أكثر من 3 أسابيع منذ أن اختفى المواطن سيد علوي سيد حسين خلال وقت عمله (منذ 24 أكتوبر الماضي)، لا أحد يعرف عنه شيئاً، ولم تفلح كل محاولات عائلته للحصول على أي خبر مطمئن عنه، كل ما تمكنوا من الوصول إليه أنه في قبضة أجهزة الأمن ولا شيء آخر. لكن هذه الأجهزة تمتنع حتى الآن عن تقديم أية معلومة أو تصريح عن مكان تواجده، وعما إذا كان حيّاً أو ميتاً، ضاربين عرض الحائط بحقوق السجناء في الاتصال بذويهم وإعلامهم بمكان وجودهم فور اعتقالهم.
يعاني علوي من أمراض الضغط والسلّ في الركبة والمعدة، وهو ما يجعل قلق عائلته عليه مضاعفاً، خاصة مع خوفهم من تعرضه لتعذيب لا تحتمله صحته أصلاً، ومع تجارب مفجعة سابقة لمعتقلين سياسيين قضوا تحت التعذيب في السنوات الأخيرة. ومع استمرار تكتّم أجهزة الأمن على مصير علوي، يصبح هذا القلق هاجساً مهلكاً لدى عائلته "أريد سماع صوته، هذا حق مواطن، هجرني النوم، ماذا حدث له، ما الذي يجري عليه، ما هي القضية التي تجعلهم يخفونه بهذه الطريقة، من حق كل معتقل أن يتصل بأهله لحظة اعتقاله، أدخلونا في متاهة معهم، كل جهة تنفي وجوده لديها"، تقول أخته.
أما ماجدة الموسوي زوجة علوي، فلا تعلم أين تولي بأفكارها، وكيف تمنع نفسها من التفكير في الأسوأ الذي قد يكون: "لا أتخيل ولدي يعيش بدون أبيه، في كل لحظة أتخيل أنه سيدخل علينا البيت، في كل لحظة أترقب صوت الهاتف لعلي أسمع صوته، أشعر أني في حلم، أريد من يوقظني منه، أتمنى أن يكون حلما مزعجاً وليس حقيقة"، تبكي بحرقة.
لا أحد يعلم أية خلفية عن اختفاء علوي، فهو إنسان بسيط من منطقة الدراز، وليس لديه نشاط سياسي، وطوال فترة محاصرة الدراز التي ما زالت مستمرة لأكثر من 5 أشهر منذ يونيو الماضي، فإن علوي لم يتم توقيفه أثناء دخوله أو مغادرته للمنطقة، وكان يتنقل بشكل اعتيادي، ولو كان مطلوبا لتم اعتقاله، كما أنه لم تصله أية اإضارية للمثول أمام النيابة، الأمر الذي يجعل اختفاءه المفاجئ أمراً محيراً ومريباً.
تروي زوجته عن يوم اختفائه: "في ذلك اليوم اتصل بي حوالي الساعة الثانية من بعد الظهر، أخبرني بأنه سيتأخر ولن يستطع إحضار ابنه من المدرسة لأن لديه عمل في الحد، طبيعة عمله في بتلكو ميدانية حيث يقوم بتصليح "الكابلات""، تكمل زوجته: " قمت بالاتصال به حوالي الساعة الثالثة وطلبت منه أن يخبرني عندما يقترب من منطقتنا لأجهز له الغذاء، لكنه قال إنه سيتأخر أكثر لأنه ينتظر بقية العُمّال ليكمل العمل. جلست مع ابني لينهي واجباته المدرسية، لا يحدث أن يتأخر علوي عن الساعة الخامسة أو السادسة مساء، عندما شعرت بتأخره اتصلت به لكن هاتفه كان مغلقا، حاولت مرارا وتكرارا، بقي هاتفه مغلقا، تيقنت أن زوجي قد اختفى بعد فشلت محاولاتي في الاتصال به، قمت فوراً بالتواصل مع عائلتي، وفي حوالي الساعة العاشرة مساء توجهنا إلى مركز شرطة البديع للتبليغ عن فقدانه".
تكمل: "بعد حوالي ساعتين اتصل بي مركز شرطة البديع وطلبوا مني سحب البلاغ لأن زوجي موجود في التحقيقات، وبالفعل قمنا بسحب البلاغ، توجهت في اليوم الثاني إلى الأمانة العامة للتظلمات، كان سبب تظلمي هو لماذا هجموا على زوجي واعتقلوه من موقع عمله، ولماذا لم تصلنا إحضارية للمثول للتحقيق، ولماذا لم يسمح له بالاتصال بنا لطمأنتنا، ولم تصلني أي إجابة من اللجنة حتى يومنا هذا، وفي كل مرة استفسر منهم تأتي الإجابة: في سير التحقيق"
10 أيام قضتها العائلة دون أن تتلقى ردّاً من أية جهة، "ذهبتُ بعد ذلك إلى المركز مرة أخرى وأخبرتهم أن زوجي لم يتصل وأنا قلقة جدا عليه، أردت أن أقدم بلاغا مرة أخرى لكنهم لم يقبلوا، أخبروني بأنهم قالوا لنا بأن علوي في التحقيقات".
