دول » البحرين

بعض الاستنتاجات من الأحداث الأخيرة في البحرين

في 2016/07/01

يتصرف نظام العصابة الخليفية بطبعه الأرعن وطبيعته العدوانية. ويزداد تكبراً وعتواً بدفع سعودي ورعاية من الإدارة الإنجلوأمريكية التي تمنحه الغطاء السياسي. حقيقة لم تعد خافية على من يتابع الأوضاع في داخل البحرين، ويعرف شكل الخارطة السياسية فيها.

تتفق كلمة هذا التحالف الشيطاني في البحرين على كسر شوكة سكانه الأصليين، وتحريف تاريخه، ومحو تراثه، واستضعاف أناسه، وضرب تدينه، وتقسيمه إلى كانتونات طائفية، واستبدال شعبه الأصيل بشعب مستورد دخيل كحال العائلة الحاكمة فيه. وتأتي الخطوة الأخيرة بسحب الجنسية عن آية الله الشيخ عيسى قاسم في هذا السياق، وهي خطوة كانت متوقعة بعد سلسلة الإستهدافات التي مهدت الطريق للوصول إلى هذا القرار، بل هو ما كان غير مستبعد منذ أن صدر تقرير “البندر” قبل أكثر من 10 سنوات.

هبةٌ إيمانية صادقة عبر فيها ثلة عن غضبهم، ورفضهم لاستهداف مقام آية الله قاسم، كانت كفيلة بأن تتداعى الجماهير في سويعات ليتحول محيط منزل قاسم إلى ميدان الثورة والدفاع عن العقيدة ورموزها، ومقارعة الطغيان والإستبداد الخليفي. وهو الأمر الذي انتقلت أصداؤه خارج البحرين فحصل آية الله قاسم على إجماع وتأييد من أكبر المراجع الدينية بل كلها، ومن الشخصيات والأحزاب والفصائل، ناهيك عن تفاعل المؤسسات الدبلوماسية وخارجيات الدول العظمى، وهو الأمر الذي لاقى تغطية واسعة في جميع وكالات الأنباء العالمية.

أراد الخليفيون ومن ورائهم الثالوث الشيطاني بقيادة السعودية؛ أن يفاجأوا البحرانيين بإجراءاتهم، ويسددوا الضربة القاضية على وجودهم باستهداف أكبر قامة من رموزهم، فتفاجأوا من ردة الفعل التي لم يجعلوها في الحسبان. فرد الله مكرهم في نحورهم.

لقد أعاد الحدثُ الزخمَ الثوري إلى ساحات البحرين، وشد الإنتباه مجددا عند دوائر القرار، وأقطاب الصراع في المنطقة. وما يزال هذا الحدث يلقي بظلاله في هذه المرحلة الحساسة، والمنعطف التاريخي الخطير.

وإن لهذا الحدث دروس وعبر جمة، ومهمة وجديرة بالإنتباه، و يود هذا المقال أن يسلط الضوء على عشر نقاط مستنتجة من هذه التطورات:

الأول: أهمية العمل الميداني الجماهيري، وأثره في فرض الواقع، ووقف خطوات النظام، وإثارة الإعلام، وتحريك المياه؛ إذ لو تم التعامل مع الحدث عبر بيانات، أو خطب لكان النظام قد رحّل سماحة الشيخ، ولم تصدر الأصداء بنفس المستوي الذي عليه اليوم.

الثاني: أن صراعنا مع آل خليفة على العقيدة والوجود، وليس على السياسة والحقوق، وهو التشخيص الذي إن اتفقنا عليه فسيساعدنا لاتخاذ المواقف والأساليب الأكثر صوابية في العمل. فمن يعمل من خلال فهم الصراع من منظورٍ سياسي بحت، بالتأكيد سيختلف عن الذين يعتقدون أنهم يدافعون عن العقيدة، والوجود.

