متابعات
أخذت العلاقات القطرية البريطانية بالنمو والازدهار في جميع المجالات على مر عقود من الزمان، ترسخها الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات كالزيارة الأخيرة التي أجراها أمير دولة قطر ولقائه بكبار المسؤولين في البلد الأوروبي.
ولم تكن الزيارات على مدى السنوات الماضية عادية، فقد أثمرت توقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وتعزيز الشراكة المتينة بين البلدين في مختلف المجالات، لتؤكد على مسيرة هذه العلاقات التاريخية المتفردة وتعزز الشراكة المستدامة بين البلدين.
ويعد اتفاق الشراكة الموقع عام 2010 محطة مهمة في تاريخ علاقاتهما؛ فمن بين أهم فقراته تدشين مرحلة جديدة من العلاقات الاستراتيجية بين قطر وبريطانيا على صعيد السياسة الخارجية والتعاون الأمني والعسكري في منطقة الخليج، وأكد التزامهما بحل النزاعات العالمية بالطرق السلمية، وهو أساس رئيسي لما تضمنته مخرجات الزيارة الأخيرة لأمير قطر إلى لندن.
التعاون السياسي
في مطلع ديسمبر 2024، بدأ أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، زيارة للمملكة المتحدة، منحه خلالها الملك تشارلز الثالث وسام "الفارس الكبير"، وهو أعلى وسام بريطاني؛ تقديراً للعلاقات المتميزة التي تربط البلدين، في حين منحه أمير قطر سيف المؤسس الشيخ جاسم بن حمد بن ثاني، أرفع الأوسمة القطرية.
ووقف أمير قطر أمام أعضاء البرلمان البريطاني في قصر ويستمنستر، خلال زيارته، شارحاً لهم سير العلاقات الثنائية، التي بدأت بتوقيعهما على معاهدة عام 1868.
وعمل البلدان معاً طيلة عقود على حل العديد من التحديات العالمية الكبرى وفق ما شرحه أمير قطر، معتبراً أن هذا النهج الموحد يكتسي أهمية خاصة في هذا الوقت الذي يوشك فيه إطار الدبلوماسية العالمية أن يتداعى.
وأكد أمير قطر موقف البلدين بشأن حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين عبر إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة، معتبراً أن هذا هو المسار لتحقيق السلام الحقيقي والازدهار المنشود.
وتقول بريطانيا على لسان وزير الخارجية، ديفيد لامي، إن المنطقة "تشهد حرباً وتصعيداً شديداً لا يريد أحد أن يتطور إلى حرب إقليمية"، مؤكداً أن لقطر دوراً استراتيجياً في العديد من القضايا الدولية، ومنها الوساطة لوقف الحرب الدائرة في المنطقة.
ومنذ العام الماضي، شهدت الدبلوماسية القطرية والبريطانية نشاطاً مكثفاً على خلفية التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، خاصة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ملف غزة والتطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة شملته أيضاً مباحثات أمير قطر مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية.
التعاون الإنساني
تتبوأ دولة قطر مكانة عالمية متميزة عبر جهودها لخدمة الإنسانية على مستوى قارات العالم المختلفة، وذلك انطلاقاً من رؤية ورسالة تهدف لتنمية المجتمعات المتضررة من الحروب والكوارث والفقر بما يؤدي إلى توطيد السلم والأمن الدوليين، لا سيما في ظل التحديات المتفاقمة وغير المسبوقة التي تواجه العالم.
وتقف قطر والمملكة المتحدة متحدتين في جهودهما لتقديم مساعدات إنسانية حيوية ودعم تنموي للمجتمعات المحتاجة والمتضررة بسبب الأزمات، وعلى ضوء ذلك يقول وزير الخارجية البريطاني إن تمويل المساعدات الإنسانية والمبادرات التنموية، بدعم مشترك من المملكة المتحدة وقطر، سوف يتضاعف إلى 100 مليون دولار (79.4 مليون جنيه إسترليني).
وأضاف، في بيان نشرته وزارة الخارجية، على هامش زيارة الشيخ تميم، أن هذا الالتزام الجديد من شأنه أن يعزز العمل المشترك بين البلدين في مبادرات تعود بفائدة متبادلة، تعالج تحديات عالمية أساسية مثل الأسباب الكامنة وراء الهجرة غير النظامية والنزوح، وتسوية الصراعات، والتعليم، والبحث العلمي.
