دول » البحرين

الحصار فشل في «تجويع» قطر.. والدوحة تمسكت باستقلالية سياستها

في 2017/10/31

فير أوبزرفر-

اتخذ الأمن الغذائي بعدا جديدا في أزمة قطر، وكانت المواجهة قد تأزمت بين التحالف السعودي الإماراتي ضد قطر، ولا يبدو أن هناك نهاية ما في الأفق.

وتنكر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية محاولة تجويع قطر من أجل إخضاعها، لكن المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية كانت قد أجبرت القطريين على البحث عن موردين غذائيين بديلين، وطرق بديلة للشحن الجوي والبحري.

ومع ذلك فإن الاستراتيجية الواقعية من قبل أبوظبي والرياض تتمثل في رفع تكلفة الأغذية القطرية والواردات الأخرى إلى درجة تصبح عندها الدوحة غير قادرة على تحمل الواردات الأكثر تكلفة.

وفي هذه العملية، أعادت المقاطعة تحديد جوانب الأمن القومي والأمن الغذائي، ولا سيما بالنسبة للدول الصغيرة، الأكثر تعرضا للضغط الخارجي.

وفي العقد الأول من القرن الحالي، كان الأمن الغذائي لمجلس التعاون الخليجي يعني ضمان الوصول إلى الأسواق العالمية، في وقت نقص الموارد وارتفاع الأسعار، واستجاب مجلس التعاون الخليجي للأزمات الغذائية والارتفاع الهائل في الأسعار في الفترة 2007-2008 وفي الفترة 2010-2011 من خلال اتباع خطى الصين وكوريا الجنوبية وأوروبا، واكتساب مساحات ضخمة من الأراضي الزراعية في آسيا وأفريقيا.

ومن المفارقات أن ارتفاع أسعار النفط كان أحد العوامل التي أدت إلى زيادة تكلفة الأغذية، الأمر الذي دفع بعض المصدرين في أفريقيا وآسيا إلى تقييد الصادرات بعد مواجهة النقص المحلي. وكانت تلك القيود هي التي دفعت المجلس إلى المضي قدما في اقتناء الأراضي.

وفي ذلك الوقت، كان الأمن الغذائي للمجلس، الغني بالنقد والفقير من حيث التربة الخصبة، مسألة عرض وطلب، وكان يهدف ضمان استمرار سلسلة الإمدادات الغذائية مهما كان الثمن.

وقد تغير هذا التعريف الضيق لأول مرة مع الانتفاضات العربية عام 2011، التي أطاحت بالحكام المستبدين الذين طال أمدهم، وأثارت حروبا أهلية، وأسفرت عن ثورات مضادة، وبعض هذه الثورات، كما هو الحال في سوريا، كانت ناجمة جزئيا عن الجفاف الذي أثر على الاقتصاد الزراعي.

ومع الثورات، أخذ الأمن الغذائي جانبا أمنيا داخليا أكبر بكثير لدى قادة الخليج، الذين تتجذر شرعيتهم من خلال عقد اجتماعي يعد برفاهية الدولة مقابل التنازل عن جميع الحقوق السياسية.

أثر أزمة قطر

بيد أن أزمة قطر أخذت أبعاد الأمن الغذائي في الخليج، وكذلك الدول الصغيرة في أماكن أخرى، إلى مستوى جديد كليا، ولم يعد الأمن الغذائي يتوقف بالدرجة الأولى على الوصول التجاري إلى الأسواق العالمية في أوقات النقص وارتفاع الأسعار، ولم تعد السيطرة على الموارد الزراعية في الأراضي النائية توفر مستويات الأمن اللازمة.

وقد وسعت أزمة قطر هدف الأمن الغذائي، ولا سيما بالنسبة للدول الصغيرة، لتشمل تنوع الإمدادات، وتوفر طرق الشحن المضمونة، والاكتفاء الذاتي إلى حد ما، كوسيلة للدفاع ضد محاولات تجويع دولة صغيرة إلى حد الإخضاع.

وقد اكتسب الدفاع والأمن أهمية إضافية، بسبب حاجة قطر إلى منع الضغط على إمداداتها الغذائية من جانب الجيران، الذين أظهروا عزما على تقويض استقلالها.

ويأتي الأمن الغذائي في صميم قدرة قطر على مقاومة الضغوط السعودية الإماراتية، ومن المرجح أن تحد قدرتها المستمرة على القيام بذلك من التصورات حول هوامش القدرة على المناورة، التي ترتبط بين الدول الصغيرة مع شقيقاتها الأكبر.

وقال «جون دوري» لـ«الغارديان»، وهو رجل أيرلندي يساعد قطر في الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من منتجات الألبان: «إن الحرب أو التهديد بالحرب، في بعض الأحيان، يدفع البلدان للنظر إلى أمنها الغذائي».

الاستيراد من أماكن بعيدة

ولتعويض آثار الحظر السعودي الإماراتي للطرق البرية والبحرية والجوية مع قطر، تحولت الدوحة في البداية من أجل الجزء الأكبر من وارداتها من الألبان من السعودية إلى تركيا وإيران.

وازدادت التجارة بين قطر وإيران بنسبة 60% منذ فرض المقاطعة في أوائل يونيو/حزيران، ومع استيراد آلاف الأبقار من أوروبا والولايات المتحدة، من خلال «دوري» الأيرلندي، في غضون أشهر، استطاعت قطر توفير ما يصل إلى 40% من احتياجاتها من الحليب، ويتوقع «دوري» أن تستورد قطر 10 آلاف حيوان آخر خلال العام المقبل، ما سيجعل قطر مكتفية ذاتيا.

وفي الواقع، استطاعت قطر من خلال ثروتها الهائلة امتلاك القدرة على تمويل الصمود ورفض تلبية مطالب السعودية والإمارات، ولم تعتمد فقط على قوتها المالية، بل أيضا على العلاقات والتبعيات التي أنشأتها بتنويع قاعدة زبائنها للغاز الطبيعي المسال.

ومع ذلك، فإن كيفية سير معركة قطر على المدى الطويل والمدى القصير، والكيفية التي قد تتكشف بها المعركة في الخليج وكيفية حل الأزمة، سيكون لها عواقب بعيدة المدى على تعريفات الأمن الغذائي، والأولويات في تشكيل استراتيجيات الأمن الغذائي، وهيكلة العلاقات الدولية.

ومع اكتساب الدول الصغيرة للثقة، سوف ندرك أن الحجم لم يعد العامل الوحيد أو الرئيسي الذي يحدد قدرتها على رسم مسار مستقل.