قاسم حسين- البيت الخليجي-
أطلقت “جمعية االوفاق الوطني الإسلامية”، كبرى جمعيات المعارضة في البحرين، مطلع يونيو الماضي، ما أسمته “مبادرة لحلّ الأزمة في البلاد”، تحت اسم “إعلان البحرين”، تضمن مرئياتها لمشروع حل سياسي ينهي حالة الاحتقان السائدة منذ فبراير 2011؛ ولم يكن مفاجِئاً للمراقبين أن المبادرة لم تلق أي ردٍّ من جانب الحكم.
الوفاق وصفت مبادرتها بأنه “إعلان مبادىء مشتركة”، وتشكّل “أرضية مشتركة تستند على المواثيق والمعاهدات والقيم الانسانية العامة، وليس على منطق التنافس أو المغالبة”. وأعلنت عن استعدادها للحل على قاعدة التوافق الوطني ورعاية مصالح كل البحرينيين، للخروج برؤية مشتركة تنقذ البحرين من تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية. وركّزت على قيم التسامح واحترام التعددية، والمساواة أمام القانون والتوزيع العادل للثروة، وتكافؤ الفرص ورفض التمييز والإقصاء وحماية الحريات، بما فيها تكوين التنظيمات السياسية، والنقابات والمنظمات الأهلية والاتحادات المدنية الحرة، بما يبني بلداً متقدماً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ويعتمد على الكفاءة والمهنية والتنافسية التي تقوم عليها الأوطان المستقرة والحديثة. وهي مبادىء عامة لا يختلف على صحتها أحد، إلا أنها لم تعنِ شيئاً للحكم في هذه المرحلة التي يقترب فيها موعد الانتخابات البرلمانية للدورة الجديدة.
الوضع السياسي في البحرين اليوم يتصف بالجمود، على خلفية وضعٍ إقليمي مشغول بتصفية التنظيمات الإرهابية الخطيرة في العراق وسوريا، مثل “داعش” و”النصرة”، ووضعٍ دولي يتراجع فيه الحضور الأميركي لصالح منافسه الروسي في المنطقة. أما في الداخل فتعاني المعارضة من الحصار، بعد أن تم إغلاق ثلاث جمعيات (الوفاق، وعد، أمل)، وسجن أربعة من الأمناء العامين لجمعيات المعارضة. ولم يبق من التحالف السداسي غير جمعيتي “المنبر التقدمي” و”التجمع القومي”، بينما أعلنت السادسة (الإخاء الوطني) حلّ نفسها طوعياً.
مع إسكات المعارضة بإغلاق جمعياتها رسمياً، وقبل ذلك إيقاف نشراتها الحزبية، وتقييد حركة الشخصيات والجمعيات الحقوقية، تكون السلطات قد قطعت شوطاً طويلاً أمام تجفيف العمل السياسي المشروع. وتبع ذلك تشديد الرقابة على شبكات التواصل الإجتماعي مثل “تويتر”، لكبح أية أفكار أو أصوات معارضة في الفضاء العام. وتُوّج ذلك بإيقاف صحيفة “الوسط” المستقلة التي كانت تُفرد مساحةً لرأي الشخصيات الوطنية والجمعيات المعارضة في 4 يونيو 2017، ليُغلق آخر متنَفَسٍ مستقل للتعبير عن قطاع واسع من الرأي العام. وكان ذلك إيذاناً بالرغبة في عدم سماع أي صوت معارض أو مستقل، مهما كان هادئاً أو معقولاً أو وسطياً، في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة نتيجة تراجع أسعار النفط.
ومع أن هذا الوضع لا يمهّد الأجواء أمام مشاركة هذه الجمعيات المعارضة في أية انتخابات قادمة، إلا أن السلطات لم تكتفِ بذلك، وإنّما وضعت مزيداً من العراقيل أمام مشاركتها، كان آخرها منع أعضائها من المشاركة في الانتخابات، وتعزّز ذلك بتصويت النواب على منع انضمامهم حتى للأندية والمراكز الشبابية. كان ذلك إعلاناً بإغلاق الباب نهائياً أمامها.
