الخليج أونلاين-
اتخذت دول حصار قطر، وهنا يدور الحديث حول السعودية والإمارات والبحرين، من شماعة "مكافحة الإرهاب وتمويله"، مدخلاً لمقاطعة الدوحة وفرض حصار خانق عليها براً وبحراً جواً في الخامس من يونيو 2017.
ونفت الدوحة صحة تلك الاتهامات جملة وتفصيلاً، وأكدت آنذاك أنها تواجه "حملة من الأكاذيب والادعاءات تستهدف التنازل عن سيادتها وقرارها الوطني المستقل".
وأرادت تلك الدول من تلك الشماعة دغدغة الرأي العام الغربي؛ أملاً في الحصول على دعم دولي مساند لخطوتها، التي بُنيت أساساً على قرصنة وكالة الأنباء القطرية وبث تصريحات مفبركة على لسان أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تم نفيها على وجه السرعة.
ومع مرور الأيام تأكدت الأسرة الدولية من كذب رباعي الحصار، مقابل صدق الدوحة في جميع تحركاتها وتوجهاتها، وهو ما ترجمته بسلسلة اتفاقيات لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لتصبح قطر أول دولة خليجية توقع على برنامج تنفيذي مع أمريكا لمكافحة تمويل الإرهاب.
قانون جديد
أمير قطر أصدر قانوناً (11 سبتمبر 2019) في إطار جهود الدولة الخليجية لاتخاذ الإجراءات المطلوبة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
سمو أمير البلاد المفدى يصدر القانون رقم (20) لسنة 2019 بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. #قنا pic.twitter.com/X3M5YUeBWp
— وكالة الأنباء القطرية (@QatarNewsAgency) September 11, 2019
في ذات السياق أعلن مصرف قطر المركزي أن القانون الجديد يعكس "التزام دولة قطر الراسخ والمستمر بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بكافة أشكاله، وفقاً لأحدث المعايير الدولية المعتمدة من قبل المنظمات الدولية الرئيسية، بما فيها مجموعة العمل المالي (فاتف)".
وبحسب ما أوردته وكالة الأنباء القطرية (قنا) يبرز القانون دور قطر الريادي والمؤثر في المنطقة من حيث وضع المعايير القياسية في إطارها القانوني والتنظيمي الخاص بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
مصرف قطر المركزي يعلن أن صدور القانون رقم (20) لسنة 2019 بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، يأتي ليحل محل قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالقانون رقم (4) لسنة 2010.#قنا
— وكالة الأنباء القطرية (@QatarNewsAgency) September 11, 2019
ويحدد القانون الجديد -وفق مصرف قطر المركزي- المتطلبات القانونية الملزمة لقطاع الأعمال والقطاعات المالية ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومن ذلك المنظمات غير الهادفة للربح وخدمات تحويل الأموال.
كما حدد القانون الجديد عقوبات مشددة على كل من يخالف أحكامه؛ وتشمل فرض جزاءات مالية على المؤسسات المالية، أو الأعمال والمهن غير المالية المحددة، أو المنظمات غير الهادفة للربح المُخالفة، كما تشمل الحبس لكل شخص يدان بجريمة تمويل الإرهاب.
إضافة إلى كل هذا يعزز القانون الجديد التدابير ذات الصلة بالتعاون الدولي، حيث سيتم توفير أوسع نطاق ممكن من التعاون وتبادل المعلومات المالية مع الجهات النظيرة الأجنبية.
اتفاقية تاريخية
وبعد أقل من شهر ونصف على اندلاع الأزمة الخليجية وحصار قطر، وقعت الدولة الخليجية والولايات المتحدة الأمريكية "مذكرة تفاهم للتعاون في مجال مكافحة تمويل الإرهاب"، تشمل التعاون بين الجانبين في المجالات الأساسية لمكافحة الإرهاب كالأمن والاستخبارات والمالية.
وعلى هامش الإعلان عن الاتفاقية، التي أبرمت في 11 يوليو 2017، قال وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: إنه "لطالما اتهمت دولة قطر من قبل دول الحصار بمسألة تمويل الإرهاب، واليوم دولة قطر أول من يوقع على برنامج تنفيذي مع الولايات المتحدة لمكافحة تمويل الإرهاب"، داعياً باقي دول الحصار "للانضمام لنا في المستقبل".
