دول » البحرين

نصوص جديدة من كتاب "انتفاضة البحرين" : المقاومة والقمع في الخليج

في 2016/05/14

آلاء الشّهابي ومارك أوين جونز، موقع جدلية- ترجمة مرآة البحرين-

أجرى موقع جدلية مقابلة مع كل من آلاء الشّهابي ومارك أوين جونز، مؤلفا كتاب "انتفاضة البحرين"، كما نشر مقتطفات من الكتاب.

موقع جدلية: ما الذي جعلكما تؤلفان هذا الكتاب؟

آلاء الشّهابي ومارك أوين جونز: البحرين بلد صغير، ولكن مهم. مع ذلك، للأسف الشّديد، يتم تجاهلها غالبًا عندما يتعلق الأمر بالكتابة عن المنطقة. أردنا أن نعالج الفجوة النّسبية في الكتابة في البحرين، وتأليف كتاب حلل الانتفاضة الأخيرة من وجهات نظر متعددة، خصوصًا من قبل أولئك الذين تعرضوا لتأثير مباشر، بطريقة أو بأخرى.

موقع جدلية: ما هي الموضوعات والقضايا والأنواع الأدبية التي يعالجها الكتاب؟

آلاء الشّهابي ومارك أوين جونز: كثير من الكتابات عن المنطقة يميل إلى الانطلاق من زاوية الاقتصاد السّياسي أو الطّائفية وحتى مرحلة ما بعد الاستعمار. نظرًا للسّياسة المثيرة للجدل في الانتفاضات العربية، والتّاريخ الخاص للبحرين، اعتقدنا أن المقاومة والقمع سيكونان أكثر فائدة  كعدسة يمكن من خلالها تأطير دراسة عن البحرين. هذه المقاربة المنطلقة من مفهوم سمحت لنا بدراسة البحرين من عدة زوايا وطرائق منهجية، تتراوح بين التّحليل التّاريخي والدّراسات الثّقافية ومناهج الاتصالات. وفي هذا الكتاب، تعكس الفصول موضوعات العدالة الاجتماعية وفترة ما بعد الاستعمار ودور الجهات الفاعلة الخارجية، وحقوق الإنسان ووسائل التّواصل الاجتماعي.

فضلًا عن المقاربات المنهجية المختلفة، استند البحث إلى الكثير من الاعتبارات القيمية للنّموذج التّحويلي، الذي يركز على العدالة الاجتماعية وإدراج الأصوات المُهَمشة أو المضطهدة في الكتابة الفعلية للنّصوص. وعلى هذا النّحو، كان من المهم إشراك مؤلفين شهدوا الانتفاضة بطرائق متعددة، ويتضمن الكتاب فصولًا بقلم سياسيين ونشطاء وشعراء وأكاديميين محليين، وحتى عمال أجانب.

يتألف هذا الكتاب من ثلاثة أجزاء. الجزء الأول، يحمل عنوان "أصوات المُدانين"، وهو عبارة عن مجموعة من ثلاثة فصول كتبها أولئك الذين تم اضطهادهم بطريقة او بأخرى من قبل الحكومة البحرينية. الفصل الأول ترجمة لشهادة ابراهيم شريف في المحكمة، وهو سياسي بحريني علماني سُجِن وعُذّب على خلفية ممارسته حقه في حرية التّعبير. في هذه الشّهادة، يضع شريف أسس الكتاب، ويعدد الأسباب والدّوافع والمطالب للكثير من المواطنين المضطربين في البحرين. في الفصل الثّاني، يعيد علي الجلاوي، وهو أحد أفضل الكُتّاب البحرينيين، بذكاء ثاقب، وروح دعابة، رواية تجربة تعذيبه وسجنه في البحرين قبل انتفاضة العام 2011. أما الفصل الثّالث،  الذي قد يشكل إدراجًا مفاجئًا، فهو رواية الشّاهد لتوني ميتشيل، وهو أسترالي يقدم رواية مؤثرة عن مشاهدته لقمع الحكومة،  من مكان مرتفع يطل على دوار اللّؤلؤة، ما جعله يدرك المدى الذي وصلت إليه الدّعاية الحكومية. السّبب  وراء إدراج فصل ميتشيل هو أنه يسلط الضّوء على حالة غير اعتيادية لأجنبي غربي ينتقد التّجاوزات الوحشية للنّظام البحريني. عادة، يُتَوقع أن يكون مثل هؤلاء الأجانب مذعنين سياسيًا مقابل وظيفة جيدة وراتب معفى من الضّرائب.

