المونيتور- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
نشرت صحيفة «المونيتور» مقالا تحليليا للكاتب «جورجيو كافييرو»، تناول خلاله معالم السياسة الخارجية القطرية في ظل التصعيد القائم بين السعودية وإيران.
ورصد المقال ارتفاع درجات الحرارة الطائفية في الشرق الأوسط، وتزايد التنافس الجيوسياسي السعودي الإيراني في أعقاب إعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر»، والذي يدفع زعماء الدول العربية الخليجية في كثير من الأحيان إلى استدعاء مفهوم الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي. ووفقا للكاتب، فإن التحليل الأعمق يكشف أن معظم الإجراءات الدبلوماسية التي اتخذتها الممالك الصغيرة في شبه الجزيرة العربية ضد طهران في يناير/كانون الثاني الماضي كانت حذرة ومحسوبة وتهدف في نهاية المطاف إلى تعزيز المصالح الوطنية لكل دولة، وليس التأكيد على التضامن بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وأشار الكاتب إلى أن قطر، التي استدعت سفيرها في 6 يناير/كانون ثان، ولكنها لم تقطع علاقاتها مع طهران، هي مثال على ذلك. ففي حين أشارت اللفتة الدبلوماسية التي اتخذتها الدوحة ضد طهران إلى تضامن مع المملكة العربية السعودية، فإن محدودية هذه الخطوة لا تزال تشير إلى أن الدوحة تواصل توخي الحذر في تعاملها مع التنافس الجيوسياسي بين السعودية وطهران. حيث يبدو أن القطريين يسعون إلى الالتزام بأجندتهم التقليدية للسياسة الخارجية باللعب خارج نطاق الأجندات المتعارضة للقوتين الكبيرتين بهدف الحفاظ على مصالحهم الخاصة، وفقا للصحيفة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه، في عهد الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (1995-2013)، تعمقت العلاقات القطرية الإيرانية بشكل كبير. وقد أسهمت علاقة الدوحة مع طهران بالإضافة إلى دعمها لجماعة الإخوان المسلمين والدور المؤثر الذي تقوم به قناة الجزيرة القطرية في إغضاب المملكة العربية السعودية، والتي طالما اتهمت الدوحة بمتابعة مصالحها الخاصة على حساب الأمن الجماعي لدول مجلس التعاون. ويرصد الكاتب أن المملكة العربية السعودية قد اعتادت النظر إلى قطر باعتبارها شوكة في جانبها، وعلى أنها، على الرغم من صغر حجمها، تمثل تحديا لموقف الرياض باعتبارها مرتكزا للنظام الجيوسياسي في منطقة الخليج. مشيرا إلى أنه بعد اندلاع الربيع العربي في جميع أنحاء المنطقة في عام 2011، فإن العديد من المحللين قد أشاروا إلى التنافس القطري السعودي. في ذلك الوقت، كانت الدوحة والرياض تتنافسان من أجل ملء الفراغ السياسي في دول مثل مصر وسوريا، على أساس رؤى متباينة لمستقبل العالم العربي السني.
ووفقا للمقال فإنه، وعلى الرغم من أن تنامي العلاقات القطرية الإيرانية قد ساهم في إذكاء التوتر بين الدوحة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فقد كان من المنطقي بالنسبة إلى دولة قطر أن تسعى إلى تحقيق علاقة تعاونية على نحو متزايد مع طهران، بالنظر إلى المصالح الاستراتيجية للإمارات وطموحاتها. إضافة إلى أن هناك تاريخ مضطرب من العلاقات بين القطريين والسعوديين ينطوي على النزاعات الحدودية والتدخل المزعوم للرياض في سياسة القصر داخل الدوحة طوال فترة التسعينيات، ما دفع قطر إلى تشكيل أولوياتها الخاصة بعيدا عن المدار الجيوسياسي للرياض.
ووفقا للكاتب، فإن العلاقات العميقة مع إيران تعد وسيلة لتحقيق هذا الاستقلال. الأقلية الشيعية الصغيرة في قطر، والتي حافظت تاريخيا علاقات إيجابية مع الأغلبية السنية، لم تكن أبدا معرضة لنفوذ إيراني كبير. ونتيجة لذلك، فإن المسؤولين في الدوحة، على عكس نظرائهم في الرياض والمنامة، لم يشعروا بالتهديد من قبل ثورة شيعية محتملة مستوحاة من الثورة الإيرانية في قطر.
ووفقا للمقال، فإنه، على النقيض من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فإن قطر غالبا ما ينظر إليها كجزء من الحل بالنسبة إلى معضلات الأمن الإقليمي. على سبيل المثال، في عام 2010، وقعت الدوحة اتفاقا ثنائيا مع طهران يهدف إلى مكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون الأمني. في وقت سابق قبل أربع سنوات، فقد كانت قطر هي العضو الوحيد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي قام بالتصويت ضد القرار 1696، الذي دعا إيران الى وقف برنامج تخصيب اليورانيوم.