وتحدد الاتفاقية "الجهود المستقبلية التي يمكن لقطر أن تقوم بها لتعزيز حربها على الإرهاب ومعالجة مسائل تمويل الإرهاب بطريقة عملية"، بحسب بيان صادر عن فريق وزير الدبلوماسية الأمريكية ريكس تيلرسون (قبل تعيين مايك بومبيو).
و"مذكرة التفاهم للتعاون في مجال مكافحة تمويل الإرهاب"؛ هي الأولى من نوعها بين دولة في مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، وتدعم الاتفاقية الثنائية "التعاون المستمر بين الدوحة وواشنطن وتبادل الخبرات والمعلومات".
ويرسي الاتفاق الموقع "معالم سلسلة من الخطوات التي سيتخذها البلدان طيلة الأشهر والسنوات المقبلة لوقف تدفق تمويل الإرهاب وتكثيف عمليات مكافحة الإرهاب عبر العالم".
والتعاون بين الجانبين في مجال مكافحة الإرهاب ليس وليد لحظة توقيع الاتفاقية؛ إنما يشمل عدة مجالات، ومن مظاهره: قاعدة العديد في قطر التي يجري انطلاقاً منها تنظيم وتنسيق العمليات الجوية في العراق وسوريا لمكافحة الإرهاب، وتتمركز فيها أكثر من مئة طائرة.
وفي عام 2016 استخدمت القاعدة نقطة انطلاق لضربات القصف الجوي التي نفذتها طائرات "بي 52" ضد أهداف تابعة لتنظيم الدولة في العراق وسوريا.
بدوره قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أكثر من مناسبة، إن قطر تعد شريكاً رئيسياً في مكافحة الإرهاب، مشيراً إلى أن الدوحة تستضيف المقر الميداني للقيادة العسكرية المركزية للمنطقة الوسطى.
وفي أبريل 2019، أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فورونكوف، أن قطر من أكبر الممولين لمكتب مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة.
وبعد شهرين من العام ذاته وقع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب (أنوكت)، والمركز الدولي للأمن الرياضي ومقره العاصمة القطرية الدوحة، اتفاقية؛ بهدف تعزيز التعاون حول منع الإرهاب ومكافحته، خاصة فيما يتعلق بحماية الأهداف الأكثر تعرضاً للإرهاب في سياق تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى.
سجل حافل
القانون القطري الجديد يعتبر امتداداً للمبادرات التشريعية والتنظيمية الصارمة التي أصدرتها الدوحة منذ 2002؛ إذ صدر في 2014 قانون خاص لتنظيم العمل الخيري الذي تمارسه الجمعيات والمؤسسات الخيرية في الدولة.
كما أُصدر قانون خاص لمكافحة الجرائم الإلكترونية في ذات العام، بهدف منع استغلال منصات التواصل الاجتماعي في الترويج للإرهاب أو تنظيمه أو تمويله.
وفي 2017 وُضع إطار قانوني خاص بالتصنيفات المحلية لتحديد الأشخاص والكيانات المتورطة في تمويل الإرهاب.
جدير بالذكر أن قطر تُعد عضواً مؤسساً في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، الذي يُعتبر منصة عالمية متعددة الأطراف لتعزيز التعاون المشترك وتنفيذ ودعم استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.
وتنضوي الدولة الخليجية أيضاً في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "مينافاتف"، وتولت رئاسة المجموعة في 2016. كما أسهمت بثلاثة ملايين دولار أمريكي لدعم الصندوق الاستئماني متعدد المانحين التابع لصندوق النقد الدولي، والذي يهدف إلى بناء القدرات وتوفير المساعدة الفنية للدول الأخرى في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتدعم الدوحة أيضاً الصندوق العالمي للانخراط المجتمعي والمرونة، وهو أول مجهود عالمي لإشراك المجتمعات المحلية ومساعدتها على الصمود في وجه التطرف والعنف.