عائشة عبيدان- الراية القطرية-
بالأمس القريب قرأت بجريدة الراية تحقيقا واسعا حول مشاريع أشغال والتخطيط العمراني التي تولد مشوهة أو مشلولة أو مقعدة، والشوارع نموذج ، إلا أن بعض الأيادي سعت إلى إسكات الراية وهذه الأيادي دون شك تحركت لحماية مصالحها الخاصة التي تتضارب مع مصلحة الوطن والمواطن، كما غطت جريدة الراية القطرية موضوعا آخر حول إهدار المال العام في مشروع التأمين الصحي، والذي حذرت منه سابقا في مقال مع بداية هذا المشروع.
ولا يمر يوم دون أن تطالعنا الصحف المحلية بتحقيقات ومقالات تتعلق بالهدر المالي العام، الذي يعتبر الوجه الآخر للفساد من خلا ل كشف الغطاء عن المشاريع المتعثرة والمؤجلة، أو التي تم تنفيذها ولم تحقق أهدافها بالطريقة المرجوة، بمعنى لم تكن على مستوى حجم الإنفاق في تحقيق الجودة والمدة الزمنية للإنجاز نتيجة مايتم فيها من اختلاسات واحتيالات ونصب ورشاوى والعمل بالباطن وغيرها من السمات اللا أخلاقية التي تحرك المسؤولون عنها، والمتعاملون معها، باعتبار ماينفق عليها من الأموال العامة للدولة في فقدان التفريط بالأمانة، وغياب الضمير المحاسب الذاتي، دون إدراك قوله تعالى "وقفوهم إنهم مسؤولون" وكل ذلك نتيجة عدم المحاسبة والتابعة الحكومية.
وبما أن الدولة تنفق سنويا المليارات من الدولارات على الكثير من المشاريع الخدماتية باختلاف مجالاتها المعمارية والتعليمية والصحية والاقتصادية والبنى التحتية وغيرها دون وضع آليات إجرائية للمتابعة والمحاسبة طبيعي أن يصبح التلاعب بالمال العام مشروعا، وقد أصاب الكثير من القطاعات بلا استثناء وتغلغل داخلها ولحق الكثير من المشاريع، لسوء الإدارة وفسادها، والمواطن ينظر إلى تلك البؤر الإنفاقية باعتبارها قنابل مؤقتة لا بد من انتشالها والتخلص منها، ومعالجة أسبابها ومحاسبة المتسببين بوضعها حتى لاتكون حجر عثرة أمام العملية التنموية، وباعتبار أن المال العام الذي يهدر هو مال محسوب لكل مواطن، وثمة مخزون هائل من المؤشرات والدلائل تؤكدان في الواقع الملموس الهدر المالي الحاصل، فيكثر الحديث عن مشاريع قيد الدراسة والخطة طويلة الأجل لم تر النور، ومشاريع قيد التنفيذ ولكنها متعثرة وبطيئة الإنجاز، ومشاريع تم تنفيذها ولكن لم تكن بالمستوى المأمول من الجودة ، وهناك أخرى لعبت الأطماع المالية والنفوس الدنيئة والمناصب الوظيفية في غياب الرقابة إلى التجاوز المالي بلا حدود، القاسم المشترك بينها جميعا الهدر المالي، فالتأمين الصحي نموذج لإحدى المشاريع الخدماتية التي دخلت طوق الفساد المالي نتيجة الهدر المالي الذي أصبح ديدن المراكز والمؤسسات الصحية الداخلة ضمن تطبيق المشروع "صحة" والذي يلمس من خلال الفواتير والأرقام المالية مدى التلاعب بالأسعار الباهظة. التي تفرض على العلاج والأدوية والعمليات وغيرها وبصورة غير طبيعية تضاهي أسعار الشركات المصدرة بأضعاف، استغلالا للمال العام في غياب الإجراءات القانونية من المتابعة المستمرة والمحاسبة الدقيقة، ولا يختلف عن ذلك التعليم الحكومي وماينفق عليه من موازنة مالية عالية سنويا وما يحدث بين ردهاته من إهدار مالي وبمخرجات علمية ضعيفة، أليس كما يقال أن المال السائب يعلم السرقة، ولا نذهب بعيدا فمشاريع البنى التحتية وما صاحبها من حديث مستمر حول ضعف وقلة الجودة في العمل وهدر الملايين عليها وعلى إعادة الهدم والترقيع والترميم بالرغم من استحداثها وغيرها.
فكلما فشلت المشاريع الحكومية ارتفعت الأصوات في المجتمع عن الهدر المالي واستغلال المال العام، ولكن إلى متى التقاضي؟ وإلى متى لم يحاسب المفرطون بالأمانة الوظيفية؟ وأين أجهزة الدولة الرقابية من رصد المناقصات الحكومية وتتبع إجراءات تنفيذها ؟ ولماذا يرحل المفسدون من منصب المسؤولية والمسؤولون عن المشاريع الفاشلة التي أهدرت فيها الأموال بلا عقاب ولا مساءلة؟
فالمشاريع الخدماتية الحكومية بحاجة إلى قانون لوقف الهدر المالي ومراقبة الجودة قبل تنفيذها، حتى لا يصبح الهدر المالي عائقا أمام عملية التنمية الاقتصادية، وإرساء لمبادئ الشفافية والعدالة. فإلى متى يبقى المسؤول متفرجا عاجزا عن اتخاذ قرار بشأن المتسببين في الإهدار المالي أو في التقصير بمشاريع الدولة أو قبول مشاريع عرجاء أو مشوهة.
آن الأوان لأن يحاسب المسؤول إذا كان منجزا فيجازي على قدر عطائه، وإن كان مقصرا فليجلس في بيته بلا مجاملة ، وتعطى المناصب والمسؤوليات لمن يعطي بأمانة وضمير وولاء، ومن لايقدر ولا يعطي فليرحل وزيرا كان أومسؤولا أو مديرا لأن الظروف باتت تتطلب الحزم والحسم، ولا يمكن السكوت عما يحدث من هدر.