دول » البحرين

محمد بن سلمان وناصر بن حمد: من هو «آيرون مان»؟

في 2016/10/28

في مؤتمر صحافي بفندق «فورسيزونز» الفخم، والمملوك لوالده، أعلن نجل الملك ناصر بن حمد آل خليفة، عن إقامة «معرض ومؤتمر البحرين الدولي للدفاع 2017»، تحت رئاسته.

المعرض الذي سيقام بعد عام من الآن، يفترض أن يستقطب 100 عارض ومُصنـِّع دولي ومُزود تقنيات وأنظمة عسكرية، فضلا عن وفود سياسية وعسكرية دولية، بحسب ما قال نجل الملك.

بشكل صريح قال ناصر إن هدف معرضه العسكري «تعزيز التعاون بين البحرين والمجتمع الدولي» ودعم أهداف الجيش البحريني في تطوير قدراته العسكرية.

معرض ناصر لن يسمح به دون إذن سعودي بالطبع، وعليه سيقام بالشراكة مع التحالف العربي الذي يشن حربا على اليمن بقيادة السعودية.

مغامرات ناصر

على مر الأشهر الماضية، خصوصا بعد قرار محكمة بريطانية إسقاط الحصانة عنه وفتح الباب أمام مقاضاته بتهم التعذيب، لم يتوانَ ناصر عن تصدير نسخته الخاصة جدًا من مشاريع النظام البحريني لتبييض السمعة.

وحتى لو كان معرض الدفاع هذا جزءا من هذه الاستراتيجيا، تبدو هذه المغامرة أكبر من مقاس ناصر بن حمد. هي صورة ثالثة، يكافح ناصر على ترسيخها له، كرجل حرب، بعد أن تشتّت صورته الأولى بين أمير رياضي، ومعذّب.

لكثرة المتشابهات بينهما، يمثل ناصر نموذجا يمكن أن تقاس به طبيعة تفكير ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع الأمير الصاعد محمد بن سلمان آل خليفة.

كل منهما أبوه الملك، لكنّه ليس ولي العهد. كلاهما لم يتعلّم في جامعات خارجية، ولا يتقنان الإنجليزية بطلاقة. كلاهما شديد التمسك بالزي العربي الأقرب للبدو. يشتركان في التعطّش للحرب، وفي خطاب الشباب، ويشتركان أيضا في تلك النظرة المرتابة دوما على وجهيهما.  

مشترك آخر بين الرجلين، هو أن كلا منهما حاول في فترة قياسية أن يجمع أكبر عدد من المناصب، في مختلف المجالات.

الوجه البلطجي: سباق التعذيب

منذ الرابع عشر من فبراير/شباط 2011، سيكون لابن الملك المدلّل، وجه جديد، بخلاف وجه الأمير الرياضي الشاب، والنجم.

في أوج حملة القمع، برزت جملته الشهيرة على تلفزيون الدولة الرسمي «كل من طالب بإسقاط النظام ستسقط على راْسه طوفه (جدار)... البحرين جزيرة صغيرة... أين سيهربون؟». بدءا من هنا ظهر الوجه «البلطجي» للشيخ ناصر، لم تعد الرياضة متنفسّه الوحيد، خصوصا بعد الضغط النفسي الكبير الذي عاشته أسرته الحاكمة خلال فبراير/شباط 2011.

بطيش الفتوّات، خرج مكنون ناصر، وسمح له القصر الملكي بأن يذهب بعيدا. وبأوامر من لجنة تحقيق شكّلها تم اعتقال 22 رياضيا شيعيا، وتعرّضوا للتعذيب.  

حلبات الخيول والملاعب لم تعد تكفي. سيشترك ناصر بن حمد في سباق آخر بيديه هذه المرة: سباق التعذيب. سيكون متخصّصا في تعذيب المعتقلين الذين يحقد عليهم والده، لكثرة ما هتفوا بإسقاطه علنا. على رأس هؤلاء، رجل المنصّة الرئيس في دوّار اللؤلؤة، الشيخ محمد حبيب المقداد.

قال للمقداد وهو يجلده «عندما كنتم تتظاهرون أمام قصرنا في الصافرية، كان الحائط فقط يفصل بيننا»!

أثارت هذه المعلومات المنظمات الدولية والصحف الأجنبية، وتكوّنت صورة جديدة لناصر بن حمد ارتبطت من الآن فصاعدا بالتعذيب وليس الرياضة!

نجم الدبلوماسية الرياضية والانستجرام

في ذات الوقت، سيقفز الملك برتبة نجله العسكرية من نقيب إلى عقيد (متخطّيا رتبتين قبلها)، وسيعيّنه قائدا للحرس الملكي، المسئول عن حراسته الشخصية.