يركز الجزء الثّاني من الكتاب على الأساليب المختلفة للمقاومة، ويتضمن مقال أمل خلف الذي تتناول فيه تحول دوار اللؤلؤة إلى رمز للحراك وكذلك أداة للمقاومة. ويوسع جون هورن تقنيات المقاومة المبدعة، في حين تتقصى آلاء الشّهابي ولوك بهاتيا اتجاهات التّحول في الخطاب المعارض ورد الحكومة على التّحول الأخير في حقوق الإنسان. يركز الجزء الثّالث على القمع، ويتضمن التّحليل العميق لزو هولمان بشأن العلاقة السّامة في كثير من الأحيان بين البحرين وبريطانيا، وكذلك كتابات مارك أوين جونز عن ظهور الشّرطة البحرينية. وسيهتم الباحثون عن فترة ما بعد الاستعمار كثيرًا بهذا الجزء. الفصل الأخير يتطرق إلى القمع أيضًا، ويبتعد عن التّاريخ ليلقي نظرة فاحصة على وسائل التّواصل الاجتماعي وسياسة الإنترنت في الانتفاضة الأخيرة في البحرين.

ويبرز موضوع كبير في هذا الكتاب، هو تدويل كل  القمع والمقاومة. ويشير الكتاب فعلًا إلى كيفية تأطير طموحات القوى الخارجية وأهداف سياستها الخارجية  السّياسة المثيرة للجدل في البلاد. فالبحرين، العالقة بين المنافسة بين السّعودية وإيران، والمهمة من الناحية الجيوسياسية بالنّسبة للولايات المتحدة وبريطانيا، تمتلك سيادة اسمية فقط.  مع ذلك، يتم استكشاف دور الجهات غير الحكومية الفاعلة، والإشارة إليه. فالشّركات والدّول الأجنبية، من كوريا إلى فرنسا، تستفيد من بيع الأسلحة ومعدات التّجسس وغيرها من المنتجات للبحرين.

من دون إقليم ومكان محدد، أصبح القمع تجارة عالمية أكثر، ونشهد على نحو متزايد القمع العابر للحدود للاحتجاجات المحلية، خاصة في مجال تقنيات المراقبة أو التّزويد بالمعدات والأسلحة. وعلى نحو معاكس لذلك، ينطبق الأمر على تحول حركات المعارضة وحقوق الإنسان، حيث نشهد المزيد من الاحتجاجات العابرة للحدود والضّغط على القضايا المحلية.

موقع جدلية: ما هي مواطن شبه هذا الكتاب مع أعمالكم السّابقة أو اختلافه عنها؟

آلاء الشّهابي ومارك أوين جونز: لا يختلف هذا الكتاب كثيرًا عن أعمالنا السّابقة بل يجمعها. كما أنه يجمع أيضًا الجهود المختلفة لأولئك الذين كتبوا عن البحرين، ولكن لم تشكل كتاباتهم بالضّرورة سردًا عمليًا متعدد الأوجه.

مارك أوين جونز: من ناحيتي، يقدم هذا العمل نظرة على الجوانب الهامة لوسائل التّواصل الاجتماعي، وكيف يتم استخدامها كأداة للقمع في البحرين. أنا أخوض أيضًا في الأسباب التّاريخية والثّقافية والاجتماعية  لإدماج انحراف الشّرطة في البحرين. أهدافي في كل من هذين الفصلين ترتبط بمصلحتي العامة برؤية أي من العوامل تؤثر على الأساليب القمعية.