بعد 3 أيام أخرى ذهبت العائلة إلى التحقيقات، وحملوا له بعض الملابس باعتباره موجوداً هناك، تقول زوجته: "سألنا عنه هناك فصاروا يتهربون من الإجابة، ثم سألناهم عن ملابسه فطلبوا منا الانتظار، بعد حوالي ساعتين أخذوا منا بعض الملابس، وهنا تيقنا أنه موجود، طلبت منهم أن نراه ونطمئن عليه أو نسمع صوته فقط، وبعد إلحاح طويل أخذوا أرقام هواتفنا وأخبرونا أنهم سيقومون بالاتصال بنا، لكن لم يحدث. بعد يومين اتصلوا وطلبوا منا الحضور لأخذ ملابس علوي، وأخبرونا أنه نقل إلى الحوض الجاف، كررنا عليهم السؤال: هل أنتم متأكدون أنه بسجن الحوض الجاف؟ كانت إجابتهم نعم وأنه سيتصل بنا اليوم أو غدا، هنا اطمأنت قلوبنا قليلا"
تكمل :"قمت بالاتصال بسجن الحوض الجاف قبل ذهابنا بيوم، أخبرتهم أن زوجي نقل عندهم، وأنه لم يتصل بي حتى الآن، إدارة السجن دققت في القائمة لديها ونفت وجوده. في اليوم التالي أخذت ملابسه من التحقيقات وتوجهت مباشرة إلى سجن الحوض الجاف، وكانت الصاعقة أن زوجي غير موجود هناك، أعطيناهم رقمه الشخصي وطلبنا منهم التأكد وأخبرناهم أن التحقيقات الجنائية أكدت وجوده هنا، لكن إدارة السجن نفت ذلك، ورفضوا بالتالي أخذ الملابس وطلبوا منا الذهاب إلى النيابة العامة".
بعد أسبوعين من اختفاء علوي تقدمت العائلة بخطاب إلى الصليب الأحمر ليساعدهم في الكشف عن مصيره لكن لم يحصلوا على أي رد. كما أوكلت العائلة المحامي محمد التاجر، وطلبت منه أن يستفسر عن السيد ومكان اعتقاله، لكنه لم يتمكن من الوصول لشيء أيضاً.
الآن بعد أكثر من 3 أسابيع، لم يتغير شيء، تتساءل زوجته "إذا لم يكن في التحقيقات، ولا في سجن الحوض الجاف، ولم يتصل بنا حتى الآن، فأين يمكن أن يكون؟ بشكل يومي نقوم بالاستفسار في التحقيقات، في سجن الحوض الجاف، جميع المستشفيات، مستشفى القلعة، السلمانية، قوة الدفاع، لا تصلنا إجابة، أصبحنا وكأننا في متاهة، لا نعرف أي الطرق تؤدي إلى سيد علوي، كل جهة تنفي وجوده".
لعلوي طفل وحيد أكمل التاسعة من عمره قبل يومين فقط في 11 نوفمبر الجاري، إنها المرة الأولى التي يحتفل فيها (رضا) بعيد ميلاده بدون والده. حاولت عماته وخالاته تعويضه، أغدقوا عليه بالهدايا، لكن لم يحضر الفرح لقلب رضا الصغير، وحده القلق على مصير والده المجهول: متى سينتهي أبي من التحقيق؟ متى سيتصل بنا؟ متى سأراه؟ سأركض سريعا إليه، سأحتضنه. صار يضع صورة والده أمامه، في جهاز الهاتف، يذهب لجدته ليريها صورة ابنها.
والدة علوي تسكن معه في ذات البيت، أمر اختفائه نزل عليها كالصاعقة، "إحساس الأم كان يحركها من الداخل، تعجبت من تأخره غير المعتاد في يوم اختفائه، فصارت تسأل عنه كل لحظة، أخبرناها أن علوي لن يرجع الليلة، شرعت في البكاء، أصابتها حالة هستيرية، وبدون أن نخبرها توقعت أنه اعتقل، كانت تردد "أخذوه، سيقتلونه، سيعذبونه، لماذا لم يتصلوا بنا، من المؤكد أنهم قتلوه" صارت تردد فقط كلمة واحدة "قتلوه، قتلوه.."، وبالرغم أنها لا تستطيع الحركة لكبر سنها صارت تلح على بناتها لأخذها إلى المركز أو التحقيقات للسؤال عن ابنها، تقول لعلهم يرون كبر سني وتأخذهم الرأفة بي ويخبروني أين ابني، ولخوفنا من المجهول الذي نخشى منه، فإننا لا نفعل"!.
مرآة البحرين-