لكن صورة ناصر العسكرية، ورغم الكثير مما يشاع بين الناس من أنّه يفترض أن يخلف المشير خليفة بن أحمد في رئاسة الجيش، وقفت عند هذا الحد. ضاعت أو ضيّعت عمدا، بعد الحملة الشعواء التي لا تزال مستمرة ضدّه في عدة دول أوروبية، بعد تواتر الاتّهامات ضدّه بتعذيب المعتقلين السياسيين، بيديه!

اختفى ناصر من المشهد الأمني والعسكري، ولم يعد يصرّح عنه. رجع على عجل إلى الرياضة، والشباب، والأعمال الخيرية، والنجومية. سيكثّف ناصر حضوره في الدبلوماسية الرياضية، كما تسميها "أوبن ديموكراسي"، فمن سباقات الخيول في النورماندي وويندسور، إلى سباقات الترايثلون، الرجل الحديدي، وفريق البحرين العالمي للدراجات!

في انستجرام، سيمكن لناصر بن حمد أن يظهر الوجه الذي يريده، ويصنع النجم الذي يراه في نفسه. على غرار نجوم السينما، وأبطال الرياضة، ستظهر أمام مليون متابع، صورة الشاب الجميل متعدد المواهب، صاحب الجسم المثالي، الرياضي والعسكري ورجل الدولة، الأب والأخ والمحارب. عربي شاب، يجمع بين أمارات المشيخة، وملامح التحضّر، ويملأ محيّاه حب الحياة، والحماس والتفاؤل.

دخل ناصر بن حمد في مشروع كبير لإصلاح سمعته، وسمعة بلاده، لكنّه في الأخير تلقّى صفعة كبيرة حين أسقطت محكمة بريطانية حصانته الدبلوماسية. وفي يوليو/تموز 2016، هاجمت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية نجم الانستجرام الملكي بشكل حاد في تقرير تحت عنوان «رياضات الأمير ناصر: الخيل والدّراجات... والقمع»!

حرب اليمن: الوجه الذي يريده ناصر

يرى الناس أن ناصر مدعوما بأبيه يحاول بسذاجة المراهقين اصطناع دور داخل جهاز الحكم.

لم يكن ناصر شيئا. منذ عرفه الناس، كان مجرّد شاب طائش يفتقد الرزانة والكياسة، ساذج غير متعلم، وبلا أي ملامح قيادية. مراهق يريد أن يظهر دوما أنه الأبرز والأبرع، حتى سمّي بالصبي المعجزة، والشاب رقم 1، بينما تخصصه الوحيد الذي ربما كان بارعا فيه هو الشعر الشعبي.

مع ذلك، كانت الكثير من التقارير والأقاويل تتكلم عن أنّه قد يكون المرشّح الأبرز لخلافة والده، فيما لو قرّرت العائلة (أو قرر السعوديون) إزاحة أخيه سلمان بن حمد عن ولاية العهد. أما الإشاعات الأكثر إثارة للسخرية قالت إنه المرشّح الأوفر حظا لخلافة المشير كقائد عام للجيش.

وفي الواقع، رغم أن كلا الاحتمالين بعيدان، حتى الآن، إلا أن الوجه الجديد الذي يريد أن يظهر به ناصر بن حمد منذ 14 فبراير، هو وجه المحارب المتوحّش، والمنتصر دوما. كانت فرصته الذهبية حين أعلنت السعودية حربها على الحوثيين في اليمن، فيما عرف بـ«عاصفة الحزم»، مارس/آذار 2015.

الحرب التي شاركت فيها البحرين، ولا زالت تحصد الجرائم في حق الشعب اليمني إلى اليوم، صارت طريق ناصر للعودة إلى زيّه العسكري من جديد. في سبتمبر/أيلول 2015، التقط فيديو للشيخ ناصر وهو يدعو كل جندي بحريني لقتل 5 يمنيين ثأرا لمقتل عسكريين بحرينيين!

في ذات الوقت، أعلن الملك خلال زيارة لمقر الجيش أن نجليه ناصر وخالد كانا ضمن القوات المشاركة على الأرض في الحرب اليمنية.

وفي صورة، ليست من ألعاب ترايثلون الرجل الحديدي، ولا من ألعاب البلاي ستيشن، ظهر ناصر بزي المقاتلين مع أخيه، وقالت وكالة الأنباء الرسمية إنهما كانا في اليمن.

لا يبدو المشهد أكثر من صورة. زيارة من أجل التصوير كما يفعل كثيرون. لكن الملك تدخّل بنفسه ليجعل سياقها المشاركة في الحرب. وكالة الأنباء الرسمية قالت إن ناصر يتولى «قيادة» المجموعة البحرينية المقاتلة ضمن قوات التحالف العربي في اليمن.

