مرآة البحرين-
هل حقاً أن نعال أحمد شاكر الذي ألقاه في وجه القاضي علي الظهراني أهان (هيبة) هيئة المحكمة بما يشكل إخلالاً بالاحترام الواجب لها كما صرّح وكيل النيابة؟
الهيبة ليست كرسياً يجلس عليه رجل مكتوب خلفه الآية الكريمة "وإذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل" وفوقها رسم لميزان عدالة. إنها ليست هيئة تشترى ولا منصباً يُمنح، ليست المكان ولا الأسماء، إنها الأمانة الخطيرة والعظيمة التي توجب الإجلال والمهابة. الإجلال يأتي من تهيب القاضي أمام ثقل الأمانة الملقاة على عاتقه، ومن خوفه على نفسه أن يخل بميزان العدالة يوماً أو ينصاع لانحيازاته وأهوائه، أن ينحرف عن العدالة والصدق والشرف ولو بمقدار شعرة. الهيبة والخوف تعملان في القاضي قبل المتهم، لأن الأول محاسب أمام الله والشرف والعدالة والتاريخ، بينما الثاني إما محكوم بالحق أو مظلوم.
دعونا نحاول أن نعرف من الذي يهين هيبة المحكمة؟
يتعامل القاضي الظهراني مع المحاكمين السياسيين كخصوم لا كمتهمين، يتعمّد الاستهزاء بهم ويناديهم بأرقامهم بدلاً من أسمائهم. وعندما يقوم المتهمون بسرد وقائع ما تعرضوا له من تعذيب يشيح بنظره عن وجوههم ويقطع عليهم حديثهم باستدعاء التالي، ثم يثبت في محضر الجلسة عبارات مختصرة لا تعبّر بدقة عما ذكره المتهمون، فيما قانون الإجراءات الجنائية يقضي تثبيت كامل التفاصيل بألفاظ المتهم.
عندما يترافع المحامي عن موكله المتهم في قضية أمنية أو سياسية، فإن هيبة القاضي الظهراني لا تنظر إليه، بل يتلفت في أرجاء القاعة وينظر في السقف. وبحسب محامي السجناء السياسيين، فإن الظهراني يبدو وكأنه يحاكم المحامي قبل المتهم، معتبراً المحامي والمتهم في قفص واحد، يتعامل مع المتهمين على أنهم إرهابيين، والمحامين على أنهم موكلين لإرهابيين وخونة.
في إحدى جلسات قضية المتهمين بحرق سيارة بالقرب من موقع الفورمولا 1، كان أحد شهود الإثبات، وقبل جلسة شهود النفي، يتلفّظ على المتهمين الذين لم تثبت إدانتهم بعد بأنهم "خونة"، اعترض المحامين على تلفظه ذلك، لكن هيبة القاضي الظهراني ردّت عليهم: "ليس في كلامه شيء". وعندما انسحب المحامون احتجاجاً، ثبّت الظهراني في محضر الجلسة أن المتهمين قاموا بعمل فوضى بمساعدة وتحريض المحامين، ورفع الجلسة. في الوقت نفسه عقد جلسة أخرى واستمع إلى شهود الإثبات دون حضور المتهمين وهو أمر غير قانوني.
السؤال هنا: من الذي اخترق هيبة هيئة المحكمة بما يشكل إخلالاً بالاحترام الواجب لها؟
في القضية المعروفة بـ"خلية جيش الإمام" والمتهم فيها 10 من المواطنين البحرينيين مع 12 آخرين مطلوبين، تمت محاكمتهم بموجب قانون الإرهاب. لم تقدم النيابة العامة أية أدلة مادية على ربط أي من المتهمين بأي نوع من الأنشطة الإرهابية، فضلاً عن أن جميع شهود الإثبات هم موظفون في وزارة الداخلية التي هي تمثّل جهة الادعاء.
لجلستين متتاليتين (الثانية في 15 أغسطس)، رفض القاضي الظهراني الاستماع لأقوال المتهمين أو إعطائهم فرصة للتحدث عن الانتهاكات التي تعرضوا لها أثناء الاعتقال والاحتجاز والتحقيق. المتهم السيد فيصل العلوي رفع صوته ليقول: "لدي الحق في الكلام، فأنا أعاني من تكبيل يدي وعزلي في الحبس الانفرادي منذ ثلاثة أسابيع، كما أنني محروم من الزيارات والاتصال بعائلتي". وقال المتهم علي صنقور: "لدينا الحق في الكلام، وهذه هي المرة الثانية التي يتم إحضارنا إلى هنا ولا يسمح لنا بالحديث". لكن الظهراني اكتفى بتسجيل أسماء من تحدثوا عوضاً عن تسجيل ما تحدثوا به. تجاهل الظهراني أيضاً طلب المحامين بعرض المتهمين على لجنة طبية محايدة لفحص آثار الإصابات التي قد تعرضوا لها أثناء فترة احتجازهم.
