متابعات-
بعين من القلق والحذر يترقب الفلسطينيون نتائج وقرارات القمة المثيرة للجدل التي ستُعقد في العاصمة البحرينية المنامة نهاية شهر يونيو المقبل، والتي أطلق عليها اسم ورشة العمل الاقتصادية "السلام من أجل الازدهار" لتجميل وجهها الحقيقي الذي يقضي بتصفية القضية الفلسطينية.
الفلسطينيون يدركون جيداً أن ما بعد ورشة المنامة لن يكون كما قبلها، فإصرار دول عربية على المشاركة رغم النداءات بمقاطعة القمة التي تستهدف القضية الفلسطينية بشكل مباشر وتعد أول خطوة في طريق تنفيذ "صفقة القرن"، شُيد معه جسور طويلة تجاوزت الفلسطينيين وقضيتهم ووصلت بسهولة للحليف الجديد القادم للمنطقة "إسرائيل".
ورغم المخاوف الكبيرة من أي قرارات تنتج عن الورشة الاقتصادية، وتستهدف تغيير جوهر القضايا الشائكة والتي تعتبر لب الصراع الفلسطيني مع دولة الاحتلال، تبقى أسئلة تسيطر على المشهد وتبحث عن إجابة بين الضبابية المنتشرة في المنطقة العربية منذ الإعلان عن القمة، ولعل أبرزها كيف ستمرر القرارات على الفلسطينيين الرافضين للقمة؟ ومن ستوكل إليه مهمة تعبيد طريق التنفيذ؟ وماذا بعد قمة المنامة؟
وستكون والورشة أول فعالية ضمن خطة السلام التي تعتزم واشنطن إعلانها بعد شهر رمضان الجاري، ويتردد أنها تقوم على إجبار الفلسطينيين، بمساعدة دول عربية، على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة "إسرائيل"، خاصة بشأن وضع القدس وحق عودة اللاجئين.
قرارات لن تجد طريق التنفيذ
مسؤولون فلسطينيون استبقوا ما هو متوقع من نتائج قمة المنامة، وأكدوا أن تلك القرارات لن تكون مُلزمة لأي فلسطيني في الداخل أو الخارج، وستواجه برفض قاطع كأي قرار أمريكي أو إسرائيلي يستهدف قضيتهم لأن "فلسطين ليست للبيع".
صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أوضح أن أي قرارات تنتج عن أي قمة عربية أو غيرها من القمم لا يكون الفلسطينيون مشاركين فيها بشكل رسمي وبإرادتهم الخاصة، لن تكون ملزمة لأحد.
وقال: "قمة المنامة لن تكون كأي قمة عربية أو دولية سابقة، لكونها ستركز على إيجاد حلول عملية ومالية فقط وقد تكون صادمة للقضية الفلسطينية، فالخطر الكبير يقترب من الفلسطينيين من كل جانب بمباركة أمريكية وإسرائيلية".
وأوضح أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، لـ"الخليج أونلاين"، أن القيادة موقفها واضح وصريح بعدم المشاركة في القمة مهما كان حجم الضغوطات التي تتعرض لها، لافتاً إلى أن أي قمة تتحرك نحو القضية الفلسطينية ولا تضع حلولاً واضحة وعملية يوافق عليها الفلسطينيون وأبناء هذه القضية ستكون بلا جدوى.
وشدد على أن القضية الفلسطينية ولب الصراع مع "إسرائيل" هو سياسي بالدرجة الأولى، ويتركز على طرق استرجاع الحقوق المسلوبة والأرض المنهوبة، وليس صراعاً اقتصادياً كما يروج له.
واعتبر أن الحديث عن تقديم المال والإغراءات بالمشاريع الاقتصادية الضخمة ومساندة القضية الفلسطينية لن يُغري الفلسطينيين للتراجع عن قرارهم، وأن القدس والأقصى واللاجئين والأسرى والحدود وغيرها من الحقوق ليس لها ثمن مالي للتنازل عنها.