بالطبع لن يقتل ناصر، وسيرجع للبلاد بعد أيام، ثم سينشر على انستجرامه هذه المرة صورا أخرى له من «ساحة الحرب». هو يريد أن يكون قائدا محاربا، أو في صورة قائد محارب على الأقل، أيا كان عدوّه، وحتى لو ظهر في مظهر الممثل الفاشل والمضحك.

من هنا، رجع ناصر إذن إلى الصورة الأكثر إبهارا له. وحتى مع بلوغ الحرب السعودية منعطفا حاسما وسط الإدانات الدولية لجرائمها، لا يزال هذا الحلم يجذبه.

كرسي على طاولة أمراء الحرب

اليوم، يريد ناصر بن حمد (29 عاما) أن يكون له كرسي بين الكبار على طاولة أمراء الحرب، متأسّيا ربّما بتريبه محمد بن سلمان (31 عاما)، الذي صار الآمر الناهي على هذه الطاولة.

حتى لو كان مضحكا ومثيرا للسخرية، فلن يكون غريبا على الدولة الخليجية الوحيدة التي لا تزال ترفض الولايات المتحدة بيعها معدات عسكرية، أن تجعل ناصر بن حمد، رئيس أول معرض للتسليح فيها.

وإذا كانت كل تلك المتشابهات، التي تجمع ناصر بمحمد بن سلمان، تجعله يظن أنّه يمكن أن يقلّد نموذجه، أو يحاكيه، سواء بحركات المراهقين التي يقوم بها في اليمن، أو بإلصاق اسمه في فعاليات عسكرية جادة، فلعلّه نسي أن محمد بن سلمان قادم للعرش، وهو في أحسن الأحوال باق على رأس المؤسسة الخيرية الملكية.

صحيح أن محمد بن سلمان، هو الآخر مراهق سياسي، لكنّه في الحرب لم يتحدّث، كان مثل شبح كاسر، ينفّذ جرائمه بصمت وخفية. يعمل محمد بن سلمان لأجل هدف واضح، هو أن يكون رجلا مخيفا، داخل السعودية وخارجها، وكوحش هائج، يعمل ناصر بن حمد على إطلاق التهديد والوعيد والتفاخر أمام المعتقلين بأنّه هو من يعذّبهم بنفسه في سراديب الموت.

إلى أين يمكن لشخص مثله أن يصل بصورته الهزلية، أبعد من خط النهاية في سباق الدراجات والخيول.

تتشابه الوحوش في تعطّشها للدم. لكن محمد بن سلمان لا يحتاج أن يذهب برجليه إلى الأراضي اليمنية، ليقول بأن هذه الحرب حربه. هو ليس عسكري نكرة يقف خلف أبيه حارسا وضيعا أينما ذهب، بينما يجلس الجميع.

صورة محمد بن سلمان الكاسرة التي تلقّاها الإعلام الغربي، تعرّف معنى الملك العضوض، وجبروت الملوك. بينما صورة ناصر تعرّف معنى الصبي التافه الذي لا يملك سوى غرور الملك.

ربما لم يقرأ ناصر بن حمد، أن آل سعود، سبق وأن اعتقلوا أجداده في الدرعية يوما من الأيام، حين تنازعوا على الحكم، وسبق أن احتلّ قائد جيشهم إبراهيم بن عفيصان البحرين.

والسعودية التي لم ترحم اليمن اليوم، كانت قد غزت كل دول الخليج وحاولت إخضاعها عند تأسيس الدولة السعودية الأولى.

ربّما توّهم ناصر لوهلة أنه يمكن أن يمارس لعبة «آيرون مان» في الأراضي اليمنية التي تحتلها السعودية، لكنّه نسي أن من يمسك بـ«عصا التحكّم»، هو محمد بن سلمان. يمكنه أن يكون جزءا من لعبة الأمير السعودي على الشاشة فقط، ليثير ضحكه.

بعيدا عن هذه الفروقات التي من المضحك سردها، يحسب لناصر أنّه يساعد جدا في فهم محمد بن سلمان، لأنه يمثّل النسخة المهرّجة منه. يكشف ناصر بهزليته جوهر محمد بن سلمان الذي يستتر خلفه. وإذا أردنا أن نعرف كيف يفكّر محمد بن سلمان في حرب اليمن، علينا ببساطة أن نرجع لتصريحات ناصر بن حمد عن 14 فبراير، وأفعاله في سراديب الأمن الوطني، لنعرف أن بلطجيا طائشا يدير حربا كبرى في الإقليم، لا يريدها أن تنتهي سوى بالإخضاع.

ماذا ينتظر الخليج إذا كان مصيره بيد رجل يتشارك الصفات مع ناصر بن حمد؟  

مرآة البحرين-