موقع جدلية: من هو الجمهور الذي تأملون أن يقرأ هذا الكتاب: وأي نوع من الآثار تريدون تركه عليه؟

آلاء الشّهابي ومارك أوين جونز: الجميع فعليًا، لكن يمكن بالطّبع قول التّالي. لا نريد لهذا الكتاب أن يكون برجًا عاجيًا، سردًا صغيرًا لما كان يحصل في البحرين، وهذا السّبب وراء كون مجموعة المؤلفين وتقسيم الكتاب أمرًا انتقائيًا جدًا.  فمع خلفيتنا في  الأوساط الأكاديمية والنّشاط المرتكز إلى الحقائق، تم تحرير الكتاب بدقة  بهدف ضمان ليس فقط جودة المعلومات، بل أيضًا المدى الذي تصل إليه التّفاصيل. أردنا أن نكون متفهمين، على مستوى كل من المضمون والأسلوب، وعلى هذا النّحو، يجب أن يكون الكثير من هذا جاذبًا للمؤرخين والباحثين في الحركات الاجتماعية، وخبراء المنطقة والقراء العرضيين وأولئك المهتمين بالسّياسة.

جدلية: ما هي المشاريع التي تعملون عليها حاليًا؟

مارك أوين جونز: شخصيًا، أعمل على دراسة تستند إلى الدّكتوراه، وهي تبحث في التّطور التّاريخي لأساليب القمع في البحرين في القرنين العشرين والواحد والعشرين. الكتاب موسع جدًا، وهو يقدم تفاصيل مهمة عن الأوجه المتعددة للسّيطرة التي تعرض لها البحرينيون، وما يزالون. ولدي أيضًا بعض العمل في الأشهر القليلة المقبلة عن الانتقال الدًيمقراطي في البحرين، ودور وسائل التّواصل الاجتماعي في دبلوماسية p2p. أعمل أيضَا على مظاهر الدكتاتورية الرقمية في منطقة الخليج، الأوسع نطاقًا، وبشكل خاص على كيفية أخذ المراقبة باعتبارها نوعًا من العنف السّياسي على محمل الجد.

مقتطفات من انتفاضة البحرين: المقاومة والقمع في الخليج

مقتطف من المقدمة:

"انتفاضة البحرين: الصّراع من أجل الدّيمقراطية في الخليج"

14 فبراير/شباط 2011، حل يوم الغضب. بدأت الاحتجاجات في وقت مبكر من ذلك الصّباح في عدة قرى، بمشاركة مئات المواطنين. وقوبلوا بالغاز المسيل للّدموع ورصاص الشّوزن. في المساء، كانت الاحتجاجات قد وصلت إلى العاصمة المنامة، وضواحيها. بحلول الليل،  انتشرت أخبار وصور الوفاة الأولى: عبد الهادي المشيمع: عمره 21 عامًا. أصيب برصاص الشّوزن في ظهره. في اليوم التّالي، خلال مراسم دفنه، أصيب فاضل المتروك بإطلاق رصاص الشّوزن مجددًا، في ظهره. تحولت مراسم الدّفن إلى احتجاجات واسعة النّطاق، وتحولت أنظار المعزين، الذين كانو قد أنهوا لتوهم دفن المشيمع في قرية الديه، إلى دوار اللؤلؤة الذي صادف أنه يبعد فقط مسافة كيلومتر واحد. إنه مزيج من التّوقيت الجيد والحظ (نظرًا لمكان مراسم الدّفن)،  والتّصورات التي نُشِرت قبل يوم على موقع بحرين أونلاين، الذي تسبب بجمع النّاس في مسيرة غير مخطط لها باتجاه دوار اللؤلؤة. وأثناء تظاهرهم، انتشرت الأخبار، وترك الآخرون سياراتهم بشكل عفوي للانضمام إليهم. باقترابهم من الدّوار، كان المتظاهرون يرددون شعار "سلمية، سلمية"، و"الشّعب والأرض غاضبان، مطلبنا هو دستور عقدي".

