الراية القطرية-
انتهت مواسم الإجازات والأعياد، وبدأ السوق العقاري يعود لنشاطه تدريجياً، ولكن هذا النشاط يواجه بعض الألغاز المحيرة كارتفاع أسعار إيجار الفلل والشقق السكنية رغم زيادة المعروض منها، علماً أن قانون العرض والطلب يؤكد أنه عندما يزيد المعروض تنخفض الأسعار، هكذا هي القاعدة، ولكن يبدو أن الدوحة هي الاستثناء!
قبل أيام قليلة صدر تقرير لإحدى الشركات العقارية الكبرى يشير إلى ارتفاع المعروض من الوحدات السكنية خلال عام 2016 إلى 30 ألف وحدة سكنية تقريباً، متوقعاً إنشاء أكثر من 100 ألف وحدة سكنية خلال السنوات الخمس المقبلة.
قبل هذا التقرير صدرت العديد من التقارير والدراسات المتخصصة في السوق العقاري تفيد أن السوق يكاد يتشبع من الوحدات السكنية المعروضة للإيجار على اختلاف فئاتها ومساحاتها، ومع ذلك نجد أن أسعار الإيجارات والبيع في تزايد مضطرد! ترى ما السبب وراء هذه الظاهرة الغريبة؟ وكيف يمكن أن يستعيد السوق توازنه المطلوب؟ ليحقق مطالب المستأجرين في سكن ملائم، وفي ذات الوقت يقدم أرباحاً منتظمة لملاك العقارات.
وقال الخبير والمثمن العقاري خليفة المسلماني، إن وفرة الوحدات السكنية لا تعني أن ينخفض إيجارها، ذلك لأن العقارات الجديدة تم بناؤها على أرض اشتراها الملاك بأسعار كبيرة وأحياناً مبالغ فيها، ولابد أن يحقق ربحاً من التأجير وبالتالي يوزع قيمة الأراضي والبناء وهامش ربحه على الوحدات السكنية التي يؤجرها.
وقال إن هناك بعض المشاريع العقارية يصل حجم التمويل البنكي فيها إلى 70% وبالتالي هذا يساهم في ارتفاع أسعار إيجار وحداتها السكنية، والمستثمر بالكاد يحقق ربحاً بسيطاً، منوها إلى أن بعض الملاك والمستثمرين يضطرون لإغلاق عقاراتهم لحين الحصول على عروض إيجارية جيدة تعوض ما أنفقوه من استثمارات، والبنوك تمنح مهلة لمثل هؤلاء المستثمرين، لأن البنك ينظر للمستثمر نظرة طويلة الأمد باعتباره عميلاً مستمراً له.
وأوضح أنه ليس بالضرورة اتجاه الملاك والمستثمرين لإغلاق عقاراتهم طمعاً في التعاقد مع الإسكان الحكومي، فهذه فكرة غير سليمة، لأن الإسكان الحكومي يتعاقد على أسعار إيجارية أقل من السوق، ولكن الملاك يغلقون عقاراتهم للحصول على عائد إيجاري يتناسب مع استثماراتهم التي أنفقوها في العقار.
وأضاف المسلماني أن معدل ارتفاع أسعار الإيجارات للمناطق القديمة تختلف عن المناطق الجديدة مثل اللؤلؤة والخليج الغربي وغيرها، وطبيعي أن ترتفع أسعار المناطق القديمة لأن أسعارها بالفعل متدنية عن مستوى السوق العقاري حالياً، أما المناطق الجديدة أو الإسكان الفاخر فإن الزيادة فيه تكون محدودة جداً نظراً لطبيعة أسعارها التي تتواكب مع أسعار السوق.
وأشار إلى أنه رغم الارتفاع الحالي في أسعار الإيجارات والبيع، إلا أنني متفائل بحركة السوق العقاري خلال الفترة القادمة، ورؤوس الأموال أحياناً تأخذ منحى مغايراً لما هو سائد في السوق، ولكن أتوقع أن ينتعش السوق خلال الفترة القادمة لاسيما وأن الأسابيع القليلة الماضية شهد السوق حركة بيع كميات كبيرة من الشقق والأراضي بالإضافة إلى عدد من الفنادق، فهذا النشاط حرك السوق بشكل كبير.
