في ١١ مارس ٢٠١١م، خرجَ إلى الإعلام الغربي صوتٌ من داخل السعودية وأعلنَ بصوت لا تردّد فيه: “نريد الحرية، نريد الديمقراطية”. هذا هو خالد الجهني الذي أعلن بأنه سيتظاهر ذلك اليوم وسط الرياض من أجل التضامن مع المعتقلين السياسيين، رغم أنه لم يكن يعرفهم أو تربطه بهم أية علاقة شخصية.
أمام ما يُسمى بديوان المظالم في الرياض، اعتصم خالد وحيدا، وسط التواجد الأمني الكثيف الذي أحاط بالمنطقة وكان انتهز الفرصة للانقضاض على الشاب الذي تعرفه المخابرات ب”شغبه اللفظي” القديم. هناك كان بانتظاره فريق من القناة البريطانية (بي بي سي العربية)، سجّل الجهني موقفه بعبارات بسيطة ولكنها كانت كفيلة باختصار “المرارة” التي يعانيها الجميع من آل سعود. تم اعتقال الجهني في ذلك اليوم نفسه، ودخل في غياهب السجون والمحاكمات حتى إطلاق سراحه المقيّد في أغسطس ٢٠١٢م.
خلال فترة الاعتقال، عُرف خالد بأنه “أشجع رجل في السعودية”، وتحول إلى “أيقونة” للمدونين الذين امتدحوا شجاعته في التظاهر وحيدا في وسط العاصمة التي تحاصرها قوات آل سعود ومخابراتهم. بعد الاعتقال، تقلّصت الأخبار عن الجهني، وبعد الإفراج عنه اختفى عن المشهد العام إلا من بعض الأخبار المتقطعة، واستمر هذا الغياب إلى أن ظهر مجددا في العاصمة البريطانية لندن ليُعيد رواية الحكاية، ويكشف عن المعاناة التي دفعت به إلى الهروب من فساد آل سعود واستبدادهم.
يستعيد الجهني – في حسابه على تويتر – المقابلة الشهيرة مع “بي بي سي”. يتذكر أنه وصف آل سعود حينها ب”اللصوص وسُرّاق النفط”، وأعلن أن المواطنين “يريدون خلاص البلاد من شرورهم”. يروي الساعات القليلة التي أعقبت المقابلة في الشارع، وكيف أن السيارات التابعة للمخابرات كانت تتعقّبه وأن اعتقاله كان وشيكا بحسب ما أخبر الجهني مراسلة القناة البريطانية بعد أن طلبت لقاءه في مقهى عام. عصر ذلك اليوم، داهمت المخابرات منزل الجهني، وأخرجوه من المنزل، ثم عمدوا إلى تفتيش المنزل وصادروا أجهزته الإلكترونية، ليتم نقله إلى عدد من السجون، ومنها سجن “المباحث”، حيث يروي وسائل التعذيب النفسي التي مورست ضده، وبينها إسماعه أصوات السجناء وهم يصرخون، وتخويفه بمناظر السجناء وهم مغمى عليهم، مع منعه من النوم عبر إثارة الضوضاء.
لم يتعرض الجهني لتحقيق طويل، وكانت الأسئلة تدور حول علاقته بالنشطاء، والمعارض سعد الفقيه. يؤكد الجهني بأن المخابرات كانت تعرف عنه “أكثر مما يعرف هو عن نفسه”، حيث تعرض للمضايقات سابقا من جانب مكتب التربية، وتم تهديده بتحويل ملفه إلى وزارة الداخلية، كما يروي حادثة قبل اعتقاله وقعت في أحد المساجد يوم الجمعة، حيث كان الخطيب يمدح “ولاة الأمر”، فقام الجهني وسط المصلين، وهتف بصوت عالٍ: “يسقط آل سعود، يسقط سُراق البترول”، فيما كان المصلون في دهشة كبيرة.
الجهني الذي هدأ صوته قليلا، وجد نفسه مع الثورات العربية في العام ٢٠١١م؛ مدفوعاً لإخراج الأصوات “المكتومة”، فوجد نفسه وسط الثورات، وعلت نبرته، ولم يجد فرصة في الشارع أو في أي مكان عام إلا واستغلها لكي يرفع شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”.
تعرض الجهني في السجن لمضايقات نفسية عديدة، وخاصة مع نقله المتكرر داخل السجون، حيث نُقل إلى سجن الحاير، الذي شهد ضغوطا متزايدة عليه بسبب سجنه الإنفرادي، ثم نقله إلى سجون جماعية ينزل فيها متشددون دينيا. وقد خاض الجهني سلسلة من الاعتصامات والإضرابات من أجل نقله إلى مكان آخر وتحسين ظروفه داخل السجن.
يروي الجهني جانبا من المضايقات التي تعرض لها بعد انتهاء المحاكمات التي يصفها ب”الهزلية”، ومن ذلك عدم تمكينه من العمل بعد نقل عمله خارج الرياض، وقد بقي ٣ سنوات من غير عمل ومحروما من الراتب.
استغل الجهني عدم منعه من السفر، وخرج أول الأمر إلى تركيا، إلا أنه كشف عن ملاحقة المضايقات له، وسط مراقبة مشددة، وانتقل بعدها إلى عدد من الدول الأوروبية، حيث حاول التقدم باللجوء في السويد، ولكنه لم يتابع الإجراءات “لعدم الإرتباح” بحسب تعبيره، فيما استمرت مضايقته في كل مرة يعود فيها إلى السعودية، وبأشكال مختلفة، وهي مضايقات لاحقته أيضا في دول الخليج حينما يسافر إليها مع عائلته.
الحادثة التي غيرت مجرى الأمور كانت في لندن، حيث استخرج الجهني فيزا إلى بريطانيا والولايات المتحدة، على أمل الخروج بعض الشيء من “الضغط الذي يُمارس” ضده في “السعودية ودول الخليج” كما يقول. كان المخطط أن يقيم الجهني أسبوعين في لندن، ومثلها في أمريكا، إلا أنه تعرض لسرقة غامضة لجواز سفره، وذلك منذ الساعات الأولى لوصوله لندن، في حين امتنعت السفارة السعودية عن استخراج جواز بديل له، ولم يسمحوا له إلا بورقة عبور إلى الرياض، وهو ما رفضه الجهني، الذي لم يستبعد أن تكون سرقة جوازه “مقصودة”.
كان الخيار في نهاية المطاف بين العودة إلى السعودية، أو تقديم اللجوء. لم يتأخر الجهني في المضي بالخيار الثاني، رغم الظروف الصعبة التي يعانيها في لندن، حيث الانتقال بين فنادقها، والمعاملة “الغليظة” التي تلاحقه لإجباره على العودة إلى الرياض.
القرار الذي يتمسك به الجهني اليوم يصوغه في العبارة التالية: “إما إصدار جواز سعودي لي، أو أن يتولى أصحاب الأرض أمر ترحيلي إلى حليفهم في الرياض”. وهو بذلك يختصر حكاية المأساة التي يتبادل القيام بها آلُ سعود والداعمون البريطانيون.
البحرين اليوم-