دول » البحرين

هل تشكل قضية "القدس" خريطة تحالفات جديدة في المنطقة؟

في 2017/12/16

عماد حسن- DW- عربية-

تصاعدت مؤخراً أنباء عن ضغوط مورست على الأردن والسلطة الفلسطينية لعدم المشاركة في قمة اسنطبول بهدف إحراج تركيا ومحاولة الحد من نفوذها في المنطقة، لكن ملك الاردن والرئيس الفلسطيني البلدين شاركا في القمة رغم الضغوط.

شهد مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد في اسطنبول مؤخراً عدداً من المواقف فسرها البعض على أنها بداية لإعلان تحالف إقليمي جديد.

الكاتب الصحفي ديفيد هيرست أشار في مقال بموقع ميدل ايست آي إلى أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تعرضا لضغوط شديدة من جانب مصر والإمارات حتى لا يحضرا قمة اسطنبول بهدف إفشالها وفي الخلفية إفشال مساعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعب دور أكبر في المنطقة، لكن الرد على هذه الضغوط جاء في صورة جمعت عباس وأردوغان وعبد الله.

ويبدو أن أكثر ما يثير غضب الأردن والسلطة الفلسطينية اعتقادهما الجازم بوجود اتفاقات تمت في الخفاء بين مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة على موضوع اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، تجاوزاً لمشورة او مناقشة الأردن والسلطة الفلسطينية، ما اعتبره الجانبان تهميشاً غير مقبول تماماً، فالسلطة الفلسطينية هي المعنية بالأمر من الأساس، وترى أنها ما كان يجب أن تقف موقف المتلقي، وعلى جانب آخر ترى الأدرن أنه بحكم مسئوليتها التاريخية عن الأوقاف الإسلامية في القدس ودورها المحوري في القضية ما كان يجب أن يتم تجاوزها بهذا الشكل.

دلالات حضور ملك الأردن ورئيس السلطة الفلسطينية لمؤتمر اسطنبول

يقول جمال خاشقجي المحلل السياسي السعودي في مقابلة مع DW عربية إن العلاقات السياسية بين الدول في هذه المنطقة شديدة التعقيد وهي تتعدى مسألة القدس التي هي مسألة واحدة قد توفق بين تركيا والأردن وإيران، لكن بالتطرق إلى قضية سوريا مثلاً فإنها ستفرق ما بين هذه الدول، فالتحالفات الإقليمية ليست بهذه المرونة أبداً. أضاف أن "المؤلم في الموضوع كله أن مسألة القدس جاءت في أسوأ وقت يمر على الأمة وهي مفرقة بشكل مزعج للغاية"، فبالنظر إلى العلاقات السعودية التركية نرى أنها باردة، والعلاقات التركية الإيرانية فهي ليست جيدة أيضاً فالبلدان تتواجهان فعلياً في سوريا، والعلاقات المصرية التركية في أسوأ احوالها، كما أن مصر خارج أي حساب في التأثير والضغط في الوقت الحالي". 

ضغوط مصرية - سعودية على الأردن والسلطة الفلسطينية؟

وعن ما طرحه ديفيد هيرست يقول خاشقجي: حتى الآن لسنا متاكيدن من حدوث ضغوط سعودية أو مصرية على الأردن والسلطة الفلسطينية لكن عدم مشاركة الملك عبد الله ومحمود عباس في قمة سطنبول كانت ستعد انتحاراً سياسياً لكليهما، فقضية فلسطين هي أم القضايا لدى الشعبين . وحتى اليوم ورغم هدوء المظاهرات في عدة دول إلا أنها لم تهدأ لا في الأردن ولا في فلسطين فكيف يمكن لملك الأردن ورئيس السلطة الفلسطينية أن يغيبا عن مثل هذه القمة؟ بالتالي فلا يعقل أن يطلب منهما طلب كهذا كما لا يعقل أن يوافقا على طلب كهذا بل إني أميل إلى أن السعودية من الحصافة ألا تطلب طلباً كهذا رغم برودة العلاقات مع تركيا لأن أي مبتدئ في السياسة يعلم أن الملك عبد الله وأبو مازن لا يستطيعا إلا التموضع بشكل بارز حيال قضية القدس وأن الأمر سيكون مدمراًَ لكليهما إن هما مارسا بروداً حيال القضية.

