سلمان سالم- الوسط البحرينية-
في مجلس النواب كل ما يناقش هو الموضوعات التي لها علاقة مباشرة بالمواطن، نسمع ترديد القاعدة الفقهية التي تقول «الميسور لا يسقط بالمعسور»، التي يقصد منها فقهيًّا التكليف بما يطاق، وفعل الميسور عند العجز وعدم القدرة، والعلماء يذكرونها كثيرًا في مباحث التكليف وشروط العبادات وأركانها، وما يسقط عن المكلف منها وقت العجز، وما لا يسقط، وغالبية من تكلم عنها من أهل العلم إنما يدرجها تحت قاعدة «المشقة تجلب التيسير» أو تحت قاعدة «التيسير ورفع الحرج»، هل الإتيان بهذه القاعدة الفقهية في مختلف نقاشات المجلس النيابي للموضوعات الإقتصادية والمالية والتشريعية والبيئية التي تمس المواطنين مباشرة اعتراف بالعجز وعدم القدرة على إيجاد حل لهذه القضية أو تلك؟ وهل الإكثار من ترديدها في غالبية الموضوعات الحساسة التي تناقش في المجلس هو تأكيد لشدة العجز في حل القضايا التي تهم المواطن؟ ألم يكن مفهوم الميسور حاضرًا في مناقشاته لبرنامج الحكومة، وفي مناقشاته للموازنة العامة، وفي مناقشاته لرفع الدين العام إلى 10 مليارات دينار، وفي مناقشاته ومداولاته لرفع الدعم عن اللحوم والبنزين والماء والكهرباء، وفي مناقشاته لمشروع القانون الخاص بالسواحل، المواطن اعتاد على سماع قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور في مختلف مناقشاته للموضوعات الاقتصادية والمعيشية والخدمية الضرورية التي تهمه، إلا في مناقشاته لامتيازات النواب ومخصصاتهم التقاعدية تم تغييبها؟؟!
لا أحد من السادة النواب يستطيع أن يقول إنه قبل دخوله المجلس النيابي لم يكن يعلم بالميسور والمعسور في العمل النيابي، ماداموا يعلمون علما يقينيا بكل تفاصيل الميسور والمعسور في الأدوات النيابية (التشريعية والرقابية)، فالمنطق يقول ماداموا يعلمون، فليس لأحد منهم الحق في التذمر أو التندر أوالاستياء أوإظهار الغضب أوالانفعالات أوتبادل الاتهامات والتراشق بالكلمات أوالتشكيك في مصداقية بعضهم بعضاً أوالتهديد بالاستقالة أوغيرها من التحذيرات الفقاعية، وكأنهم لا يعلمون شيئاً، المتيقن عند الغالبية في المجتمع البحريني أن السادة النواب جميعهم لم يدخلوا المجلس النيابي إلا بدراية كافية بكل تفاصيل الميسور والمعسور في أدواته التشريعية والرقابية، ويعلمون أن الميسور لهم في الاستجواب لأي وزير يتطلب منهم الحصول على 27 نائباً للتصويت عليه؟ ويعلمون أن لو نقص صوت واحد من العدد المطلوب، سواء كان بسبب الغياب أو التغيب عن حضور الجلسة أو الامتناع عن التصويت أو لأي سبب آخر، فإن الإستجواب يسقط نيابيًّا.
ويعلمون أن الميسور في المقترحات برغبة لا تلزم الحكومة بتنفيذها؛ لأنها من مستحبات الأدوات التشريعية، ويعلمون أن الإكثار منها كعدمها في حالات كثيرة، ويعلمون أن استخدامهم المقترحات برغبة يكون في الغالب من أجل دغدغة مشاعر الناس، ويعلمون أنهم لو عملوا بالميسور لهم لن يحققوا شيئا إيجابيا ومؤثرا في حياة المواطنين المعيشية، ويعلمون أن الأخذ بمفهوم الميسور لن يسهم في تطوير الاقتصاد ولا في تنميته، ولن يرفع من مستوى التعليم في كل مجالاته الأكاديمية والمهنية والتقنية، ولن يوقف القرارات غير المعلنة لرفع بعض رسوم المعاملات الرسمية، ولن يحد من جنون ارتفاع أسعار الأسماك والسلع والمواد الغذائية، ولن يحل القضايا المستعصية في البلاد التي تناقش في المجلس، ولن يقلل من شدة الدين العام على الاقتصاد، ولن يوقف الاقتراض والعجز الكبير في الموازنة العامة، ولن يخفف من معاناة المواطنين المعيشية، ولن يؤثر إيجابيا في نسبة العاطلين البحرينيين الجامعيين وغيرهم، ولن يحدث تنوعاً حقيقيًّا في مصادر الدخل في البلاد، ولن تحدث توافقات نيابية في مجمل القضايا الحساسة التي تهم الوطن والمواطن، ولن ترسخ مفاهيم المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص والشفافية ومكافحة الفساد الإداري والمالي، ولن توقف المخالفات القانونية التي يسجلها ديوان الرقابة المالية والإدارية في كل عام، ولن يوقف الخطاب الطائفي المؤجج للمشاعر الإنسانية، ولن يصل التعليم إلى الجودة، كما تطمح الهيئة الوطنية للمؤهلات وجودة التعليم والتدريب، ولن يقلل من سنوات انتظار المواطن للوحدة السكنية، ولن يقلل من عدد ضحايا مرض السكلر، ولن يخفف من معاناة صغار التجار المالية، ولن يتغير الحال في الخدمات التي تقدم إلى المواطن، ولن توجد مراكز شبابية وثقافية في المحافظات البلاد الأربع، ولن تعطى المرأة البحرينية كامل حقوقها الإنسانية والاقتصادية والتعليمية التي تطمح إليها، ولن يتحسن المستوى الاقتصادي والمعيشي للمتقاعدين وذوي الاحتياجات الخاصة، ولن يوقف الخطاب الطائفي المدمر للنسيج الاجتماعي في البلاد، ولن يعفي، ونقصد الميسور، الجمعيات الخيرية والمؤسسات الدينية والإنسانية والثقافية والرياضية التي تعتمد غالبيتها في تمويل نشاطاتها وفعالياتها على الاشتركات السنوية والتبرعات العامة من التعرفة الجديدة للماء والكهرباء، ولن ينهي المشاكل البيئية لخليج توبلي، الذي يعاني الأمرَّين منذ سنوات طويلة من كثرة المياه الملوثة التي تقذف فيه يوميا من محطة توبلي للصرف الصحي، فالميسور والمعسور في العمل النيابي واضحان لدى السادة النواب، كوضوح الشمس في رابعة النهار، فأي كلام آخر يقال لا يكون واقعيًّا.