كما أكد جمال العجي رئيس مؤسسة المستقبل العقارية، أن سوق التأجير بشكل عام يعاني من الركود النسبي نظراً لارتفاع الأسعار المبالغ فيها، مقابل حركة نشطة في المبيعات، لافتا إلى أن المباني السكنية تشهد ارتفاعاً كبيراً في أسعارها بشكل غير مبرر ولا يعكس الوضع الطبيعي للسوق العقاري الذي يشهد تخمة في الوحدات السكنية المعروضة للإيجار، الأمر الذي يعرض الثروة العقارية للاستنزاف والإهدار.
وقال إنه للأسف كثير من ملاك العقارات لا يقبلون بالأسعار الإيجارية السائدة في السوق ولكنهم يرفعون سقف هذه الأسعار بشكل يؤدي إلى عزوف المستأجرين نظراً لعدم قدرتهم على الإيفاء بها، مؤكداً أنه يعمل على تسويق عقارات منذ تسعة شهور ولا يجد لها مستأجرين أو جهة حكومية أو خاصة تقبل عليها، لأن الملاك يطلبون أسعار مغالى فيها جداً ولا تتناسب مع أسعار السوق.
وأضاف العجي أن بعض الملاك والمستثمرين يفتقرون إلى ثقافة البيع والشراء في السوق العقاري، فنجد أحدهم يصر على رقم إيجاري معين كان يتم التداول به إبان الطفرة العقارية رغم المتغيرات الكثيرة التي حدثت في السوق منذ ذلك الوقت، ما يؤدي إلى إغلاق عقاراتهم لفترات طويلة على أمل الوصول إلى السعر الذي يطلبه.
ولفت إلى أن كثيرا من الملاك في حاجة إلى القناعة بأن يحصل على عائد أقل مقابل تشغيل العقار بدلا من إغلاقه وجعله عرضة للتآكل، منوها إلى أن تطلع بعضهم إلى مونديال 2022 وأنه سيجلب العديد من العاملين إلى قطر، وبالتالي يزيدون في أسعار الإيجارات بنسب غير معقولة تؤدي إلى ترك وحداتهم والبحث عن غيرها، ما يؤدي إلى خسارة محققة للمالك والمستثمر.
وقال إن أحد ملاك العمارات التي يديرها فرض زيادة 10% سنوياً على السكان، حتى وصل لمرحلة أن السكان لم يستطيعوا الإيفاء بالإيجار بعد زيادة فاضطروا إلى مغادرة العمارة، لتظل العمارة شاغرة تنتظر مستأجرين جدد، مع ما يحمله ذلك من تكاليف جديدة للصيانة، وهناك مالك آخر رفض بيع فيلا لأنها أقل من السعر الذي يريده بنحو 500 ريال فقط، وقد ظلت الفيلا دون بيع لمدة أربعة أشهر!
وطالب جمال العجي بضرورة تغيير الثقافة العقارية السائدة من زيادة الإيجارات بشكل مضطرد إلى ثقافة الخضوع لمعايير العرض والطلب، ففي الثقافة الأولى خسارة للملاك والمستثمرين وزعزعة الاستقرار الاجتماعي للعائلات المستأجرة، أما شيوع الثقافة الأخرى فيجعل السوق العقاري مرنا ويتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، ويحقق أرباحاً منتظمة للملاك والمستثمرين، ويحقق الاستقرار الاجتماعي.
وأكد أن ارتفاع أسعار الإيجار أدى إلى عودة نشيطة لتقسيم الفلل إلى وحدات صغيرة لمواجهة الارتفاع المتوالي في أسعار الشقق السكنية، وهو ما أثر بشكل سلبي على السوق وخلق حالة من التشويش عليه، وما كانت ستعود هذه الظاهرة بعد اختفائها النسبي في العامين الماضيين، لولا الارتفاع الضخم وغير المبرر لأسعار الإيجار السكني.