تحركات الملك عبد الله وعباس : هل تغير خريطة التحالفات في المنطقة ؟ 

ليس خافياً على أحد حجم التوتر بين محور (مصر- السعودية-الإمارات) وبين محور (تركيا - إيران - قطر)، فالمحور القديم يرى في تركيا الصاعدة بقوة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً خطراً عظيماً عليها خصوصا مع دعم أنقرة للتيارات الإسلامية في المنطقة إضافة الى القلق الخليجي الكبير من القوة الإيرانية.

فهل تعد تحركات الرجلين بالفعل تغييراً للمحاور في المنطقة وأنهما فارقا المحور القديم ويتجهان إلى محور جديد بعد ما تم تنسيق أمر إعلان القدس عاصمة لإسرائيل من خلفهما بالتفاهم مع مصر والسعودية والإمارات؟ أم أن للأمر أبعاد أخرى؟  

يقول جمال خاشقجي الصحفي والمحلل السياسي إنه من الخطأ رسم خريطة للعلاقات العربية الإسلامية في المنطقة بناء على حالة واحدة وهي القدس، مؤكداً أن المنطقة في حالة من السيولة الشديدة بحيث يصعب الحديث عن وجود تحالفات، فمصر نفسها لا أحد يضمن كيف سيكون حالها بعد سنة لأنها في حالة عدم استقرار ونظامها ضعيف ومهترئ يمكن أن يتغير ويفاجئ الجميع بتحول هائل يحدث بداخله وبالتالي يصعب أن يعول عليها، أيضا الخلافات بين تركيا وإيران تمنع حدوث تحالف حقيقي بينهما وبالتالي من الخطأ رسم خريطة لتحالفات واضحة أو مستقرة في منطقة غير جاهزة وغير مستقرة.

السعودية ترى أمريكا وسيطاً نزيهاً.. إلى متى؟

النبرة الحادة التي ألقى بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خطابه في اسطنبول وإعلانه التوجه للأمم المتحدة واتخاذ إجراءات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل واللهجة الصادرة عن مؤتمر اسطنبول بشكل عام يبدو أنها أثارت توتراً كبيراً لدى حلفاء واشنطن التقليديين، ما دفع وزير الخارجية السعودية عادل الجبير للقول إن الولايات المتحدة "ستبقى وسيطاً نزيهاً لعملية السلام".

يرى مراقبون أن السعودية لا يعنيها أي شيء في الوقت الحالي إلا التصدي لما ترى أنه خطر إيراني متصاعد يحاصرها من كافة الاتجاهات وبالتالي فهي تعول كثيراً على الولايات المتحدة في مساعدتها للتصدي لهذا الخطر، فيما خرجت عدة تقارير تؤكد وجود اتصالات قوية بين الرياض وتل أبيب اتفق فيها الجانبان ضمن ما اتفقا عليه على ضرورة التصدي لما أسماه الطرفان بالخطر الإيراني المتصاعد في المنطقة.

 يقول خاشقجي إنه على أهمية العلاقات السعودية الامريكية لكن لا أحد في السعودية اليوم يوافق أبداً على ما فعله ترامب، ولا يمكن تصور تخلي السعودية عن القدس بحال من الأحوال "ومجرد تصور إمكانية حدوث ذلك هو كابوس وليس لنا في الحقيقة إلا التصريحات الرسمية التي تصدر عن المملكة" وهي كانت واضحة في هذا الشأن، مضيفاً أن ما قاله الجبير هو توصيف خاطئ "فلا شك أن العالم كله اليوم مقتنع أن الإدراة الأمريكية الحالية ضربت مصداقية بلادها كوسيط نزيه".

ويقول جمال خاشقجي المحلل السياسي السعودي إنّ من الواضح أن الادارة السعودية لاتزال تعلق آمالا على إدارة ترامب وهذا خطأ كبير لأن إدارة ترامب أضعف كثيراً من أن توفر للسعودية ما تتمناه، وأن ترامب ضعيف جداً في واشنطن هذه الأيام ومشغول بقضاياه الداخلية ومشغول بإرضاء ناخبين ينفضون من حوله، متوقعاً أن "تستيقظ السعودية على الحقيقة المرة بأن مراهنتها على ترامب كانت خاطئة وتحتاج الى بعض الوقت لتنتبه إلى ذلك لكنها ستنتبه لذلك فعلياً في غضون عدة أسابيع أو أشهر قليلة للغاية".