ومع عدم وجود أي شرطي في الأفق، رحب دوار اللؤلؤة بضيوفه الجدد. انتشر الآلاف في المكان بشكل ثائر، انحنى البعض وقبلوا الأرض. ابراهيم شريف، وهو واحد من المحاربين القدامى إلى الدّوار في ذلك اليوم، حُمِل على الأكتاف من قبل الحشود كعريس في ليلة زفافه. وكمصرفي سابق، سيروي شريف لاحقًا في رسائله كيف جذبته تجربة الدّوار، وكيف سمح ذلك له بإعادة تأجيج أحلام شبابه الثّورية. أمضى نهاره وليله في الدّوار، بحيب أصبح متورطًا بشكل كبير في كواليس المفاوضات. على الرّغم من ذلك، برز شريف كزعيم ثوري في السّاعات الأولى من اللّيل، في الخيم الصّغيرة حيث تمت مناقشة استراتيجيات للمستقبل مع المحتجين والقادة الشّباب.

يوم 17 فبراير/شباط، في حين كان المحتجون يستقرون في خيمهم/ بدأ الإطلاق غير المتوقع للنار. ومن دون أي تحذير، أُغرِقت المنطقة بالغاز المسيل للدموع، وتم إطلاق النّار على الشّباب والكهول في غارة قامت بها قوات الأمن قبل الفجر. قُتِل أربعة  أشخاص بدم بارد تلك اللّليلة. ابراهيم شريف، الذي كان بالكاد قد نام في اللّيلتين السّابقتين، نقل المصابين إلى المستشفى. توني ميتشيل، وهو أسترالي، يقدم شهادة صارخة عما شهده في تلك اللّيلة في الفصل الثّالث. من بيته الكائن في مجمع للشّقق الفاخرة، واسمه أبراج اللؤلؤ، كان ميتشيل يطل على الدّوار. حاملًا كاميرته، صور ميتشيل ببساطة ما رآه. لم يكن ينوي أن يصبح "مواطنًا صحافيًا"، ولا المشاركة في الاحتجاجات، لكن في اليوم التّالي، عُرِض المشهد الذي صوره في قنوات الأخبار العالمية. وما حدث لتوني هو أن الأمر غير مسار كل من حياته وآرائه.

وفي حين امتلأت المستشفيات بالموتى والمصابين، وبمجموعات من الأطباء المذهولين والأقارب المحتضرين، والأجساد المثقوبة بالرّصاص لشباب وكهول، ناقض ذلك الصّورة النّمطية للبحرين، كبلد خليجي معزول وهادئ وغني بالّنفط. وسرعان ما تحولت الصّدمة الجماعية وعدم التّصديق إلى غضب جماعي.

وبأعصاب هادئة، حاولت قلة من المحتجين الشّجعان العودة إلى الدّوار، الذي حاصرته الدّبابات. كان وضعًا مختلفًا تمامًا عما كان عليه منذ بضعة أيام. الآن، المحتجون، الذين قل عددهم كثيرًا، واجهوا الاحتمال الذي لا مهرب منه بمواجهة عنف الدّولة. وفي فيديو تمت مشاركته ملايين المرات، أُطلِقت النّيران من مجموعة من الدّبابات، وشوهدت تصيب شابًا يرتدي قميصًا أخضر وتتسبب بوفاته. كان اسمه "عبد الرّضا بوحميد". في أعقاب ذلك، تم توجيه الأوامر للجيش بالانسحاب وعاد المحتجون إلى دوار اللّؤلؤة.

