محمد خضر سالم الشطي- الشرق القطرية-
لقد أوقع تسارع وتيرة هبوط أسعار النفط الخام المراقبين في حيرة، وجعل مهمة توقع مستويات أسعار النفط ربما تكون في حكم الاستحالة في ظل متغيرات متلاحقة.
لقد هبط سعر النفط الخام الكويتي من أعلى مستوى له عند 109 دولارات للبرميل في شهر يونيو 2014 ليصل إلى 20 دولارا للبرميل في بدية شهر يناير 2016.. هبوط مقداره 89 دولارا للبرميل، وهذا يؤثر في مستوى الإيرادات النفطية.
ولكن لابد من التنبيه إلى أنَّ الأسعار اليومية للنفط لا تعني شيئا عند قياس حجم الخسائر على الإيرادات، وإنما الأسعار السنوية هي التي تؤخذ في الاعتبار من أجل التحليل والتقييم، وفي هذا السياق فقد هبط سعر النفط الخام الكويتي من 104 دولارات للبرميل في عام 2013، إلى 95 دولارا للبرميل في عام 2014، ثم إلى 46 دولارا للبرميل خلال عام 2015.
لقد كان السبب الرئيسي لضعف أسعار النفط وتدنيه إلى مستويات لم يشهدها السوق منذ عام 2002 -وأصبح الحديث عن سيناريو متكرر عن عام 1986 شائعاً- هو الزيادة الكبيرة في إمدادات النفط في السوق في عام 2014، والتي كانت من خارج الأوبك، وفي عام 2015 جاءت مناصفة ما بين الأوبك وخارج الأوبك.
حسب توقعات سكرتارية منظمة الأوبك، فقد ارتفع الطلب العالمي على النفط بـ1.5 مليون برميل يومياً في عام 2015، مستفيدا من ضعف أسعار النفط والتي ساعدت على تحفيز الطلب العالمي في البلدان المستهلكة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية مع انخفاض أسعار الجازولين بشكل كبير، بينما ارتفعت الإمدادات من خارج الأوبك بوتيرة أقل عند 1.4 مليون برميل يومياً نتيجة ضعف أسعار النفط، كما استمر إجمالي إنتاج الأوبك في الارتفاع من 30.1 مليون برميل يومياً في عام 2014 إلى 31.1 مليون برميل يومياً في عام 2015 أو بزيادة مقدارها مليون برميل يومياً، والفائض في السوق انتهى مرتفعاً عند 900 ألف برميل يومياً.
وعليه فيعني هذا ارتفاع المخزون للعام الثاني على التوالي بأعلى مستويات مقارنة بالسنوات الخمس الماضية بالنسبة إلى البلدان الصناعية بما يفوق 270 مليون برميل.
وخلال الربع الأخير من عام 2015 وفي شهر يناير 2016 ارتفعت وتيرة هبوط أسعار النفط، ويعود ذلك للأسباب الآتية وهي ذاتها التي ترسم مسار أسعار النفط خلال غالب عام 2016: (1) شتاء معتدل في أمريكا وأوروبا أسهم في ضعف الطلب العالمي على النفط، وهو مما أسهم في استمرار ارتفاع المخزون النفطي في العالم ليسجل أعلى من السنوات الخمس الماضية ويزيد الضغوط على الأسعار.
(2) لكن العامل الأهم هو تباطؤ معدل تنامي الاقتصاد الصيني وضعف العملة الصينية وتأثر البورصة الصينية ومعها البورصات العالمية، ومخاوف من أزمة اقتصادية عالمية شبيهة بما حدث في 2008 – 2009.
(3) تصدير النفط الإيراني للأسواق العالمية في 16 يناير 2016.
(4) السماح بتصدير النفط الأمريكي للأسواق المختلفة.
(5) هبوط في مراكز المضاربين في الأسواق الآجلة بالنسبة إلى حجم عقود النفط الخام.
لقد شجعت هذه الأجواء والمتغيرات المتسارعة في قرار الأوبك سواء 27 نوفمبر 2014 أو في 4 ديسمبر 2015 بالتخلي عن دور المنتج المرجح وترك ديناميكية السوق النفطية تسير باتجاه التوازن والذي سيحدث بلا شك كما صرح بذلك العديد من معالي الوزراء داخل الأوبك، وكذلك سكرتارية الأوبك في تقريرها الأخير الصادر في شهر يناير 2016، وإن كانت وتيرة التوازن ربما تستغرق بعض الوقت.