الثالث: أن التعويل على الغرب وخصوصاً الإدارة الإنجلوأمريكية ” كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا”. فقد حرصت الجمعيات السياسية طوال العشر سنوات أن تبني جسور الثقة، وتستفيد من العلاقات لإحداث الضغوط اللازمة من أجل إرضاخ الخليفيين لإشراك الشعب معهم في إدارة البلد، والإستجابة إلى “لغة العقل”، واحترام الإنسان. لكنهم اكتشفوا بعد كل تلك السنين أن العلاقات التي بُنيت طوال هذه الفترة لم توفر لهم حصانة أو حرمة فضلاً عن أن تُثمر بتغيير في سياسة هذه الدول الإمبريالية. بل ظهرت هذه الدوائر بوجهها الحقيقي المتواطىء والمتآمر والداعم لإجراءات القمع والإنتهاكات. طبعا وللتأكيد ليس المقصود هنا قطع أي إتصال قد يصب في المصلحة، إنما الإشارة على التعويل وإعطاء هذا الجانب أكبر من حجمه.

الرابع: أن الساحة الحقوقية ورغم أهميتها فهي الأخرى عاجزة، و لا تملك مخالب لفرض أي تغيير. والأكثر من هذا فإن الأمم المتحدة نفسها معرضة للإبتزاز والرشاوى، كما اتضح ذلك حين حُذفت السعودية من قائمة قتلة الأطفال التابعة للأمم المتحدة بسبب تهديدهم بسحب المساعدات. لذلك فهو منبرٌ للتنفيس والتوثيق، وقد يؤثر لكنه لا يُغير، ولنا في استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان خير مثال وآخرهم نبيل رجب.

الخامس: أن البحرانيين يمكن أن يتوحدوا ويقتربوا من بعضهم، ويكونوا صفاً مرصوصا وفي خندق واحد إذا وقفوا في وجه الخليفيين، وحين يدخل الخليفيون بينهم بحجة الحوار أو التفاوض، أو التواصل أو غيرها؛ تحدث الخلافات تلقائياً. فالخليفيون مصدر الشقاق والفرقة والخلاف، وأحد ضمانات الإتفاق أو التوافق هو أن تجتمع الكلمة على الخليفيين وليس معهم.

السادس: أن لا قابلية لإصلاح نظام العصابة الخليفية، وهو نظام يحمل عقلية التسلط والبطش والطغيان، واعتاد على الغدر والخيانة ونكث العهود، وهو بطبيعته عدواني حاقد جاحد، لا تردعه قيم أو أخلاق ولا يملك مروءة،  وإلا لما تحدى رب العزة والجلالة وهدم المساجد، وانتهك حرمات المؤمنين الآمنين، ومارس التعذيب بحق العلماء، و .. ما قدمه من شواهد لا تحتاج لإسهاب في هذا الشأن.

السابع: إننا قصرنا في واجب النصرة لمن هُتكت أعراضهم، واعتُدي على شرفهم في البحرين، ومن أُريقت دمائهم من أخواننا وانفسنا في الشرقية(من السعودية) واليمن، ظناً أو تقديراً أن ذلك يوفر حماية لبعض المؤسسات أو الأشخاص، أو يجنبها الملاحقة، أو يجعل الكيانات في مأمنٍ من الإستهداف. فقد ذب الصمت على جريمة قتل النفس الزكية لآية الله الشهيد النمر رغم أن دمائه سفكت لدفاعه عن البحرين، وكان السكوت سيد الموقف على قتل أهل اليمن والنظام الخليفي يشارك في قتلهم، وهو صمت لم يوفر حماية، وإنما جلب العدوان والإستهداف لمن اختار الصمت وبعد بضع شهور.

لقد جاء في الحديث النبوي أنه ” ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلّا خذله الله تعالى في موطن يحبّ فيه نصرته”ولهذا نحن الآن في حالة يقظة، وتكفير عن تقصير صدر منا بحق أناس استنصرونا في الدين ولم ننصرهم. وكما قال زين العباد “اللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظُلم بحضرتي فلم أنصره”.

