يسرى ناصر مهنا- الشرق القطرية-
والزمان الذي يتحدث عنه الأمام الشافعي، هو زمان حكم الخلفاء هارون الرشيد والمأمون والمعتصم العباسيين، والذي يعده المؤرخون من العصور الذهبية للخلافة الإسلامية، ولعل أسوأ ما اتسم به ذلك العصر ما سمي بفتنة خلق القرآن الكريم، التي أتى بها المعتزلة وتبناها الخليفتان المأمون والمعتصم من بعده، وتصدى لها كبار فقهاء وعلماء أهل السنة والجماعة، ومنهم الإمامين أحمد بن حنبل والشافعي (رحمها الله)، أما زماننا هذا الذي يعد زمان الفتن الكبرى، والكراهية، وتكفير الآخرين، والاحتقان الطائفي بين أبناء الدين الواحد، والوطن الواحد، زمان نسي العرب فيه والمسلمون عدوهم المعروف، واجتمعوا على عداء بعضهم البعض من أبناء جلدتهم ودينهم، زمان أتى علينا كما وصفه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقوله: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ". وبينما نستخدم في زمننا هذا أحدث ما توصلت إليه الثورة التكنولوجية وثورة المعلومات، نصر على العيش بالماضي السحيق، ونتعامل مع الآخرين شركائنا في الوطن والدين، بناء على أحداث مضت وأفل زمنها منذ ما يقارب الألف وأربعمائة سنة، بدلاً من أن نتطلع جميعاً للمستقبل، وتكون أوطاننا العربية والإسلامية سفن النجاة، التي تحمينا وتنقلنا الى بر الأمان، وفي هذا يروي عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، حادثة له عندما كان طالب دكتوراه في أمريكا إذ يقول: "نشب نقاش عنيف بين عدد من الرجال المسلمين حول أحقية الخلافة بين علي وعمر، وحينما اشتد الخلاف وبان الغضب على وجوه المتناقشين، سأل الامريكي الذي كان بصحبتي، عما اذا كان هؤلاء الأشخاص يتحدثون عن المتنافسين حالياً على الرئاسة في إحدى الدول العربية، أجاب علي الوردي بأن علي وعمر عاشا في الحجاز قبل أكثر من 1300 سنة، فما كان من الامريكي الا ان ضحك حتى سقط على الأرض من الضحك، وضحك معه علي الوردي، ثم عقب الوردي على الموقف بقوله: "إن شر البلية ما يضحك". زماننا هذا زمان الأفكار المتطرفة، التي انتشرت بين الكثير من الشباب المسلمين، والتي تبنتها التنظيمات المسلحة ذات الأجندات الشيطانية، ووجدت ضالتها في هؤلاء الشباب الذين فقدوا بوصلة النجاة، فما استقرت نفوسهم في مراسي الأمان، فتحكّمت بعقولهم وأجسادهم بما يعيث الفساد في الأرض، ويهلك الحرث والنسل، كل هذا يعكس الإفلاس الفكري، والخواء النفسي، وغياب القدوة، والمثل الصالح أمام هؤلاء الشباب.. ما أحوجنا في زماننا هذا إلى عقول المفكرين المصلحين، مثل الذين جاد بهم الزمان في فترات أكثر حلكة وتردياً في تاريخنا العربي والإسلامي، وكان لها دور عظيم في الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي لمجتمعاتنا.