وبلغ مجموع المنح المقدمة من صندوق قطر للتنمية في عام 2023 لدول العالم المختلفة أكثر من نصف مليار دولار، وفق تقرير نشر على موقعه الإلكتروني.
تطور ونهضة
تؤكد صحيفة "الراية" القطرية أن العلاقات بين قطر والمملكة المتحدة تشهد "تطوراً ونهضة شاملين، وتعاوناً مثمراً على شتى الصعد، بفضل حرص القيادتين في البلدين الحليفين على تنميتها ودفعها إلى آفاق أرحب".
وتشدد، في مقالٍ نشرته بموقعها الإلكتروني، على أن زيارة أمير قطر "شكلت فرصة كبيرة لاستكشاف مواطن جديدة من الشراكة في القطاعات ذات الأولوية".
وأوضحت أن الزيارة "ستسهم بلا شك في تعزيز العلاقات الثنائية ودفعها نحو آفاق جديدة من التعاون في مجالات الاقتصاد، والطاقة والتعليم، والسياسة، والتجارة والدفاع، وحماية المُناخ، والتعاون الاستثماري".
وأضافت: "البلدان الصديقان لديهما الرغبة الكاملة في عقد شراكات متميزة من خلال التركيز على القطاعات الحيوية من خلال إبرام شراكات عالمية قادرة على التصدي للتحديات الأمنية وتطوير شراكة الدفاع البري، ليشمل تشكيل وحدة مشتركة تتألف من سرايا مشاة ميكانيكية قطرية وبريطانية، وتعزيز التعاون الشرطي بين البلدين وتوسيع نطاق التعاون العسكري، وتمديد السرب 12 بين القوات الجوية القطرية وسلاح الجو الملكي، إلى ما بعد عام 2030".
أما صحيفة "الشرق" القطرية، فقد علقت على اللقاءات والمحادثات في لندن بأنها "ركزت على سبل دعم وتعزيز العلاقات الثنائية، والاستفادة من الفرص المتاحة للبلدين على كافة الأصعدة، لا سيما في مجالات الاقتصاد والاستثمار والتعليم والدفاع".
وتقول: "أهمية هذه الزيارة تأتي من كونها جاءت في وقت يواجه فيه العالم تحديات غير مسبوقة، وهو ما يحتم ضرورة التعاون الدولي من أجل ضمان الاستقرار العالمي والازدهار والنمو المستدام".
وعن نتائج الزيارة قالت الصحيفة: "الأكيد أن نتائجها التي تدعم الرؤية المشتركة للبلدين لبناء شراكة مستدامة تخدم الشعبين الصديقين وتسهم في تحقيق الأمن والازدهار على المستويين الإقليمي والدولي".
الاقتصاد والاستثمار
وخلال الزيارة وقع وزير المالية القطري علي الكواري، ووزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز، مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجالات الخدمات المالية.
وتسعى المذكرة إلى تعزيز التعاون في مجالات الخدمات المالية، من خلال دعم النمو الاقتصادي وريادة الأعمال وخلق الثروات في جميع أنحاء المملكة المتحدة وقطر، وتسهيل الاستثمار، وتعزيز المعايير التنظيمية العالية لتقديم مثال دولي، والسماح للشركات والمستثمرين بالعمل بثقة، والثقة في تشغيل السوق.
ويقول أمير دولة قطر إن الشركات القطرية استثمرت أكثر من 100 مليار جنيه إسترليني (130 مليار دولار) في الاقتصاد البريطاني، كما تعمل على ضخ مليارات الدولارات سنوياً في قطاع السياحة.
فيما كشف رئيس "غرفة قطر"، الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني، أن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد تجاوز 10 مليارات ريال قطري (2.73 مليار دولار) في عام 2023.
ومنذ استكشاف النفط والغاز في منطقة الخليج العربي، أسهمت الشركات البريطانية بدور أساسي ومحوري في تطوير صناعة النفط والغاز في قطر والمنطقة، وتعتبر الدولة الخليجية أحد الشركاء الرئيسيين لبريطانيا في مجال الطاقة؛ إذ تزودها بنحو 30% من حاجتها من الغاز الطبيعي.
