دول » البحرين

لماذا تدعم واشنطن النظام الملكي المستبد في البحرين؟

في 2019/03/30

توماس ليبمان - لوب لوج- ترجمة شادي خليفة -

كل عام، في أواخر الشتاء أو أوائل الربيع، يقدم قائد جميع القوات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط ووسط وجنوب آسيا تقريرا مكثفا للكونغرس حول العمليات والاستراتيجية والتخطيط والتدريب في منطقة مسؤوليته الواسعة.

ويكشف هذا التقرير في كل عام مدى اعتماد القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم" على الشراكات مع الأنظمة القمعية والديكتاتورية، التي تتجاوز قيمتها الاستراتيجية المتصورة المخاوف الحقيقية بشأن حقوق الإنسان والحرية السياسية والدينية.

وتعد المملكة العربية السعودية أفضل مثال على هذا الواقع غير المريح بين الدول الـ 20 التي تعاونت معها القيادة المركزية، أو تسعى إلى بعض أشكال التعاون العسكري معها، لكنها ليست الوحيدة. وتعد مصر، التي تقمع بحسم جميع أشكال المعارضة.

ثم هناك البحرين، تلك الدولة الجزيرة الصغيرة في الخليج العربي، حيث تسيطر ملكية سنية على دولة معظم سكانها من الشيعة.

شراكة وثيقة

وتعد شراكة البحرين الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وثيقة للغاية، بحيث تم تصنيف البحرين رسميا "حليفا رئيسيا من غير حلف شمال الأطلسي"، وهو توصيف يمنحها إمكانية الوصول إلى الأسلحة الأمريكية والتدريب.

ويضع هذا التصنيف البحرين في نفس فئة حلفاء مثل أستراليا واليابان و(إسرائيل). ولك أن تتخيل أنه بقدر ما كانت العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة بالقوة التي عليها لعقود من الزمن، فلم تستطع المملكة الوصول إلى مثل هذا التصنيف.

ومع مساحة لا تتجاوز 293 ميل مربع، لا تظهر البحرين سوى كنطقة على الخريطة، فيما يقل عدد سكانها عن 1.5 مليون نسمة، نصفهم تقريبا من العمال الأجانب، وهي تعتمد بشدة على السعودية للحصول على الدعم الاقتصادي من أجل الاستقرار المحلي. وتتم ركز القوات السعودية في البحرين منذ أن ساعدت في قمع الانتفاضة الشعبية خلال اضطرابات الربيع العربي عام 2011.

ومع ذلك، وكما أشار الجنرال "جوزيف فوتيل" في "بيان الموقف" لعام 2019، تعد "البحرين شريكا أمنيا قويا" للولايات المتحدة، كونها تضم مقر الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، وهي القاعدة البحرية الأمريكية الوحيدة العاملة في المنطقة. ووفقا لـ"فوتيل"، فإن البحرين تدعم أيضا الجهود الأمريكية للحد من الطموحات الإيرانية في منطقة الخليج، وهي "شريك قوي في مواجهة جهود إيران للتحايل على العقوبات المالية".

وقد أشار تقرير صدر في فبراير/شباط عن دائرة أبحاث "الكونغرس" إلى ما يلي:

"لطالما شكل القمع الذي تمارسه حكومة البحرين معضلة سياسية بالنسبة للولايات المتحدة، لأن البحرين حليف قديم وله دور محوري في الحفاظ على أمن الخليج العربي.

وقد استضافت البلاد مقر قيادة البحرية الأمريكية لمنطقة الخليج منذ عام 1948.

وأبرمت الولايات المتحدة والبحرين اتفاقية تعاون دفاعي رسمية منذ عام 1991.

وقد تم تصنيف البحرين من قبل الولايات المتحدة باعتبارها حليفا رئيسيا من غير حلف شمال الأطلسي في عام 1992. وهناك أكثر من 7 آلاف من القوات الأمريكية، معظمهم من قوات البحرية، في البحرين".

وللحصول على الدعم البحريني لحملته ضد إيران - وفقا للتقرير - رفع الرئيس "ترامب" بعض القيود على مبيعات الأسلحة التي كانت إدارة "أوباما" قد فرضتها بسبب سجل حقوق الإنسان السيء في الإمارة.

كما أشار التقرير إلى أن الحكومة الأمريكية ككل تدرك جيدا قمع البحرين للمعارضين، والتمييز المنهجي ضد الغالبية الشيعية.

ويحتوي أحدث إصدارات التقرير السنوي لوزارة الخارجية حول حقوق الإنسان حول العالم، وتقرير مكتب الحرية الدينية الدولية التابع للوزارة، على انتقادات شديدة للبحرين.

وذكر تقرير حقوق الإنسان "مزاعم التعذيب، والاعتقال التعسفي، وسجن السياسيين، والانتهاك التعسفي وغير القانوني للخصوصية، والقيود المفروضة على حرية الصحافة، ونزع جنسية المعارضين".

