنان لا مبرر لها، وأنها "مكتملة الأركان"، وليست مجرد تصعيد.
وفي 24 سبتمبر، بحث رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مع مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، مستجدات جهود الوساطة المشتركة لإنهاء الحرب على غزة، وسبل خفض التصعيد في لبنان.
تصعيد متسارع
وتشهد المنطقة تصعيداً كبيراً بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله"، حيث أعلن وزير الجيش الإسرائيلي، يوآف غالانت، توسيع الهجمات على المواقع العسكرية ومستودعات الصواريخ وقيادات حزب الله في جميع أنحاء لبنان، واستمرار الحرب على غزة التي اقتربت من عامها الأول.
كما دعا رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، جنوده إلى الاستعداد لـ"دخول محتمل" إلى لبنان، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه استدعى لواءين احتياطيين من أجل "مهام عملياتية" في الشمال.
وبدأ التصعيد الأخير رداً على ضربات "حزب الله" على شمال "إسرائيل" ووصل ذروتها بتفجير أجهزة الإرسال في 17 و18 سبتمبر، وأسفرت عن مقتل أكثر من ثمانين شخصاً وإصابة نحو أربعة آلاف آخرين في صفوف قيادات وعناصر الحزب.
وتلت التفجيرات غارة إسرائيلية، في 20 سبتمبر، على الضاحية الجنوبية لبيروت قتل فيها 16 من قادة قوة الرضوان التابعة للحزب، والتي تعد وحدة النخبة فيه، بينهم قائدها.
وعلى ضوء التصعيد أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل باروت، في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي (25 سبتمبر) أن بلاده تعمل مع الولايات المتحدة على وضع خطة لوقف مؤقت لإطلاق النار بين "إسرائيل" ولبنان، بهدف تمهيد الطريق للمفاوضات، مشيراً إلى أنه سيتم الإعلان عن هذه الخطة قريباً.
ودعا بيان مشترك، صدر (الخميس 26 سبتمبر)، عن 12 دولة ومنظمة، بينها الولايات المتحدة وفرنسا، إلى وقف مؤقت لإطلاق النار لإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية.
وبينما انتشر خبر لتوقيع رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، على اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، نفى بيان لمكتب ميقاتي ذلك، وقال: "إن هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق".
كما نفى ذلك أيضاً رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حيث أكد أن القتال سيستمر في الشمال بقوة حتى يتسنى إعادة سكانه لمنازلهم.
وقت غير مناسب
ومع ذلك ينظر إلى قطر بأنها الأكثر قرباً لإنجاح أي وساطة مرتقبة، وذلك بسبب "قنوات التواصل القطرية مع كل من حزب الله وإيران وإسرائيل"، وفق ما يقوله المحلل السياسي اللبناني محمود علوش، الذي يرى في تصريحه لـ"الخليج أونلاين" أنه:
ما يعظم دور قطر في أي وساطة ممكنة في لبنان بسبب تجربة غزة التي راكمت خبرتها في مجال الوساطة في صراعات من هذا النوع، لذلك فإن انخراطها في جهود إنهاء الحرب يعظم من فرص الدبلوماسية.
يجب الأخذ في الحسبان تشابك ديناميكيات حرب "إسرائيل" و"حزب الله" مع ديناميكيات حرب غزة، لذلك فإن انخراط قطر في مسارين للتهدئة يبقى حاجة لمختلف أطراف الصراع.
بالطبع ستظهر مبادرات متعددة من أجل وقف الحرب والحد من مخاطر تحولها إلى حرب إقليمية، لكن دور قطر كقناة تواصل مع "حزب الله" وإيران سيبقى محورياً لنجاح أي مبادرات.
لا يوجد ظروف مناسبة في الوقت الراهن لأي مبادرات من أجل وقف إطلاق النار والحد من التصعيد، فالإسرائيليون سيسعون إلى استثمار التصعيد من أجل إلحاق أكبر ضرر بـ"حزب الله" لتعظيم فرص فرض شروطهم في أي تسوية.
وساطات قطر
ولعل توجه الأنظار إلى قطر يعود إلى نجاح وساطات كثيرة لها، كان آخرها لم شمل 10 أطفال أوكرانيين بعائلاتهم، و4 أطفال روس بعائلاتهم (الخميس 26 سبتمبر)، ليبلغ العدد الإجمالي لمن أعيد لمّ شملهم بعائلاتهم بوساطة قطرية 48 طفلاً.
وبوساطة قطرية مصرية أمريكية أيضاً، توصلت "حماس" و"إسرائيل" إلى هدنة في نوفمبر الماضي، استمرت حتى مطلع ديسمبر الماضي، وجرى خلالها تبادل مئات الأسرى وإدخال مساعدات إنسانية محدودة إلى القطاع الذي يقطنه نحو 2.3 مليون فلسطيني.
وخلال السنوات الأخيرة كان لقطر دور بارز في دعم وتسهيل عمليات الوساطة في مناطق متعددة، تجاوزت الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، ووصلت إلى مناطق أبعد وأصعب في ملفاتها، وهو ما مثلته أخيراً بنجاحها في حل أزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا وواشنطن وحركة "طالبان" الأفغانية، فضلاً عن خوضها نقاشات ووساطة دبلوماسية مستمرة في ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة.