قاسم حسين- الوسط البحرينية-
من أكثر المهن الشاقة في الحياة، وأكثرها تعباً وإجهاداً، فكرياً وعضلياً، أن تعمل نائباً في برلمان، ولذلك يحرص النواب على أن يحصلوا على أكبر تعويض مادي لتفضّلهم بقبول العمل نائباً عن الشعب.
فالنواب، يسهرون الليل والنهار لخدمة ناخبيهم، ويعملون على راحتهم، وتنفيذ رغباتهم، والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم الحيوية والجيواستراتيجية، ولذلك يجب على أي شعبٍ في العالم، المطالبة برفع رواتبهم، ورفع مخصصاتهم الشهرية، فهم يستحقون كل خير!
بعض دول العالم تقدر التعب والإجهاد الذي يناله النواب، فتزيد من رواتبهم وامتيازاتهم. أما في بلدان أخرى، فيأخذ النواب زمام المبادرة الوطنية، ويقومون بمكافأة أنفسهم بأنفسهم، فينفّذون رغباتهم الغالية، ويقرّرون ما يريدون إنصافاً لأنفسهم وتقديراً لجهودهم الشاقة، فيزيدون مخصصاتهم، أو يبحثون عن طرقٍ لزيادة عوائدهم، تعويضاً عن شغلهم الشاق بالنيابة عن الناس.
في الشهر الماضي، قام النواب في تونس الشقيقة، بزيادة رواتبهم، بقيمة 400 يورو، وهو اقتراحٌ طرحوه في 2013، لكنهم عادوا لتفعيله هذه المرة، ربما نتيجة موجة التقشف التي تضرب العديد من البلدان، في أعقاب انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية!
القرار أثار جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنديداً شديداً من قبل المعارضة، وخصوصاً من ناحية التوقيت غير الملائم أدبياً على الإطلاق، في ظل موجة الاحتجاجات التي تصدّرها العاطلون عن العمل في عدد من الولايات، والذين خاطبوا النواب بقولهم: «أردناكم عون... فصرتم علينا فرعون»!
المستشار الإعلامي لرئيس البرلمان حسان الفطحلي قال إن هذه «المنحة» تهدف إلى «تغطية تكاليف السكن والطعام، خاصة للنواب غير المقيمين في العاصمة»، وبالتالي هي ليست «زيادة حقيقية» في الراتب، وإنّما هي نوعٌ من التعويض عن السكن والطعام. وردّ عليه بعض الناشطين بقولهم: «لكنهم يأخذون الفلوس ولا يستأجرون سكناً، مثل بعض النواب، في بعض البلدان اللاتينية، الذين يستلمون «بدل مكتب»، ولكنهم لا يفتحون «مكتباً»! وردّ آخر: «وهل على الشعب أن يدفع بدل أكل النواب؟ وكيف تحتسب هذه العلة؟ هل علينا أن ندفع ثمن الكسكسي أم سيكتفون بأكل السندويشات؟».
قوى المعارضة اعتبرت القرار متسرعاً واستفزازياً للشعب، ولا يعطي إشارة إيجابية للمحتجين المطالبين بتحسين ظروفهم، في حين أن الدولة تتحجج عليهم بنقص الموارد المالية. وطبعاً لم يكترث النواب بكلام الناس، ومرروا الزيادة لأنفسهم منذ بداية هذا الشهر. بل إن أحد النواب ردّ على المنتقدين قائلاً: «من أنتم؟ أنتم ناس حاقدون، حاسدون... ولا تريدون الخير لغيركم»! فردّ عليه المنتقدون: «أنت وأمثالك انتهازيون كذّابون، صعدتم على ظهور الفقراء لتعيشوا عيشة الأغنياء».
تونس الشقيقة من البلدان منخفضة الدخل، وقبل هذه الزيادة، كان راتب النائب التونسي يبلغ 1200 دولار أميركي فقط (ما يعادل 453 ديناراً بحرينياً)، بينما الحد الأدنى للراتب في تونس لا يتجاوز 150 دولاراًً (57 ديناراً بحرينياً)، فيما يبلغ متوسط الدخل الفردي أقل من 400 دولار (150 ديناراً). بل إن المنصف المرزوقي، الذي انتخب رئيساً بعد الثورة، لم يكن راتبه يزيد على 5200 دينار بحريني، ومع ذلك انتقدوه فاضطر إلى إعلان تخفيض راتبه إلى الثلث، مراعاةً لأوضاع البلد الاقتصادية ومعاناة الفقراء والعاطلين.
المفروض أن تتفهم الشعوب مطالب النواب وتقدّر جهودهم وجهادهم تحت قبة البرلمان، وتدعم مطالبهم بزيادة رواتبهم، ولا تقف حجر عثرةٍ في طريق تحسين ظروفهم المعيشية، «فالحسد مب زين»!