هاني الفردان- الوسط البحرينية-
كلمة الإرهاب بحدّ ذاتها هي كلمة مثيرة للجدل، إذ إن للكلمة معاني كثيرة تعتمد على الانتماء الثقافي والديني للشخص. لكن مفهوم الكلمة الحالي الذي تستعمله وكالات الأنباء الغربية، هو «أيُّ عمل يستخدم العنف والقوة ضد المدنيين ويهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للعدو عن طريق إرهاب المدنيين بشتّى الوسائل».
لدينا في البحرين، مفهوم الإرهاب مختلف جدّاً، فالإرهاب لدينا مرتبط بما عُرض على شاشة تلفزيون مثلاً، أو ما تراه الجهات الرسمية فقط، أو ما يحلو للبعض من مسئولين وإعلاميين وسْمه
بـ «إرهابي».
التعريف البحريني للإرهاب لا يشمل الأسلحة النارية، التي تستهدف المواطنين، فهي تدرج ضمن إطار أصبح متعارفاً عليه في خانة جديدة يطلق عليها الآن «مجموعات» و«مجهولون» وحتى «مدنيون»، فقد شهدت مناطق البحرين حوادث متعددة لإطلاق النار استهدفت بشراً، ومساجد ومآتم، ولم توصف بذلك الوصف، على رغم كونها تندرج ضمن عملية الإرهاب والترهيب.
في مقاربة بسيطة بين المضامين الخبرية التي تتناولها صحف محلية، يمكننا أن نفرق بين الإرهاب والاحتجاج، فعندما تتناول صحف محلية الأحداث في مصر أو سورية او حتى أميركا أخيراً، فإنك لن تجد لفظ «إرهاب»، «إرهابي»، «إرهابيين»، «مخربين»، لكنك ستجد كلمة محتج ومحتجين سلميين.
في بعض هذه الصحف، ما كان يحدث في مصر (في مارس/ آذار 2013) هو «مواجهات عنيفة بين قوات الأمن ومتظاهرين»، و«مئات المتظاهرين كانوا يرشقونها بالحجارة، وألقوا زجاجات (مولوتوف) على رجال الأمن ومنشآت»، كما أن «مشجعي النادي الأهلي المعروفين بـ «الالتراس الأهلاوي» أشعلوا النيران في نادٍ للشرطة، وفي مقر الاتحاد المصري لكرة القدم في القاهرة احتجاجاً (...)»، كما أنه في بورسعيد، المطلة على قناة السويس بشمال شرق مصر، أوقف مئات المتظاهرين حركة العبّارات الصغيرة التي تنقل السكان إلى الضفة الأخرى للقناة احتجاجاً (...)» أيضاً، بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك عندما أشعل المتظاهرون النيران في إطارات السيارات، ورفعوا لافتات كتب عليها «الاستقلال لبورسعيد». وحاول المحتجون المصريون تعطيل الملاحة في قناة السويس التي تخدم التجارة العالمية.
كل ما قلته حدث في يوم واحد (9 مارس 2013) وذلك بعد أن أصدرت محكمة الجنايات المصرية أحكاماً بالسجن، وأكّدت أحكاماً بالإعدام صدرت في (يناير/ كانون الثاني الماضي) في قضية «مذبحة بورسعيد» المعروفة.
حرق، وحجارة، وقتل، ومولوتوف، وإشعال النيران في نادٍ، وفي مقر الاتحاد المصري، وقف حركة العبّارات التي تنقل السكان، محاولة لتعطيل الملاحة في قناة السويس التي تخدم التجارة العالمية، وأخيراً رفع لافتات تطالب باستقلال بورسعيد عن مصر! ولم يخرج أحدٌ في الداخل المصري أو خارجه ليتهمهم بالإرهاب، أو العمالة لدولة أجنبية أو وجود أجندة خارجية أو غيرها من الكلاشيهات!
المفارقة عندما تجد خبرين في صحيفة واحدة، وبالقرب من بعضهما، يتناولان أحداثاً متشابهة، يصف أحدهما ما يحدث في البحرين بـ «الإرهاب»، فيما يصف الثاني كل ما يجري في مصر بـ «الاحتجاج»، وعندها تكتشف أنه لا مقارنة بين الحدثين، وفظاعة الأمرين، فما حدث في مصر يفوق ما حدث في البحرين كثيراً في ذلك الوقت.
مناسبة الحديث، هو عودة صحف إلى الحديث بطريقة غريبة في إطلاق المسميات، فالتي كانت تصف الاحتجاجات بـ«الإرهاب»، تصفها الآن بـ«السلمية»؛ لأنها مثلما وقعت في الولايات المتحدة الأميركية، عنوان ومانشيت عريض «الشرطة الأميركية تعتقل 400 متظاهر احتجوا سلميّاً على الفساد السياسي»، وجاء في متن الخبر أن التظاهرة «اتسمت» في معظمها بالهدوء والنظام، وأن اعتقالهم تم تحت ذريعة «نشاط تظاهر غير قانوني» مثل التجمهر وعرقلة حركة المرور.
قلناها من قبل، إن «الإرهاب» وتوصيفاته تقاس بدرجة قربه أو بُعده عن الأطراف المعنية أو الصحف أو الأنظمة، فكلما اقترب الحدث لطرف معارض حتى وإن كان تافهاً فهو «إرهاب» و«تخريب»، وعمل منظم من جماعات إرهابية، ذات انتماءات خارجية، مدسوسة، ومغرضة، يجب أن تضخم إعلاميّاً، وتأليب الرأي العام عليهم.