وسبق أن أعلنت القيادة والفصائل الفلسطينية، ورجال أعمال فلسطينيون، رفضهم لورشة البحرين؛ إذ يرون أنها إحدى أدوات واشنطن لتمرير خطتها للسلام، المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن".
وترفض القيادة الفلسطينية التعاطي مع أي تحركات أمريكية في ملف السلام، منذ أن أعلن الرئيس دونالد ترامب، أواخر 2017، الاعتراف بالقدس بشطريها الشرقي والغربي عاصمة مزعومة لـ"إسرائيل"، القوة القائمة باحتلال المدينة منذ 1967.
وتتهم القيادة الفلسطينية ترامب بالانحياز التام إلى "إسرائيل"، وتدعو إلى إيجاد آلية دولية لرعاية عملية السلام المجمدة منذ 2014.
كيف سيواجه الفلسطينيون القمة؟
من جانبه أكد القيادي في حركة "حماس"، عاطف عدوان، أن السلطة الفلسطينية يجب أن تؤدي دوراً أكثر جدية ووضوحاً في التعامل مع الأخطار التي ستنتج عن الورشة الاقتصادية التي ستعقد في البحرين الشهر المقبل.
وفي تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أكد أن موقف سلطة عباس الحالي يجعل الشبهات تحوم حولها في أن تكون هي جزءاً من "صفقة القرن" الأمريكية، التي تحظى بدعم ومساندة كبيرة من الدول العربية.
وقال عدوان: "قطاع غزة محاصر وإمكانياته محدودة في الرد على قمة المنامة، نظراً للحصار والإغلاق الذي يتعرض له من كل جانب، لكن في المقابل فإن السلطة تتمتع بحرية كافية في التواصل مع الدول العربية المساندة والمجتمع الدولي لفضح مخاطر هذا المؤتمر على القضية والمشروع الوطني الفلسطيني".
وذكر أن الجاليات الفلسطينية في الخارج مطالبة بالانتفاض، وأن تقوم بكل ما يتوفر لها من أجل إجهاض أي مشاريع تستهدف القضية وعلى رأسها مؤتمر المنامة، مشدداً على أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة خطيرة بسبب المشاريع الأمريكية والإسرائيلية التي تتساوق معها الدول العربية.
وفي السياق ذاته أعلن المجلس التشريعي في قطاع غزة، أن جلسة خاصة للمجلس ستنعقد الأربعاء (29 مايو) بهدف التصدي لمؤتمر البحرين ومواجهة "صفقة القرن" الأمريكية.
وأوضح المجلس في بيان وصل "الخليج أونلاين" نسخة عنه، أن هذه الجلسة تأتي استشعاراً للأخطار والتحديات الكبرى المترتبة على ورشة البحرين التي تشكل إحدى أدوات ومراحل "صفقة القرن"، مشدداً على ضرورة الارتقاء لمستوى اللحظة التاريخية وتحدياتها الكبرى بهدف حماية القضية الفلسطينية من التصفية والتذويب إبان المرحلة القادمة.
وطالبت "الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني" بإلغاء ورشة البحرين الاقتصادية، معتبرة أنها للترويج لـ"صفقة القرن" وتعد باكورة خطط الانقضاض على القضية المركزية للأمة، وباباً واسعاً للتطبيع والتحالف مع "إسرائيل" على حساب الفلسطينيين.
وتعتبر "صفقة القرن" مجموعة سياسات تعمل الإدارة الأمريكية الحالية على تطبيقها حالياً، رغم عدم الإعلان عنها حتى اللحظة، وهي تتطابق مع الرؤية اليمينية الإسرائيلية في حسم الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وكشف تقرير أعدته سابقاً صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن أن خطة ترمب لن تشمل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة بل تنص على حكم ذاتي ورفاهية اقتصادية.