الثامن: أن المقاومة هي الطريق والوسيلة والإستراتيجية التي لا بد وأن يخوضها شعب البحرين. فأين ما وُجد الإحتلال وُجدت المقاومة. وأي شعب تتعرض مقدساته وعلماؤه للإعتداء، ويُحارب دينه، وتُستباح حرماته، يدافع وبما أوتي من قوة عن قيمه وكرامته وعزته. وهي من الأمور المسلمة الواضحة الصريحة المنطقية العقلائية الفطرية. ف”كيف ما تكونوا يول عليك” و”ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا”. وقد بات الحديث عن المقاومة الآن أكثر مقبولية، ومبرراً أكثر من أي وقت مضى عند الكثيريين، وهي مسألة تخلق تقارباً وتماسكاً وتجعل الصف الشعبي قوياً.

التاسع: أن ما يجري في البحرين لا ينفصل عن ساحات الصراع في الإقليم والمنطقة عموما، ورغم صغر حجم هذه الجزيرة إلا أنها ترعب آل سعود فهي قد تكون بوابة التغيير في الخليج. كما أنها تعتبر ساحة من ساحات الإستقطاب، يتواجد فيها ( القاعدة العسكرية الأمريكية، وقاعدة عسكرية بريطانية، وتواجد عسكري “لدرع الجزيرة” إلى جانب ما يتألف منه الجيش الخليفي من مرتزقة من أجناس مختلفة) وفي نفس الوقت فالسعودية تعتبرها من مجالها الحيوي، وإيران تربطها علاقة تاريخية ودينية بها. كما أن الثورة البحرانية هي الثورة الأكثر ثباتاً ووضوحا ووطنية من بين الثورات العربية التي آلت إلى المجهول. وذلك بفضل حرص كل القيادات والرموز على عدم التورط في أي صراع طائفي، وتفويت الفرصة على مساعي النظام الخليفي وحلفائه في هذا الإطار.

عاشرا: عظم مكانة ومقام آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم. وخاصة بعد أن استهدفه الخليفيون مباشرة وبوقاحة، فقد اتضح للخليفيين، كما اتضح لعموم الناس في البحرين معارضين أو موالين أن سماحة آية الله قاسم هو الرمز الروحي والديني والسياسي الأكثر تأثيراً في البحرين وعموم الخليج. كما أن سماحة الشيخ نفسه كذلك بالتأكيد شعر بالإطمئنان لأن أبنائه لم يُسلموه ولم يخذلوه، والمراجع الدينية العليا التي أبدت مواقفاً تأيدية لها أثر في تثبيت الأقدام، وتقوية الموقف. ومن هذا المنطلق فإن الآمال معقودة أن تكون هذه بداية لرأب الصدع في أوساط المؤمنين، وأن يكون آية الله قاسم جامع الكلمة الذي تلتقي عنده القيادات على الهم والهدف وهي تشعر بأبوته.

من النقاط السالفة، وفي الوقت الذي يحق للبحرانيين أن يتباهو فيه بوقفتهم الحسينية، واستعدادهم لبذل الغالي والنفيس دفاعاً عن عالم جليل وقامة كبيرة مثل آية الله قاسم، والذي وحّد الجهود، حتى بات موضع فخر وتأييد مراجع الدين العظام. ورغم أن الناس تترقب وتتوقع من الخليفيين وآل سعود الغدر، لهذا فهم يحملون أرواحهم على أكفهم، ولا تبدو المؤشرات تنحو اتجاه التهدئة، ما يعني أن الأيام حبلى وتحتاج لصبر ومصابرة. لكن ربما يكون العكس حيث أن الدوائر الحليفية لآل خليفة وآل سعود تعرف خطورة ارتكاب أي حماقة، وهم فوجئوا من ردة الفعل ويخشون المجهول، ولعل هذه القلوب المؤمنة بوقفتها الصادقة، تردعهم، فينقلب البحرانيون ” بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم”

من هنا ينبغي التنبيه والحذر من إيصال الرسائل التي توحي بأن فورة الغضب منحصره في شخص سماحة الشيخ وفقط، وفي حال تراجعت السلطة عن سحب الجنسية يعني أن آفاق الإصلاح والمصالحة عادت، ولو بقيت الحرمات مستباحة والمقدسات تتعرض للإعتداء بين الفينة والأخرى، والمواطنون تُسجب منهم الجنسية ويضيق على معايشهم!