أعيد بناء المخيم، لكن النّشوة البريئة بسبب الوصول إلى الدّوار في 15 فبراير/شباط كانت قد استُبدِلت الآن بتحدٍ حزين ومحق. في كلتا المرتين، كان المحتجون منتصرين في المطالبة بأرضهم، "المقدسة" الآن، ولكن بثمن وتضحية أكبر -حرفيًا ترجمة المسار بدماء "الشّهداء" وتزيين كل زاوية بصورهم. كان هناك ضحايا لا داعي لوقوعهم، ولكن في الوقت ذاته، فإن ممارستهم للوكالة غذت إيمانهم العقيدي بالحراك. وعلى مدى ثلاثة أسابيع أخرى، استثمر المحتجون في إعادة بناء مستوطنة، كاملة مع الخيم والمسارح وأنظمة الصوت. ومثلت الخيم مجموعة من الهويات والأهداف، والمجموعات السّياسية اليسارية شبه القائمة، وكذلك مجموعات حقوق الإنسان، وفنانين ومجموعات نسائية، وكلهم موزعون في الأكشاك والخيم. كان هناك أيضًا مركز إعلامي، وخيمة للمفقودين، وكذلك الكثير من الطّعام والشّراب. تم ترقيم أشجار النّخيل المحيطة بالنّصب  التّذكاري لتكون بمثابة معالم، ونقاط التقاء، وتم تثبيت المركز الإعلامي. هويات القرى برزت كنقطة محورية للاجتماع، في حين كانت الهويات الدّينية أو الطّائفية غائبة ظاهريًا. تم تنظيم مؤتمرات صحافية في الصّباح وإقامة ندوات في الأمسيات، وتم استخدام مسرح مركزي لمخاطبة الجمهور طوال النّهار. وقد أحضر المحتجون مكيفات الهواء حتى استعدادًا لحرارة الصّيف. "اعتصام حتى إسقاط النّظام". كان وجود النساء لافتًا، سواء على مستوى المحتجين أو المنظمين، كما أشار إلى الأمر فرانسيس هاسو. مع ذلك، كانوا سيبقون هناك على مدى ثلاثة أسابيع أخرى فقط.

في 14 مارس/آذار 2011، دخلت قوات درع الجزيرة، التّابعة لمجلس التّعاون الخليجي، وهي قوات مسلحة تمثل الطبقة الحاكمة في هذا التّحالف المكون من خمس دول متجاورة (باستثناء عمان)، إلى البحرين عبر الجسر الذي يربطها بالسّعودية، الحامي الخبيث للبحرين. في اليوم التّالي، أعلنت الحكومة البحرينية "حالة السّلامة الوطنية"، وهي كناية تستخدم للإشارة إلى الأحكام العرفية. وكما في ليبيا، اصبحت البحرين الآن تواجه التّدخل الأجنبي المباشر. وفي حين كانت محاولات القوات الخاصة في درع الجزيرة في مجلس التعاون الخليجي تميل إلى الإيحاء بوجود إجماع إقليمي، قال روبرت فيسك إن القرار بعبور الجسر كان على نحو لا لبس فيه قرارًا من السعودية. وفي مقال له في الإندبندنت، صرح فيسك "أنهم [أي السّعوديون] لم يتلقوا أبدًا دعوة. لقد اجتاحوا ببساطة وتلقوا دعوة مؤجلة". بالفعل، هذا ما كان على مدى عقود عملية طويلة الأمد من التّعدي السّعودي الثّقافي والسّياسي الذي تحول فجأة إلى ما أسماه كثير من النّاشطين السّياسيين "احتلالًا"، مع إشارة كثيرين، بمن فيهم ابراهيم شريف، إلى القوات السّعودية بـ "قوات الاحتلال" مدركين أن هدفهم الأساسي كان قمع الاحتجاجات.

