مرآة البحرين-
من الذي وشا بالوزير الُمقال عيسى عبدالرحمن «بوجيري» أو كما يفضل تسمية نفسه «الحمادي»؟
سيناريو قرار الإقالة يبدو متخيلاً؛ صباح اليوم الجمعة، يستيقظ الملك كعادته متأخراً ليجد ابنه ناصر ينتظره مستاءً، يخبر الابن المدلل والده عن فعل (إصبع) الحمادي المعيب، يستشيط الملك غضباً من أجل ابنه، يأمر وزير ديوانه أن يأتيه في الحال، ويأمره بتغيير الحمادي فوراً. هكذا يتناول كثيرون الحكاية في مجالسهم اليوم تندراً بما حدث.
لا يبدو أن الوزير الحمادي كان سيتخلى عن (دبلوماسيته) في مجموعة واتساب، لو لم تكن مكونة من أصدقاء مقربين ممن يتبوأون مناصب مهمة في الإعلام، هل كان يتوقع الحمادي قيام أحد هؤلاء بتصوير تلك المحادثة ونشرها؟
تناسى الحمادي وهو يبعث بتلك الصورة التي أسقطته من منصبه، أن هناك ثقافة ابتدعها تلفزيون البحرين الذي يجلس على رأس وزارته، ورسختها الدولة بكامل مؤسساتها منذ 2011، هي «ثقافة الوشاية»، وأن من معه في هذه المجموعة هم ممن تربوا على هذه الثقافة، إن لم يكونوا من أربابها.
لقد قاد تلفزيون البحرين، عبر برنامجه «الراصد»، وبرنامج «مع سعيد الحمد» وغيرها من البرامج، ثقافة الوشاية هذه، وجعل من هذا الفعل الأخلاقي المذموم في الدين والمجرّم في الأعراف الإنسانية، محموداً عند السلطة وأجهزتها الرسمية، بل إنها صارت حاضنة له، فـ«الواشي» صار في عرف السلطة وطنياً شريفاً مخلصاً يستحق المزيد من الامتيازات والمكافئات.
لقد قاد تلفزيون البحرين برامج الوشاية وتفنن في توطيد الوشايات ونشرها بكل بذاءة، حلقات يومية تبث على تلفزيون البحرين الرسمي مهمتها الوحيدة هي الوشاية. الوشاية بكل من شارك في احتجاجات دوار اللؤلؤة أو طالب بإصلاحات سياسية. تعددت أشكال الوشاية بين وضع دوائر حول صور المواطنين ونشرها في التلفزيون مع الإشارة إلى أسمائهم باعتبارهم عملاء وخونة والاتصال بهم أو استدعائهم للحضور والتحقيق معهم على الهواء مباشرة. كذلك اختيار ضيوف الحلقات ممن هم مستعدون لفعل الوشاية. ولم يستثن من الموشى بهم الأطباء والمعلمين والرياضيين والناشطين الحقوقيين والسياسيين وحتى المثقفين والأدباء والكتاب.
منذ العام 2011، عمدت السلطة في البحرين إلى اعتماد أساليب الوشاية ضد المعارضين والذين ينتمون في غالبيتهم الساحقة إلى الطائفة الشيعية، لقد وشى الجار بجاره، والزميل في الدراسة والعمل بزميله، الهدف كان واضحاً، الوشاية تقربني أكثر إلى "المسئول/الوكيل المساعد/الوكيل أو الوزير"، وقربي منه قد يعود بالنفع علي، لربما أشغل منصب زميلي الشيعي، لربما يتم ترقيتي ... الخ.
لقد كافأ النظام كل من وشى بزميل له في 2011، بإحلال الواشي محل الموشى به أحياناً، أو ترقيته في منصب مرموق، أو نقله من وزارة إلى أخرى أو من قسم إلى قسم أكثر أهمية وصلاحيات ونفوذ، أو عبر المكافئات والحوافز، أو الهبات والعطايا.
أما المُوشى بهم، فمصيرهم التشهير والتخوين أو السجن والتعذيب، والفصل من العمل. لقد بلغ عدد المفصولين على خلفية الوشايات حوالي 5000 مواطن ومواطنة.
لقد غفل الحمادي أنه ومَن حوله، تربوا لخمس سنوات متواصلة على «ثقافة الوشاية»، وأن الوشاية لا رفيق لها ولا صاحب، الوشاية طموح بالنيل. يكفي أن يكون لدى واحد من (مجموعته الواتسابيه) طموحاً سياسياً ليشي به عند سيده ناصر بن حمد، طمعاً في قربه أو في منصب قد يتقلده هنا أو هناك.
خرج الحمادي بطريقة مهينة، فإذا كانت مقابلة السياسي المعارض ابراهيم شريف هي التي تسببت في عزل وزير الإعلام السابق جهاد أبو كمال، وهو عزل يمكن اعتباره مشرفاً، فإن سبب عزل الحمادي مخجلاً ووضيعاً. لم يعط الحمادي مجالاً لتقديم استقالته حفاظاً على كرامته، ولم يعلن في وسائل الإعلام حتى عن إقالته، فقط مرسوم ملكي بتعيين وزير لشئون الإعلام، ووزير لشئون مجلسي الشورى والنواب.
يبقى أن من زرع ثقافة وضيعة أو ساهم في تغذيتها، سيحصد شرها من حيث لا يحتسب. والدولة التي ترعى الوشاية، لن تحصد غير مجموعة وشاة يتصارعون على المناصب والكراسي والمال والهبات والعطايا، وكل شيء آخر عدا الوطن، أو الأخلاق.