انسحاب الوفاق من البرلمان بعد أحداث فبراير 2011، بعد أربعة أشهر فقط من فوزها بـ18 مقعداً في انتخابات 2010، دفع إلى إجراء انتخابات تكميلية، ومع اتساع حركة المقاطعة لهذه الإنتخابات في مناطق “المعارضة”، ترشّح أفرادٌ لا يحملون توجهاً سياسياً، وليس لديهم أي برنامج انتخابي أصلاً. وفي المقابل، تعرّضت جمعيتا “الأصالة” (السلفية) و”المنبر الإسلامي” (إخوان مسلمين) للتنحية تدريجياً من البرلمان نتيجة التقائهما مع الوفاق في تبني ملفات مشتركة-برفع الغطاء عنهما، وتعريضهما لحملات إعلامية موجهة خلال العام 2010، ما تسبب في تقليل عدد نوابهما معاً من 15 إلى 3 نواب فقط. كان ذلك مؤشراً على الرغبة في تغيير صفوف الموالاة، بإبعاد ممثلي الإسلام السياسي السني لصالح من يُسمّون بـ”المستقلين”. وهكذا التقى العاملان على إنهاء دور الكتل لصالح برلمان مكوّن من أفراد “مستقلين” يعتبرون أنفسهم في حلٍّ من المحاسبة أو تحمل المسؤولية أمام الجمهور.
ما أنتجته تجربة “المستقلين”، في الانتخابات التكميلية 2011، تكرّر بشكل أوسع في انتخابات 2014، حيث أصبح “المستقلون” الخيار الأفضل والأسهل للسلطة التنفيذية. فقد فشل البرلمان في إقرار أي مشروع لصالح المواطن، أو إيقاف أي مشروع حكومي مثل رفع الدعم عن الكهرباء والماء أو السلع الأساسية أو رفع سعر النفط. والنتيجة الطبيعية أن الحصيلة كانت دون الصفر، إن لم تكن سلبيةً تماماً على عموم المواطنين. كان برلماناً مفكّكاً، لا يجتمع على كلمةٍ أو رأي، وأحياناً كانت الخلافات الشخصية تتفجّر بين أعضائه إلى حدّ المطالبة بإسقاط الحصانة عن بعضهم البعض تمهيداً لتقديمهم للقضاء، ما استدعى تدخلات من خارج البرلمان لإيقاف التفكك ورأب الصدع.
تفريغ الساحة من الجمعيات المعارضة فتح الباب أمام أيٍّ كان للترشح للبرلمان، وبالتالي انعدمت الثقة بمن يتقدّمون لملء الفراغ الناشئ، وشاعت قناعةٌ عامةٌ لدى الجمهور بأنهم يسعون لمصالح شخصية بحتة. وهي قناعةٌ باتت شائعة حتى في شارع الموالاة، الذي شارك في انتخابات 2014 تحت شعار “بصوتك تقدر”، ورداً على دعوة المعارضة للمقاطعة الشاملة وتصفير صناديق الاقتراع. أما انتخابات 2018، فسوف تعقد في ظل التصفير المتوقع في مناطق المعارضة، مع انعدام الحماسة هذه المرة لدى شارع الموالاة بفعل تراكم الإحباطات. فالقناعة العامة اليوم الأكثر انتشاراً، هي أن الانتخابات لم تعد مجديةً على الإطلاق، والمجلس المنتخب أصبح عبئاً ثقيلاً على المواطنين بدل أن يكون سنداً لهم ومدافعاً عن مصالحهم؛ بل أسهم في إثارة موجات من الغضب والاستياء نتيجة مناقشته لقضايا لا تهم المواطن (مثل مناقشة الماء المتسرّب من مكيفات الهواء في الشارع)، والتورّط في تشريعات تزيد الأعباء الاقتصادية على كاهله.
الأمر الوحيد الجديد في انتخابات البحرين 2018، إلى جانب وضع رأسَيِ المعارضةِ والموالاةِ إلى الجدار، هو الإعلان مبكراً من جانب عددٍ من المواطنين الجدد، عرباً وأجانب، من حاملي الجواز البحريني، (حسب تعبير وزارة الداخلية في حدث سابق) عن رغبتهم في الدخول إلى لعبة الانتخابات.