ومع داعميه السّعوديين، بدأ النّظام البحريني بفبركة ذريعة بأن وحشية عملية القمع ودخول القوات السّعودية كانا أمرًا ضروريًا لحماية سيادة البحرين من التّدخل الإيراني. رغب النّظام بوصف الحراك على أنه بتحريض من إيران، موحيًا بشدة بأن الانتفاضة هي ستار لنية مبطنة باستخدام الدّيمقراطية لتثبيت دولة شيعية ثيوقراطية في البحرين -وهو تكتيك استُخدِم منذ الثّورة الإيرانية في العام 1979. ولهذا السّبب، واصلت السّلطات إثارة الفتنة الطّائفية. فهدمت عددًا من المقامات الدّينية الشّيعية وعاقبت بشدة أغلب السّنة البارزين الذين شاركوا في الاحتجاجات، بمن فيهم عنصر سابق في الأمن، بهدف إبراز المعارضة على أنها  مكونة حصريًا من الشّيعة. وقد شمل الأمر ابراهيم شريف من حركة العمل الدّيمقراطي الوطني، الذي يشكل خطابه أمام محكمة الاستئناف الفصل الأول من هذا الكتاب.

في 21 مارس/آذار 2011، أعلن الملك حمد أن قوات الأمن أحبطت مؤامرة أجنبية (والمقصود هنا إيرانية). ازدادت ثقة الحكومة، وكذلك فعل إصرارها بشأن العلاقة المزعومة لإيران. تم رمي النّرد، والسّلطات كانت الآن تحاول، من دون خجل التّأكيد على الإطار الطّائفي، بأن المعارضة كانت عميلة لإيران، ما زاد تأجيج التّوترات الطّائفية في البحرين وفي المنطقة ككلّ. حتى عندما حكمت لجنة التّحقيق التي عيّنها الملك بعدم وجود أي دليل على تورط إيراني، بالكاد تغيرت مقدمة الخطاب الرّسمي للدّولة.

ومع تمركز السّلطات في موقع المدافعين ضد تهديد أجنبي، تواصل القمع وسط صمت الانتقادات الدّولية. وكما أشار إلى الأمر الكوميدي الأمريكي جون ستيوارت، في حين كان السّياسيون وصناع السّياسة الأمريكيون مشغولين بحشد الدّعم الشّعبي للتّدخل في سوريا وليبيا، كانت رسالتهم إلى الحكومة البحرينية واضحة: "هاي أنتم، خففوا لهجتكم.  

مع ذلك، لم تفعل الحكومة البحرينية شيئًا باستثناء التّخفيف من لهجتها. بين فبراير/شباط 2011 ومايو/أيار 2014، أفاد مركز البحرين لحقوق الإنسان عن أن حوالي 98 شخصًا قُتِلوا مباشرة بسبب الاستخدام المفرط للقوة من قبل الحكومة. ومن المُرَجح أن يكون هذا العدد ارتفع بسبب عمليات القتل المزعومة على يد قوات الأمن الحكومية. بالإضافة إلى الإكراه الجسدي والقتل وتعذيب النّشطاء، لجأت الحكومة إلى أساليب قمع متعددة لثني المعارضة. وفي فبراير/شباط ومارس/آذار 2011، صُرِف 2075 موظفًا في القطاع الحكومي و2464 موظفًا في القطاع الخاص من عملهم، "لدعمهم للمشاركة في الاعتصامات خلال الاحتجاجات". مع ذلك، تم الكشف من قبل تقرير فريق مستقل من الخبراء القانونيين في اللّجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق أن الاعتصامات "كانت ضمن الحدود المسموح بها في القانون".

وتضمنت التّدابير العقابية الأخرى سحب المنح الدّراسية الحكومية من الطّلاب الذين شاركوا مع المعارضة. مئات الطّلاب طُرِدوا أيضًا من الجامعة على خلفية دورهم المزعوم في التّظاهرات وانتقاد النّظام. في إحدى الحالات، طُرِد أحد الطّلاب فقط لأنه فقط وضع إشارة إعجاب على تعليق ينتقد النّظام على الفايسبوك. بالفعل، هذا القمع الواسع النّطاق استهدف كل شيء، من التّغريدة البسيطة إلى نصب اللّؤلؤة نفسه.

[مقتطف من انتفاضة البحرين: المقاومة والقمع في الخليج،  من تأليف آلاء الشهابي ومارك أوين جونز، تم نشره بإذن من المؤلفين]