في الجلسة الثالثة بتاريخ 20 أغسطس، انسحب 6 محامين من أصل 9 تعبيراً عن اعتراضهم على تجاهل طلبهم بإحالة القضية لمحكمة أخرى تستقل بنظرها. قدم المحامون مذكرةً إلى المحكمة أفادوا فيها أنه وفقاً للقانون، فإنه يستوجب على الهيئة القضائية التوقف عن البت في القضية حتى يتخذ المجلس الأعلى للقضاء قراراً في طلب المحامين.
لم تكترث هيبة الظهراني بطلب المحامين، بل شرع في الاستماع لشهود الإثبات. لم يستطع الشاهد الإجابة على جميع أسئلة المحامين بشأن تفاصيل القضية، وكانت إجاباته إما "مذكور في محضر التحقيق"، أو "لقد نسيت" أو "المصادر السرية". كما كان رده على أحد أسئلة المحامين متضارباً مع أقواله في محضر التحقيق. فهل أوقف هذا الخلل في ملابسات شهادة شاهد الإثبات القاضي الظهراني؟ الجواب: لا.
المفاجأة، عندما قال أحد المتهمين للمحكمة، إن شاهد الإثبات الضابط محمد خالد السعيدي هو من قام بتعذيبه أثناء التحقيق معه في مبنى التحقيقات الجنائية، كما ذكر بأنه تعرض للتعذيب الجسدي والنفسي وأن اعترافاته غير حقيقية. هل حرّك ذلك شيئاً عند القاضي الظهراني؟ الجواب: لا.
وفي نهاية الجلسة، صرخ فيصل العلوي قائلاً إنه تعرض للتعذيب الجسدي والنفسي في مبنى التحقيقات الجنائية وإنه لا يزال محتجزاً في زنزانة انفرادية بسجن أسري. وأنه يتعرض لسوء المعاملة في محبسه فالحراس دائماً ما يشتمون السجناء وطائفتهم الشيعية. كما أن أحد الضباط هناك وهو الرائد أحمد الخالدي دائماً ما يصف الشيعة بالإرهابيين. لا إجابة. تم تأجيل الجلسة.
نعود لسؤالنا مجدداً: من الذي اخترق هيبة هيئة المحكمة بما يشكل إخلالاً بالاحترام الواجب لها؟
في الجلسة الثانية لقضية ما عرف بخلية (14 فبراير) سمح الظهراني للمتهمين بالحديث عما تعرضوا له بعد أن منعهم في الجلسة الأولى، لكنه عمل على تثبيت الكلام دون أية تفاصيل، وعندما تحدثت ريحانة الموسوي عما تعرضت له من تعذيب وتعريتها مرتين على يد ضباط ذكور، ثبّت في المحضر كلمة تهديد بدلاً من تعذيب وتعرية، احتج المحامون من أجل تثبيت التفاصيل بألفاظ المتهمة. رفض و(حَمَس) ورفع الجلسة. ومنذ ذلك الحين صار يرفض نهائياً الاستماع للمتهمين في الجلسات التالية. وعندما يصرّ أحد المتهمين بالكلام يغضب ويرفع الجلسة أو يطرده من قاعة المحكمة. تواصل المنوال في قضية جيش الإمام التي رفض الاستماع إلى أقوال المتهمين بتعرضهم للتعذيب.
نعود لسؤالنا ثالثاً: من الذي اخترق هيبة هيئة المحكمة بما يشكل إخلالاً بالاحترام الواجب لها؟
لقد أدين أحمد شاكر (23 عاماً) بمجموعة تهم تصل أحكامها إلى 40 عاماً، قبل أن يضاف إليها عام جديد بتهمة إهانة (نعاله) لهيئة المحكمة يوم أمس 15 مارس 2016. في تفاصيل الواقعة أوضحت محاميته أنه طلب رؤية الشاهد الذي حكم عليه بسببه، وطلب جلب الدليل الذي يثبت تورطه في التهم المنسوبة إليه، لكن هيبة القاضي الظهراني تعاملت معه بازدراء واحتقار وطلبت من الشرطة إخراجه من قاعة المحكمة وقام أفراد الشرطة بدفعه لإخراجه، فما كان منه إلا أن خلع نعاله وألقاه نحو الظهراني، فبقدر ما يكون القاضي هائباً أن ينحرف عن العدالة، يكون مُهاباً.
السؤال الأخير: كيف يمكن لهيئة قضاة أن تُهاب، وهي لا تَهاب الله، ولا تهاب الشرف؟