إن أسباب ودوافع المفاصلة مع نظام العصابة الخليفية منطقية وواضحة، وقرار سحب الجنسية إنما يؤكدها، لذلك من المهم التأكيد على أن الحاجة لمقاومة العصابة الخليفية باقية، وقطع خيوط التواصل واجبة، والإجتماع على كلمة الإسقاط حتمي، والتمسك بحق الشعب في تقرير المصير ليس قابلا للتنازل.

قبل استهداف آية الله قاسم بهذا الشكل، كان واضحا لكل من ألقى السمع وهو شهيد أن الخليفيين هدموا عشرات المساجد، وقتلوا الناس على الهوية، واعتقلوا وعذبوا العلماء، وحرضوا اعلامهم الرسمي للإزدراء بغالبية السكان من المواطنين الشيعة، وأنهم خانوا الأرض واستدعوا الإحتلال السعودي والإماراتي، ومؤخرا استجدوا عودة الإستعمار البريطاني إلى المنطقة من بوابة البحرين. بل وعلى نفقة العصابة الخليفية من الأموال المنهوبة من البحرانيين.

ورغم أن المؤشرات لا توحي بأن الخليفيين وبدفع من آل سعود أنهم في وارد التنازل، أو العدول عن قرار التصعيد، لأن ذلك طبعهم العدواني والفتنوي، والأمثلة حية أمامنا إذ لم يرتدعوا عن قتل أطفال اليمن أو سفك دم الشهيد العظيم آية الله النمر. لكن ورغم كل ذلك، ينبغي التأكيد على أن الخليفيين لو عادوا عن قراراهم فلا يعني ذلك أنهم تعقلوا وأصبحوا أكثر اتزاناً وقابلية للإصلاح، فطبع الغدر ونكث العهود الذي تعودناه منهم يقول لنا أنهم لو عدلوا عن قرارهم فهم مُرغمون، وسيعاودون الكرة متى ما سنحت لهم الظروف. وسيعملون على إعادة الأفعال الشنيعة.

مسألة أخرى، وحرصا على التمسك بموقعنا كشعب، وعدم المساهمة من غير قصد بإعطاء صورة أقل مما يجب أن نكون عليه. أود هنا أن أطرح مجددا اعتراضا على استخدام مفردة (المكون) أو (الطائفة) والتي توحي بالمعنى اللغوي “(الجماعة) الدينية المختلفة عن الإتجاه السائد للغالبية”، وهو معنى مقارب للمعنى القرآني الذي يوحي بشكل عام إلى أن المعنى هم (جماعة من الناس). والحقيقة في البحرين تقر بأننا الشعب والتاريخ والهوية والأصل، أما الطائفة فهم دوننا ومنهم آل خليفة الدخلاء. فلا يقال للسنة في مصر مثلاً الطائفة السنية لأنهم يشكلون الغالبية، فيقال للسنة في مصر (الشعب المصري) وتطلق مفردة الطائفة على الأقلية، والأمر كذلك في إيران مثلا يطلق على شيعة إيران (الشعب) وغيرهم من الإتجاهات الدينية (طائفة).

أخيرا فمهما تعاظمت قوة الخليفيين فهم لا يملكون أسباب البقاء، وليس بوسعهم أن يقتلوا كل الشعب، ” ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون”. وإن الذل والهوان هو التسليم والإذعان، والتثاقل إلى الأرض، والقبول بالإحتلال والإستبداد والإستعمار. وستكون بإذن الله هذه الوقفة الصادقة من البحرانيين المدافعين عن مقام آية الله قاسم،و المنتصرين لدينهم ووجودهم ووطنهم ورموزهم، بداية الإنتصارات الشعبية والهزائم الخليفية، ” إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد”.

علي مشيمع - البحرين اليوم-