كما تعتزم قطر استثمار مليار جنيه إسترليني (1.3 مليار دولار) في تكنولوجيا المناخ في المملكة المتحدة، بحسب ما أعلنت الحكومة البريطانية في بيان على هامش زيارة أمير قطر.
شهدت الزيارة أيضاً توقيع مذكرة تفاهم في الأمن السيبراني، بهدف تعزيز التعاون الثنائي وتبادل الخبرات وتطوير القدرات المشتركة لمواجهة التحديات السيبرانية المتزايدة، بما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة بين البلدين، وفق وكالة الأنباء القطرية "قنا".
وأطلقت الدولتان مشروع أبحاث مشتركة للذكاء الاصطناعي؛ سعياً لوضع خارطة طريق للتعاون في هذا المجال، بما يعود بالنفع على البلدين.
ويبحث المشروع مجموعة من المجالات عبر نطاق تطوير نظام الذكاء الاصطناعي، والسياسة المتعلقة به وتنظيمه وأمنه والتواصل الدولي بشأنه.
تلك الاتفاقيات سبقتها تصريحات لستارمر اعتبر فيها زيارة أمير قطر "فرصة لتسريع وتيرة التقدم في أولوياتنا المشتركة من النمو الاقتصادي الذي يخلق فرصاً لبلدينا، إضافة إلى الأمن الإقليمي الذي يدعم الاستقرار العالمي".
وشدد رئيس وزراء بريطانيا على أن "العلاقات بين البلدين عادت بفوائد كبيرة على كل من المملكة المتحدة وقطر، ونتطلع إلى مزيد في المستقبل".
وأكد ستارمر أنه "لا يزال هناك الكثير لتوثيق العلاقات بين البلدين بشكل أكبر، من خلال إقامة علاقات ثقافية أعمق، وزيادة الاستثمارات المتبادلة، ومواصلة التعاون الوثيق في مجالي الأمن والدفاع".
الدفاع والأمن
وأدت الشراكة العسكرية المتينة بين قطر وبريطانيا دوراً كبيراً في تعزيز الإمكانيات الدفاعية القطرية بمجالاتها المختلفة جوياً وبرياً وبحرياً، بما ساهم في دعم الاستقرار الإقليمي لمنطقة الخليج.
ووقعت قطر وبريطانيا، خلال الزيارة، عدة اتفاقيات تعاون دفاعية تهدف إلى تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين.
وذكرت وزارة الدفاع البريطانية، في بيان لها، أنه تم توقيع الاتفاقيات في أكاديمية ساندهيرست العسكرية التي زارها الشيخ تميم والتقى خلالها وزير الدفاع البريطاني جون هيلي.
تتضمن الاتفاقيات الموقعة توسيع نطاق التعاون وتبادل المعرفة عبر الأسراب المشتركة لمقاتلات "تايفون" وطائرات التدريب من طراز "هوك"، إلى جانب قيام الشرطة العسكرية الملكية البريطانية بمشاركة مهاراتها وخبراتها مع وحدة الحماية المقربة للحرس الأميري القطري.
وتم أيضاً التوقيع على مذكرة تفاهم، تخص التعاون في مجال القدرات الجوية والخدمات المتصلة، وأخرى للتعاون في مجال الشرطة العسكرية.
ويؤكد وزير الدفاع البريطاني جون هيلي (3 ديسمبر 2024)، أن بلاده وقطر تتمتعان بعلاقات صداقة قوية ومتواصلة، مؤكداً أن عمق العلاقات وقوتها بين البلدين تتجلى في عدد من الأمثلة، أهمها في السرب البريطاني-القطري المشترك لطائرات "تايفون".
وأوضح أن هذا السرب المشترك من الطائرات يعد الأول والوحيد الذي تشارك فيه المملكة المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.
ويؤكد المسؤولون البريطانيون باستمرار أن العلاقات التي توثقت عبر سنوات طويلة مع قطر ساهمت بشكل فاعل في استقرار الإقليم، فمنطقة الخليج تعدّ من أهم الممرات المائية الحيوية.
وكان أكبر تعاون بين البلدين في عام 2022، حين استقبلت القوات الجوية الأميرية في قاعدة دخان الجوية السرب المشترك 12، في إطار التعاون بين الجانبين القطري والبريطاني بهدف تأمين الأجواء خلال بطولة كأس العالم التي أقيمت بين 20 نوفمبر - 18 ديسمبر من ذلك العام.