وأشار الكاتب إلى أن العلاقات الاقتصادية مع إيران تمثل أيضا عاملا مهما في حسابات الدوحة الاستراتيجية. مع اشتراكها مع إيران في حقل جنوب بارس (أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم)، فإن القيادة القطرية كانت لديها دوافع لمعالجة المشاكل في العلاقات العربية الإيرانية عن طريق الحوار بدلا من العداء. حيث إن أي نزاع عسكري في الخليج يضم إيران يهدد جهود تطوير حقل جنوب بارس بين كل من الدوحة وطهران. وبالتالي، لم يكن من المفاجئ أنه بعد توصل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا إلى اتفاق نووي مع طهران، فقد سارع وزير خارجية قطر إلى الترحيب بالصفقة مؤكدا أنها سوف تجعل الشرق الأوسط أكثر أمانا، وفقا للكاتب.
وأشار المقال إلى الأزمة التي شهدتها قطر بعد أن استدعت المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة سفرائها من الدوحة. جاءت هذه الأزمة بفعل التوترات المذكورة آنفا بين قطر وهذه الدول الخليجية، والتي اتهمت الدوحة بالتدخل في شؤونها الداخلية. قامت المملكة العربية السعودية بتهديد قطر بالتعرض إلى حصار بري وبحري. ويشير الكاتب إلى أنه، ومع إدراكه أن قطر قد دفعت ثمنا كبيرا للسياسة الخارجية المثيرة للجدل لوالده، فقد قام أمير قطر الشاب، الذي ورث العرش في عام 2013 بعد تنازل والده، بجهود كبيرة لإصلاح العلاقات القطرية السعودية. وبحلول نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014، كانت دول مجلس التعاون الخليجي الثلاثة قد أعادت سفراءها إلى الدوحة.
وقد ساهم التوافق بين قطر والمملكة العربية السعودية بخصوص الأزمات في كل من سوريا واليمن في التخفيف التوتر بين البلدين. جاء ذلك بالإضافة إلى توجه العاهل السعودي الجديد الملك «سلمان بن عبد العزيز» إلى تخفيف لهجة المملكة تجاه جماعة الإخوان المسلمين، حيث بدأ ينظر إلى المجموعة الإسلامية بوصفها حليفا مفيدا إلى حد ما في حملته لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. لهذا السبب، فقد نظر «سلمان» إلى قيام قطر وتركيا بدعم جماعة الإخوان المسلمين بدرجة من القلق أقل بكثير مقارنة بسلفه الراحل.
وأشار المقال إلى أنه، وفي هذه المرحلة الحساسة، تبدو الدوحة عازمة على تحقيق أكبر توازن ممكن يمكن قطر من جني كل الفوائد الممكنة من وجود علاقة تعاونية على نحو متزايد مع إيران، وفي الوقت نفسه، نزع فتيل التوتر مع المملكة العربية السعودية. وقد ظهر هذا التوازن بوضوح إلى المشهد في أعقاب قيام مئات من الإيرانيين بنهب السفارة السعودية في طهران. قامت قطر باستدعاء سفيرها في إيران كبادرة للتضامن مع المملكة العربية السعودية. ولكن لم تحذ حذو البحرين والسودان بقطع العلاقات بشكل كامل. وقد كانت قطر أيضا هي الدولة الأخيرة ضمن دول مجلس التعاون الخليجي التي سارعت في اتخاذ خطوات ضد طهران، كما أن قدوم الإعلان من قسم العلاقات الأسيوية في وزارة الشؤون الخارجية، وليس من العائلة المالكة، يؤكد كيف يجيد القطريون استخدام بطاقاتهم. ولم يغب في المعادلة حقيقة أن في ديسمبر/كانون أول الماضي، اتخذت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق أسرى من أعضاء العائلة المالكة في قطر، الأمر الذي دفع الدوحة إلى تجنب الإفراط في استعداء إيران.
ووفقا للمقال، فإنه بينما يتصاعد العداء بين الرياض وطهران، مسببا المزيد من التوترات الطائفية في منطقة الشرق الأوسط، ليصل إلى أعلى مستوياته منذ الحرب بين إيران والعراق، فإن الأعضاء الأصغر سنا بين دول مجلس التعاون الخليجي مثل قطر يواصلون الشعور بحرارة هذا التصعيد. ويبقى أن نرى إلى أي مدى يمكن أن تستمر قطر في موازنة علاقاتها مع المملكة العربية السعودية إلى جانب مصالحها مع إيران من دون أن تلجأ إلى اختيار أحد الجانبين، وبخاصة في الوقت الذي تواصل فيه قطر الانضمام إلى السعوديين في شن حروب بالوكالة ضد إيران في سوريا واليمن، وفي الوقت نفسه تسعى إلى تعزيز الحوار مع إيران بعد رفع العقوبات والتعاون في قطاعات الطاقة.