وعن توقعات السوق خلال عام 2016، فإن الطلب العالمي على النفط يستمر بالتعافي بمقدار 1.25 مليون برميل يوميا، بينما تنخفض الإمدادات من خارج الأوبك لأول مرة منذ سنوات بـ480 ألف برميل يومياً، وفي مقابل ذلك يرتفع الطلب على نفط الأوبك بمقدار 770 ألف برميل يومياً، وهو ما يكفي لاستيعاب عودة النفط الإيراني للسوق النفطية وارتفاع متوقع في إنتاج النفط العراقي. ولكن هذا يعني توازن ميزان الطلب والعرض في السوق من اختلالات أو فائض، لكن لا يعني سحب المستويات العالية في المخزون النفطي التي تفوق السنوات الخمس الماضية والتي يمكن أن يبدأ السحب منها في نهاية 2016، أو بشكل واضح في عام 2017 والذي يتم التعويل عليه كثيرا في تحقيق التوازن والتعافي في أسعار النفط.
تعتقد وكالة الطاقة الدولية في تقريرها لشهر يناير 2016 باختلال ميزان الطلب والعرض للعام الثالث على التوالي، وأن مقدار الاختلال نحو مليون برميل يومياً، رغم هبوط الإمدادات النفطية من خارج الأوبك بـ600 ألف برميل يوميا لأول مرة منذ سنوات، كما أن مؤشر الإصلاحات التي يسعى لها المنتجون من خلال رفع المدعومات ستؤثر في مستويات الطلب وستفضي إلى ضعف نسبي في معدل تعافي الطلب العالمي على النفط خلال عام 2016.
من العوامل الإيجابية التي يمكن أن يكون لها تأثير ملحوظ في أسواق النفط هي انخفاض الإنفاق الاستثماري في قطاع الاستكشاف والتنقيب لسنتين على التوالي، وهو ما يعني أنه سيؤثر في توفير نفط جديد يحتاجه السوق النفطي في المستقبل، لكن هل سنشهد هذا التأثير في عام 2017 أم 2018؟ هذا ما سيراقبه السوق النفطي للتعرف على مسار السوق والأسعار.
وعلى العموم فإن أسعار النفط ستشهد ضعفاً خلال أغلب عام 2016 قبل أن تتعافى بشكل طفيف وتدريجي في الربع الرابع من عام 2016 ثم عام 2017، ويبقي نطاق تحرك أسعار النفط بالنسبة إلى نفط الإشارة برنت واسعا ما بين 30 دولارا للبرميل و60 دولارا للبرميل، ويحكم ذلك أساسيات السوق وتحفيز نشاط الحفر في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية عند تعافي الأسعار، وهو ما قد يفرض سقفاً على مستوى تعافي الأسعار.
وفي الختام فإنه لا بد من التنبيه بأن تصريف النفط الخام يتم على أساس عقود سنوية طويلة الأجل تضمن منافذ آمنة وتقلل من إمكانية خسارة الأسواق، ولكنها لا تضمن التنافس وتؤكد قضية الشراكة الاستراتيجية كورقة مهمة في المحافظة على الأسواق، ومن ثم فإن أي نفوط إضافية ستواجه صعوبة في تصريفها مع ارتفاع المخزون إلى مستويات قياسية وعدم تنامي الطلب بشكل كافٍ. وعموماً فإن البيت الاستشاري "فاكتس إنرجي جلوبل" يتوقع هبوط أسعار نفط الإشارة برنت إلى 25 دولارا للبرميل مع ارتفاع إنتاج ومبيعات النفط الإيراني، وممكن أن تهبط إلى 20 دولارا للبرميل إذا ما استمر اعتدال درجات الشتاء وضعف الطلب الموسمي على النفط، وهو يعادل 15 دولارا للبرميل للنفط الكويتي بافتراض الفروق عند 5 دولارات للبرميل مقابل نفط خام الإشارة برنت.