دول » البحرين

منْ يدير “الوفاق” بعد حلّها؟ ومنْ يخطفها في أروقة محاكم آل خليفة؟

في 2016/09/07

بعد الإعلان الخليفيّ عن إغلاق جمعية الوفاق، لم يعد ممكناً للمتابعين معرفة ما يحصل داخل الجمعية السياسيّة الأبرز والتي تجاوزت العديدَ من الأزمات والمنعطفات، خلال عمرها الذي بلغ ١٥ عاماً، واستطاعت في أكثر من مفترقٍ أن تثبّت أقدامها بعد كلّ هزّة تتعرّض لها، من الداخل والخارج. حسابات الجمعيّة الرسميّة في مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد تُحدِّث منشوراتها منذ يونيو الماضي. مؤشرٌ يرآه البعضُ “انصياعياً” من الجمعيةِ لقرار آل خليفة بتشميعها بالأحمر، والتزاماً من قادتها الموجودين خارج السجن ب”حُكم” منعها من ممارسة أيّ نشاط معلَن. أعضاءُ الجمعية والتيارُ العريض الذي يؤمن بخياراتها؛ لا يجدون نافذةً أو منبرا غيرَ ما تقوله أو تنشره القياداتُ الموجودة في خارج البلاد، ليعرفوا من خلالها “الموقفَ” السياسيّ حيال ما يحصل من أحداثٍ منذ شهر يونيو وحتى اليوم، وهي أحداثٌ تكاد توازي، لجهةِ جذريّتها، أحداثَ السنوات الأولى للثّورة. فماذا يعني إغلاق “الوفاق” لقنوات اتّصالاتها؛ بعد إغلاق الخليفيين لأبوابها؟

يمكن قراءة الحدث من آخره. فقد أعلنت اليوم الأحد، ٤ سبتمبر ٢٠١٦م، صحيفة “الأيام” – القريبة من دواوين آل خليفة – موعد النّظر في استئناف الحكم الخليفي بإغلاق “الوفاق”، وهو يوم الثلاثاء المقبل ٦ سبتمبر الجاري، وهو إعلان – كما لاحظ ناشطون – سبق إعلان المحكمة الخليفية له بساعات، ما يُحيل مباشرةً إلى السّؤال المتداول، والذي لا يلقى إجابةً “رسميّة” من الوفاقيين: منْ الذي تقدّم بالطعن على قرار حلّ الجمعية؟

بحسب الخبر “الرسمي” المنشور في الصحافة المحلية اليوم، فإن “جمعية الوفاق” تقدّمت بالطعن على “الحكم المستعجل” القاضي بغلق مقارّها وتعليق نشاطها. إلا أنّ أحداً من القياديين في داخل البلاد لم يتحدّث عن هذه الخطوة، ولم يصدر تعليقا حول ملفها في قضاء آل خليفة، فيما التصريح المباشر حول ذلك صدر من القيادي الوفاقي المقيم في لندن علي الأسود، الذي قال لوكالة رويترز في 30 أغسطس الماضي بأن مجموعة من الجمعية تقدموا بالطعن دون أن يكشف عن أسمائهم، وكان آخر تصريح صادر أيضا من هذه القيادات الأساسية في الخارج حول هذا الشأن هو بيان نائب رئيس الجمعية، الشيخ حسين الديهي، وذلك في ١٤ يونيو الماضي، أي بعد الإعلان عن حلّ الجمعية، وقال فيه بأن “الوفاق ستبقى ولن تغيب، بل سيترسخ وجودها أكثر”، وهو ما دفع البعض إلى التأكيد بأن الشيخ الديهي من المؤيدين لخطوة الطعن في قرار حلّ الجمعية، فيما يقول متابعون بأنّ “الطعن” ما كان يمكن أن يحصل “رسميا” لولا وجود تأييد من الشيخ الديهي وبقية القيادات الموجودة في الداخل، والتي أعطت – بحسب هذا المصدر – “الضوء الأخضر” للمحامي (المجهول الهوية حتّى الآن) لتقديم الطعن في محاكم آل خليفة.

بالعودةِ إلى مسار الأحداث، جاء إغلاق الوفاق مصحوباً بإغلاق جمعيتي “التوعية” و”الرسالة الإسلامية”، ومعه أعلن آل خليفة سحب الجنسية عن آية الله الشيخ عيسى قاسم والتهديد بترحيله القسري من البلاد. هذه الحزمة من الإجراءات تعيد إلى الذاكرة “المجهود” الحثيث الذي كانت تبذله بعض الوجوه – قبل الأحداث الأخيرة بأسابيع – من أجل اختراق الفضاء السياسيّ والدّيني للتيار الذي يمثّل خطّ الوفاق ونهج الشيخ قاسم، وهو اختراقٌ كان يُراد له أن يأخذ حضوره وسط هذا التيار، ليُعيد بعده تركيب التوجه السياسي والدّيني بما يتلاءم مع المحاولات المستمرة لإنقاذ النظام وانتشاله من المآزق المتتالية. وبحسب المخطّط الذي كشفت جوانب منه (البحرين اليوم) في سلسلة “حصان طروادة” قبل ٣ أشهر؛ فإنّ المطلوب إزاحة “الوفاق” من المشهد السياسيّ المعارض، أو على الأقل تكبيل القيادات التي تؤمن بخيارات أمينها العام المعتقل الشيخ علي سلمان، والذي دخلَ في مواجهةٍ مفتوحة مع الخليفيين، وأبدى سلوكا سياسياً حازماً تجاه تعدّياتهم المستمرة، وهو سلوك لم يكن يُريح الكثيرين ممّن وجدوا في الشّيخ سلمان عائقاً أمام تمرير “مشروع إنقاذ آل خليفة” داخل الوفاق، وكان اعتقال الشيخ سلمان والحكم المغلّظ عليه؛ محاولة مجدّدة لتكريس إبعاده من التأثير على مسار “الوفاق” وهو داخل السجن، وإتاحة المجال للمتاجرين بها للتصرّف بها، والإتّجار بإرثها لصالح أجندة النظام غير المعلنة.

