كريستين سميث ديوان - معهد دول الخليج العربي في واشنطن-
تمتلك البحرين سابقة لا يمكن لأي دولة خليجية أخرى ادعاءها. فموجب الدستور الذي أسسه البريطانيون، وحتى بعد تعديله عام 2002، من المقرر أن تذهب السلطة للابن البكر للحاكم الحالي؛ حيث من المقرر أن يخلف "سلمان بن حمد آل خليفة"، الابن الأكبر للملك الحالي، والده، الملك "حمد بن عيسى آل خليفة"، كحاكم، ما لم يعين الملك آخر من أبنائه للحكم.
تمتلك البحرين أيضا سابقا أخرى وهي أن رئيس حكومتها وعم الملك الحالي، "خليفة بن سلمان آل خليفة"، هو رئيس الوزراء الأطول خدمة في العالم. ويخلق هذا انفصالا واضحا بين السلطة القانونية والسلطة الفعلية، حيث يتنافس ولي العهد ورئيس الوزراء على السيطرة على سياسة الحكومة. وتشير الأخبار الحديثة الصادرة من المملكة إلى أن هذه المنافسة الخاصة قد تصل إلى نهايتها قريبا. ومع ذلك، برز منافسون ملكيون آخرون لولي العهد من داخل الأجهزة الأمنية والأسرة، ما يعد بإبقاء الأمور في دائرة الاهتمام.
التنافس بين رئيس الوزراء وولي العهد
وأصبح "سلمان بن حمد" وريثا واضحا عندما تولى والده العرش عام 1999. وتم تقييد قدرته على التأثير في السياسة في البداية من قبل عمه، رئيس الوزراء، الذي أدار الحكومة وحافظ على روابط واسعة في المجتمع، خاصة داخل مجتمع الأعمال. وتعارضت سياسات "خليفة بن سلمان" بشكل حاد مع الاتجاهات التكنوقراطية المولع بها ولي العهد الشاب، الذي كان حريصا على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والسياسية تحت قيادة والده. وصب هذا التنافس في صالح ولي العهد عام 2008، عندما أيد والده ترقية مجلس التنمية الاقتصادية، وهو هيئة شبه حكومية أنشأها ولي العهد وعهد إليها بالتخطيط الاقتصادي الاستراتيجي، وجعل لها سلطة على الوزارات الحكومية بقيادة رئيس الوزراء.
لكن هذه الميزة لم تدم طويلا، وانقلبت بسبب اضطراب أكبر بكثير، وهو احتجاجات عام 2011، التي خرج فيها مئات الآلاف من البحرينيين إلى الشوارع. وأدى ارتباط ولي العهد بالإصلاحات السياسية، وعجزه عن تقديم حل وسط، إلى إضعاف موقفه السياسي. وفي المقابل، نجا رئيس الوزراء من مطالب استقالته، وأثبت قيمة صلاته طويلة الأمد بالمملكة العربية السعودية، التي أرسلت عناصر من حرسها الوطني، كجزء من قوة درع الجزيرة، للدفاع عن النظام الملكي.
ومع مرور الوقت، عاد ولي العهد إلى الساحة السياسية، حيث تم تعيينه نائبا لرئيس الوزراء رسميا عام 2013، واستئنف نفوذه على المحفظة الاقتصادية. وتم تعزيز موقعه من خلال علاقته الوثيقة مع قيادة الإمارات العربية المتحدة، التي زادت من وجودها في البحرين من خلال مساعدات التنمية ومشاريع البنية التحتية. ويتضح النفوذ الإماراتي أيضا في التوجهات السياسية البحرينية الجديدة، التي تعزز الوحدة الوطنية وتقلل من تأثير الحركات الدينية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين.
ولربما شعر رئيس الوزراء بمحاولات تحجيم سلطته وإرثه من خلال تهميش أحفاده، ما دفعه لسلوك تدابير مثيرة للجدل تحدت السياسات الطائفية الراسخة في الملكة. وفي مايو/أيار، قام "خليفة بن سلمان" بزيارة لرجل الدين الشيعي المؤثر، "عبد الله الغريفي"، الذي كان يحاول لعب دور الوساطة بين المجتمع الشيعي والحكومة منذ تفكك المجموعة السياسية الإسلامية الشيعية الرائدة، "حزب الوفاق"، ونفي رجل الدين الشيعي الأبرز "عيسى قاسم". وأحرقت وزارة الداخلية البحرينية غصن الزيتون على الفور، وأصدرت بيانا ينتقد "الغريفي". وجاءت المناورة الثانية، التي أثارت العناوين الرئيسية، في نفس الشهر، عندما اتصل "خليفة بن سلمان" بأمير قطر لتهنئته بقدوم شهر رمضان، في تناقض ملحوظ مع الخلاف المستمر منذ مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر. وقد قوبل ذلك ببيان من وزير شؤون مجلس الوزراء جاء فيه أن تصرف رئيس الوزراء لم يمثل في الواقع الموقف الرسمي لمملكة البحرين.
