حين نتكلّم عن “الإخوان المسلمين” في البحرين، فإننا نتكلم عن إحدى الجماعات الفكرية القديمة، التي يعود تاريخها إلى الأربعينات والخمسينات، مع عودة بعض المبتعثين للدراسة في مصر، واحتكاكهم بالجماعة في موطنها الأم، ولكن بسبب سيطرة التيار القومي الناصري على الشارع البحريني في الخمسينات، ظلت الجماعة معزولةً، و انحصر نشاطها في العمل الدعوي والفكري، حتى بداية الثمانينات، حيث تحوّل المسمى عبر هذه العقود من “نادي الإصلاح الخليفي”، إلى “نادي الإصلاح”، فـ “جمعية الإصلاح”، والتي انبثقت عنها “جمعية المنبر الإسلامي”، الجناح السياسي للإخوان المسلمين. وقد حقّقت سبعة مقاعد في الانتخابات الأولى (2002)، وكان لها مناطق نفوذ أخرى في أجهزة الدولة، بحكم عيشها في ظل النظام وتمتعها برعايته.
مناطق الحظوة والنفوذ
تضيف الوادي: “ليست تلك جماعة سحرية، تتعاطي التخاطب عبر المجهول، هي جماعة واقعية عملية جداً، سماها البعض تنظيماً محكماً، وانتقد البعض أداءها كثيراً، وحارب البعض أساليبها التي اعتبرها كثيرون ملتوية، فيما اعتبر البعض الآخر ما تقوم به بديلاً واقعياً مرضياً عن عدم وجود جماعة إسلامية سنية في البحرين”.
في الانتخابات الثالثة (2010)، بدأ تقليص الحضور البرلماني للجماعة تدريجياً، رغم مواقفها اللصيقة بالنظام، فانخفض عدد مقاعدها من 7 إلى 2 فقط. وفي الأحداث التي عصفت بالبحرين في فبراير 2011، اتخذت موقفاً أكثر التصاقاً وتماهياً مع سياسات النظام، فكان أن أوكِلت مهام وزارتين كبيرتين (العمل والصحة) إلى الوزيرة نفسها، وحمل ذلك دلالة واضحة على درجة توظيف الجماعة سياسياً، واستخدامها في تلك المرحلة لأداء المهمات الصعبة.
رافق تغيّر الجانب الرسمي على الجماعتين السلفية والاخوانية، تغيّرٌ كبيرٌ في المزاج العام لشارع الموالاة، حيث كان الجمهور يراجع حصيلة التجربة ومردودها المحدود على واقعه الاقتصادي المباشر. ولعبت الصحافة شبه الرسمية دوراً في إحداث هذا التغيير أيضاً، حيث خاضت معارك ضد الجماعتين، لمواقفهما داخل البرلمان خصوصاً من ناحية الحريات الفردية والثقافة، إلى درجة أن عمدت بعض الصحف إلى مقاطعة نشر أخبار نواب الأخوان، أو عدم نشر صورهم مع الخبر إمعاناً في التحقير والإذلال، لياً لأذرعهم في بعض الفترات بسبب بعض المناكفات. كان ذلك شكلاً آخر من أوجه سياسة الاستخدام للجماعات الوظيفية.
إلى جانب خلافات الداخل التي شعرت فيها الجماعة بنوع من القوة وحملتها على مناكفة الدولة، ودفعت ثمنها في تقليص وجودها، دفعت الجماعة أيضاً ثمن انتمائها أو مواقفها إبان صعود نجم الإخوان في المنطقة بعد موجة ثورات الربيع العربي. ورغم كونها جماعة موالاة محافظة في الداخل، إلا أن الارتباط العضوي بالتنظيم العالمي للإخوان وقياداته (شاركت في بعض مؤتمراته الدولية في اسطنبول والقاهرة). وانعكس ذلك عليها تشكيكاً وريبةً في نواياها وتطلعاتها المضمرة، خصوصاً على مستوى دول الخليج الذي اتخذت موقفاً متحفظاً إن لم يكن مناهضاً للمشروع الغربي لتمكين الأخوان من الحكم، كونهم “القوة الصاعدة” الجديدة. ولم يجدِ الجماعة نفعاً ما كانت تصدره من بيانات نفي لأي ارتباط لها بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
في هذا السياق، لم يكن غريباً استمرار الحملات الإعلامية من بعض كتاب الموالاة وانتقاداتهم للجماعة في السنوات الأخيرة، لكن الجديد هو الارتفاع المفاجيء في درجة حرارة الاحتكاك، حيث جرى التراشق بين كاتبين متنافرين يكتبان في صفحة واحدة بجريدة واحدة، أدّت إلى استدعاء أحدهما (المحسوب على جماعة الإخوان) وإيقافه ثلاثة أيام، إلى جانب نائب سابق عُرف بمواقفه المتشددة ولغته الحادة المتطرفة في مهاجمة كلّ من يختلف معهم، سواءً كان من المعارضة أو الموالاة أو بعض المسؤولين.
لكن السؤال الذي يطرح بجدية: هل كان ذلك بداية لانفراط علاقة قديمة مختلفة عمّا ألِفناه بفعل الضغوط المعيشية والأزمة الاقتصادية وسخونة الوضع الإقليمي… أم أنها مجرد فركة أذن عابرة وسرعان ما تعود المياه إلى سواقيها؟