الأخطر في موضوع “الطعن” في قرار “حل الوفاق”؛ هو أنه يُعيد الاعتبار لمحاكم آل خليفة، وهي المحاكم التي تمثل الأداة الضاربة بيد النظام، والتي طالت الشيخ عيسى قاسم نفسه. ولذلك لم يكن غريبا أن يُبدي وفاقيون تبرّمهم من خطوة “الطعن”، لأنها تسبغ “الشرعية” على هذه المحاكم التي تُسلَّط اليوم على رمزهم الدّيني والوطني الأعلى، ومنه تتسلّط على هوية السكان الأصليين ووجودهم.

في هذا السياق يقول أحد الوفاقيين بأن “منْ” اتخذ قرار استئناف حكم حلّ الوفاق “استفرد بمصير الجمعية”، مؤكدا بأن الاستئناف يعني “الحكم على عدالة محاكم آل خليفة، وهي المحاكم التي تتوالى في إصدار أحكامها ضد أبرز علماء الدين اليوم، وتتطاول على المرجعية الدينية والسياسية المتمثله في الشيخ قاسم”. ويستذكر معارضون الموقفَ الذي أكّده السيد مجيد المشعل، المسجون بتهمة تنظيم اعتصام الدراز، والذي وصفَ المحكمة الخليفية التي تنظر في الدّعوى ضد الشيخ قاسم؛ بأنها “محكمة باطلة، وهي بائسة، ولا قيمة لها ولا اعتبار لها”، وهو موقف يقطع الطريقَ على المتأوّلين الذين يرون في استئناف حكم إغلاق “الوفاق” “تكتيكا سياسياً مطلوبا” في هذه المرحلة، في حين يغفل هؤلاء أن “هذه المرحلة نفسها” لم يعد من المتاح فيها “تجريب الوسائل التكتيكية التي جرت العادة عليها قبل الثورة، وبعد الاستهداف الأخير لوجود المواطنين وهويتهم”، كما يعلق أحد الوفاقيين الذي يذهب إلى أن الشيخ علي سلمان، وقبل اعتقاله، تجاوز “تلك اللعبة السياسية، وأن الوفاق ينبغي أن تمضي بهذا الخيار والنهج الذي أرساه الشيخ سلمان، وإلا فأنها ستكون بهويةٍ جديدة لا تنال رضى التيار العريض من أتباع الجمعية”، وهو ما يتقاطع مع ما يسود في أوساط سياسية تذهب إلى أنّ هناك “طبقة وفاقية لا تزال تسعى لزحزحة الجمعية عن خيارات الشيخ سلمان، وهي تبذل جهدا مكثفا للضغط على قيادات الوفاق لعدم اللحاق بهذه الخيارات، وذلك بحجة أن الشيخ سلمان اجتهد فيها وأخطأ”.

الصمت الذي يلفّ قيادات الوفاق بشأن حقيقة “استئناف” حكم حلّ الجمعية؛ ليس بعيداً عن الأخطاء “المفصلية” التي وقعت فيها بعد قرار آل خليفة الإنقلاب على دستور ٧٣، ومنذ العام ٢٠٠٢م لم يفلح قادة الجمعية، الباقون والمنشقون عنها، في إعادة ترسيم منهجيتها السياسية، وإحكام السيطرة على أعضائها وقادتها من الصفوف الثانية، وهو ما أتاح الفرص، أكثر من مرّة، لجرّها باتجاه خياراتٍ تبيّن لاحقاً أنها كانت خاطئة وتسبّبت في “تمديد الوقت ليُوسّع آل خليفة من إطالة مشروعهم الإستراتيجي في الاستهداف الوجودي للسكان”، كما يلاحظ عضو سابق في الجمعية وهو يتتبع المسارات التي فتحت فيها “الوفاق” الأبوابَ لعددٍ من الأشخاص للنفاذ فيها تحت عنوان “الكتلة الإيمانية”، حيث اتضح فيما بعد أن عددا منهم لم يكونوا “جديرين بتمثيل التيار السياسي والديني للجمعية” مستدلا على ذلك بغيات هؤلاء اليوم عن “خطوط الدفاع عن الشيخ سلمان، وبعده عن الشيخ قاسم”، في مقابل انكبابهم على مجالس آل خليفة، والانشغال ب”توثيق اتصالاتهم مع المرجفين وتهيئة الطريق لهم إلى مجالس الخليفيين وجلاّديهم من ضبّاط المخابرات”. فهل ينتفض “الوفاقيون” المخلصون لنهج الشيخ سلمان، والمؤمنون بمرجعيّة الشيخ قاسم؟ وهل يعلو الصوت “الوفاقي” الذي يدعو للكفّ عن التلاعب ب”الوفاق” بعد حلّها، وقطع الطريق على أخْذها إلى مكان آخر، واستعمالها أداةً في حرب الاستهداف الجارية على عموم الناس، وعلى مرجعيتها الصامدة في الدّراز؟

البحرين اليوم-