وتدل مناورات "خليفة بن سلمان" على مساعيه للعب دور أكبر في سياسة البحرين المتغيرة. لكنها تعكس أيضا كسوف السياسات الأكثر شخصية التي يمارسها رئيس الوزراء، حيث يتم تجاوز مقارباته التقليدية بواسطة ممثلين جدد يستخدمون أساليب جديدة؛ وفي مقدمتهم الأمراء الشبان المسلحون بوسائل الاتصال، وغيرهم من المنافسين الأيديولوجيوين داخل الدولة الأمنية.
الأشقاء الأصغر سنا يبحثون عن الأضواء
وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول، رقى الملك "حمد" أحد أبنائه، حيث عين "ناصر بن حمد آل خليفة" مستشارا للأمن القومي. وتعد هذه خطوة هامة بالنسبة لشاب كان في تصاعد مستمر ويظهر اسمه كثيرا في الأخبار؛ بسبب وجوده النشط على وسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى دوره النشط في جبهات الحرب في اليمن.
ويعد "ناصر بن حمد"، البالغ من العمر 32 عاما، وهو ابن الزوجة الثانية للملك، أكثر شعبية من أخيه الأكبر، وقد ازدهر اسمه في بعض المساحات. وظهر "ناصر" في خضم أزمة 2011 كحلقة وصل بين السلطة والأجيال الجديدة، حيث ترأس المبادرات التي تركز على الشباب متوليا رئاسة للمجلس الأعلى للشباب والرياضة. وتراكمت شعبيته من خلال وجوده على وسائل التواصل الاجتماعي، وما تبع ذلك من نشره الاحتفال بزفافه على ابنة حاكم دبي، "شيخة بنت محمد بن راشد"، ومشاركته في رياضات التحمل، ونشاطه في الجبهات الأمامية في حرب اليمن من خلال دوره كقائد للحرس الملكي في البحرين.
واتبع شقيقه الأصغر، "خالد بن حمد آل خليفة"، مسارا مشابها، حيث شغل منصب قائد القوات الخاصة في الحرس الملكي، ونائب رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، وحل محل شقيقه في رئاسة اللجنة الأولمبية البحرينية. وأثار بعض الجدل بدوره في الإطاحة بحفيد رئيس الوزراء من منصبه كرئيس لاتحاد كرة السلة في وقت سابق من شهر أكتوبر/ تشرين الأول.
ويجب أن تؤدي ترقية "ناصر بن حمد" مستشارا للأمن القومي إلى رفع مكانته في الأمور الاستراتيجية. وهذه هي الساحة التي ظهر فيها مؤخرا باعتباره المبعوث المفضل لوالده في مهام حساسة مثل التواصل مع المجتمعات اليهودية المؤثرة، دعما لجدول أعمال التسامح الديني "المزعوم" في البحرين. ويتناقض صعوده الملكي بالتأكيد مع طموحات ولي العهد، "سلمان بن حمد"، سواء في صلاته الأكبر بالأوساط العسكرية وليس التكنوقراطية، وكذلك موقفه من المجتمعات الشيعية. وفي حين كان ولي العهد في كثير من الأحيان الوسيط الدبلوماسي الملكي الرئيسي، بنى "ناصر بن حمد" سمعته باعتباره متشددا فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، ما يجعله أكثر انسجاما مع الجناح الثالث المؤثر في العائلة المالكة البحرينية، أو من يسمون بـ "الخوالد".
الأبعاد الجديدة للمنافسة الملكية
وبينما يبدو أن أبناء "حمد" لهم اليد العليا في التنافس الطويل مع رئيس الوزراء، فقد تخلى كلا المعسكرين عن منطقة حكومية كبيرة ذات نفوذ لفصيل ثالث داخل العائلة الحاكمة. وأصبح "الخوالد"، وهو المنحدرون من نسل "خالد بن علي"، شقيق الملك الراحل "عيسى بن علي آل خليفة"، وسطاء سلطة مهمين داخل جهاز الأمن والديوان الملكي. وتحت قيادة القائد الأعلى لقوات الدفاع البحرينية "خليفة بن أحمد"، وشقيقه "خالد بن أحمد"، الذي يشغل منصب وزير الديوان الملكي، وينظر إلى "الخوالد" باستمرار على أنهم من المناهضين لتمكين الشيعة داخل المملكة. وازداد نفوذ "الخوالد" في أعقاب انتفاضة 2011 وقمعها، مع تزايد المخاوف الأمنية التي تركز على إيران.
وبينما تتنافس الفروع الملكية المختلفة من أجل النفوذ، من المرجح أن يستمر تقسيم الأدوار هذا في الجيل التالي. وبينما يظهر أن نفوذ رئيس الوزراء في طريقه إلى التراجع، ستجلب المواقع المتميزة المقسمة بين أبناء الملك والخوالد بعدا جديدا لتقاسم السلطة داخل أسرة "آل خليفة" الحاكمة والمنافسة الداخلية في مستقبل البحرين.