غض الطرف

لكن "فوتيل"، مثل سابقيه، يقول إن الولايات المتحدة بحاجة إلى البحرين وغيرها من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، وليست في وضع يسمح بالتخلي عنها، بسبب الظروف المحلية هناك.

وقال: "في نهجنا الاستراتيجي، من المهم أن نعترف بدرجة من التواضع أن هناك بعض الأشياء التي تتجاوز قدرتنا على التغيير.

ونحن ندرك الأهمية الاستراتيجية للمنطقة الوسطى لمصالحنا الوطنية، وهناك 4 أسباب رئيسية تبرر لم يجب أن نحافظ على مشاركتنا هناك".

وقال إن "الأسباب الـ 4 الرئيسية" هي:

أولا، يجب ألا نسمح بهجوم آخر على وطننا. وتعد المنطقة الوسطى مركز العالم للإرهاب والمنظمات المتطرفة العنيفة. وكانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول تستند إلى وجود ملاذ آمن للقاعدة في أفغانستان، وكانت بمثابة دعوة للاستيقاظ بأن الإرهاب يمكن تصديره من أي مكان في العالم.

ثانيا، لا يمكننا السماح للمنظمات العنيفة أو الدول المارقة بحيازة أسلحة الدمار الشامل. ويحول وجودنا النشط في هذه المنطقة دون توحيد أجهزة تلك المنظمات لتحقيق هذا الغرض، ويساعد على منع انتشار مواد أسلحة الدمار الشامل.

ثالثا، يعد عدم الاستقرار معديا، ولا يحترم الحدود الوطنية، وينمو وينتشر إذا تم تركه دون رقابة. ويعد الشرق الأوسط المستقر هو الأساس لعالم مستقر. وفي منطقة متقلبة بالفعل، يوفر التزامنا الثابت تجاه حلفائنا وشركائنا قوة لتحقيق الاستقرار. وكما تنص استراتيجية الرئيس للأمن القومي، يجب علينا أيضا "العمل مع الشركاء لتحييد أنشطة إيران الخبيثة في المنطقة".

رابعا، لقد عادت منافسات القوى الكبرى للظهور، وهو التحدي الرئيسي الذي تم تسليط الضوء عليه في استراتيجية الدفاع الوطني. وتسعى الصين وروسيا للسيطرة والتأثير ليس فقط على المناطق الجغرافية الخاصة بها، ولكن في المنطقة الوسطى أيضا. وكما تطلع المتنافسون من القوى العظمى إلى التأثير في مجالات الطاقة والتجارة في الشرق الأوسط في أعقاب الحرب العالمية الأولى، تعمل الصين وروسيا بجد اليوم لإعادة تشكيل ميزان القوى في المنطقة، في محاولة لإزاحة الولايات المتحدة عن موقع نفوذها. وتوجه استراتيجية الرئيس للأمن القومي نحو السعي إلى شرق أوسط "لا تسيطر عليه أي قوة معادية للولايات المتحدة".

وقد تكون مسألة ما إذا كانت الصين وروسيا "عدائية للولايات المتحدة" أمرا مثيرا للجدل، وذلك بالنظر إلى نوعية الخطابات الودودة بين الرئيس "ترامب" والرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" والصيني "شي جين بينغ". لكن "فوتيل" ضابط عسكري، وهو لا يضع السياسة في الاعتبار؛ بل ينفذ السياسة التي وضعها البيت الأبيض ووزارة الدفاع.

وإذا كان تنفيذ هذه السياسة يعني الحفاظ على علاقات مريحة مع الأنظمة البغيضة، فلا يمانع "فوتيل" أن يتبع ببساطة ما حدث طوال تاريخ الولايات المتحدة. وأقام الرئيس "فرانكلين روزفلت" تحالفا مع "ستالين" لمحاربة "الشر الأكبر" الممثل في ألمانيا النازية.

وخلال الحرب الباردة، تعاونت واشنطن عن قرب مع حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لمواجهة الغزو الشيوعي في أنغولا والكونغو.

ولا يزال هذا النهج مستمرا، والذي كتب عنه "مايلز كوبلاند" قبل 50 عاما في كتابه الكلاسيكي المثير للسخرية "لعبة الأمم": "عندما تقرر حكومتنا ما يجب القيام به حيال البلدان الأخرى، فإن ذلك يقتصر فقط على اعتبارات فعالية ذلك (للمصلحة الأمريكية). فإذا كان الأمر يجدي، يمكننا فعله، دون النظر للاعتبارات والعواقب الأخلاقية".

وربما يظهر أن "كوبلاند" يبالغ. وكانت هناك عدة مناسبات انقلب فيها الولايات المتحدة على حكومة أجنبية بسبب سياساتها الداخلية.

ولكن كما يوضح تقرير "فوتيل"، فهناك بعض الأجزاء في العالم حيث تعد "الاستقامة" رفاهية تعتقد الولايات المتحدة أنها لا تستطيع تحملها.