سوسن دهنيم- الوسط البحرينية-
الأخبار التي ترد في الصحافة، منذ إعلان الأزمة المالية في البحرين بشكل صريح، وإعلان مرحلة التقشف وتقليل المصروفات كثيرة، وتلك التي تخص وزارتي التربية والتعليم والصحة تأخذ منها نصيباً غير قليل.
حين الحديث عن هذين القطاعين اللذين يشكلان عصب أي مجتمع، لما لهما من أهمية كبرى في الحفاظ على أجساد وعقول أبناء المجتمع، فإننا ننتظر التكريم والتقدير لأربابهما من أطباء ومعلمين وللممرضين والمسعفين وجميع العاملين فيهما. لكننا في ظل الوضع الراهن لا نجد من هذا إلا الشيء النادر؛ إذ باتت الصحف ممتلئة بأخبار تشي ببخس حق العاملين في هذين القطاعين، وكأنهما الكبش الأول الذي يجب التضحية بمزاياه قبل غيره، ناسين ما لهم من دور كبير في تأسيس أي مجتمع متميز، غاضّين النظر عمن يتسلمون رواتب مرتفعة من الحكومة شهريَّاً من غير أن يقدموا إلى الشعب خدمة واحدة - ونحن هنا نعني كل من يظن أنه معني بهذا القول؛ لأنه يتحسس الخلل الذي يعتري ما يقدمه.
الطبيب الذي يجب أن يكرّم ويرفع عنه بعض ما يرهق عاتقه من مسئوليات ليعيش حياة عادية كغيره من موظفي الدولة من غير أن يتفقد هاتفه كل لحظة خشية أن تمر عليه حالة طارئة لم ينتبه لها فيتأخر على إنقاذها. الطبيب الذي لا يستطيع إعطاء أحد موعداً لما بعد أسبوع مثلاً؛ لأنه لا يملك وقته ولا يعرف ما تخبئه له قائمة العمل الإضافي وقائمة المناوبات ومتابعات الحالات وغرف الجراحة إن كان جراحاً. الطبيب الذي لم يعد يعرف الكثير عن الحياة الترفيهية والتسلية إلا في أيام الإجازات التي قد تقطع أيضاً في أية لحظة يحتاج إليه فيها مريض ويعاني مشفاه من نقص في الأطباء. الذي نطالبه في كل لحظة بأن يكون حاضراً، ويتصل به المرضى لمختلف الأمور حتى بعد أن يترك باب عمله ليكون متواجدا للناس طوال الوقت وكأنه رجل آلي يجب ألا يتعب أو ألا يكون له وقت خاص بعائلته فقط أو نفسه فقط من غير إزعاج من مرضى، ومع ذلك لا يتذمر ولا يكره وظيفته التي اختارها طواعية وهو على مسبق بكل هذا.
والمعلم الذي لا ينتهي دوره بانتهاء حصصه التي يقدم فيها عصارة علمه وفكره لتلاميذه، المعلم الذي يشقى ويتعب في وقت دوامه وما بعده؛ لأن عليه أن يقدم مادةً لا يملها التلميذ ولا يكرهها؛ لأنه لم يُجِدْ فهمها، يحضّر لدرس اليوم التالي ويصحّح واجبات واختبارات الدرس السابق، يسهر؛ لأنه يفكر في مشكلة سمعها عن أو من أحد تلاميذه وأراد حلها؛ لأن أحداً ما وثق به وسأله حلا فلا يريد ترحيله للمشرف أو المرشد في المدرسة، مقدراً الثقة التي منحها إياه هذا التلميذ أو ذاك. المعلم الذي يعمل ليكون قدوة لأبنائه، والذي يعرف المسئولية التي على عاتقه والأمانة التي بين يديه، فلا يكلّ ولا يتذمر بل يعطي بقلبٍ محبٍ وروحٍ لا تعرف إلا الإيثار.
هذان الموظفان اللذان لا يمكن اعتبارهما مجرد موظفين لما يقدمانه من مجهود مازالا يتفاجآن في كل يوم بقرارات جديدة بدءاً من زيادة النصاب عليهما، مروراً بتقليل مستحقات العمل الإضافي، وإلغاء بعض المزايا، وحرمانٍ من التدريب، وتأخير في الرواتب بسبب نقص الموازنة، ومصادرة للحقوق على رغم أنهما لا يتمتعان بكل ما يجب أن يقدم لهما أسوة بزملائهما في الدول الأخرى القريبة على سبيل المثال، إضافة إلى إيقاف التوظيف لفترة أو استقدام من ينافسهما في مجال عملهما من العرب أو الأجانب فيما هو ينتظر فرصة يثبت فيها أنه جدير بالثقة، وجدير بالعمل قبل غيره، لا لأنه ابن هذه الأرض فقط؛ بل لأنه يشقى ويتعب ليكون يوما ما موظفا متميزا يخدم وطنه بكل تفانٍ.
فهل تضبط الحكومة بوصلتها باتجاه من يجب أن تبقي على مزاياهم، ومن يجب أن تقلل من المصروفات التي تهدرها عليهم؟
فشتان بين من يعمل ومن ينتظر أن يأتي إليه التكليف جاهزًا فيخفق في إنجازه أو لا ينجزه كما ينبغي.