القدس العربي-
صدرت «الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني» بياناً يوضح ملابسات إيقاف ندوة كانت قد نظمتها لمناقشة التطبيع مع دولة الاحتلال وأخطاره على منطقة الخليج، وأنها تلقت اتصالاً من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بوجوب «وقف البث المباشر حالاً بناءً على أوامر عليا». وشدد البيان على أن «هذه القرارات تعمق التخوفات التي يشعر بها السواد الأعظم من شعبنا العربي الرافض للتطبيع»، كما تخالف تصريحات رسمية تؤكد أن «مملكة البحرين متمسكة بالموقف المبدئي من القضية الفلسطينية».
والحال أن حكومة البحرين لم تعد تجد في الذهاب بالتطبيع مع دولة الاحتلال أي حرج أو حياء، والوقائع تزايدت وتعددت حتى باتت أكثر من أن تعد وتحصى، ولعل عنوانها العريض الأحدث عهداً كان استضافة المنامة «ورشة البحرين للسلام من أجل الازدهار» في حزيران/ يونيو 2019، الذي نظمه جاريد كوشنر مساعد الرئيس الأمريكي والمهندس المشرف على «صفقة القرن». وهذا الملتقى حضره عدد كبير من المسؤولين ورجال الأعمال الإسرائيليين، وشهد تصريح وزير خارجية البحرين خالد بن حمد آل خليفة بأن دولة الاحتلال «وجدت لتبقى، ولها الحق في أن تعيش داخل حدود آمنة»، وأن بلاده ودولاً عربية أخرى تعتزم تطبيع العلاقات معها. ولم تمض أربعة أشهر على ذلك المنتدى حتى شهدت البحرين انطلاق مؤتمر حول الدفاع عن حرية الملاحة في الخليج، شاركت فيه وزارة الخارجية الإسرائيلية بوفد رسمي، استكمل مشاركة سابقة لوزير الاقتصاد الإسرائيلي في مؤتمر احتضنته المنامة حول الشركات الرائدة في ميادين التكنولوجيا.
وليست وليدة هذه الأيام وقائع التطبيع البحريني الحكومي مع دولة الاحتلال، والذاكرة المعاصرة يمكن أن تعود به إلى سنة 1994 حين ترأس يوسي ساريد وزير البيئة الإسرائيلي وفداً رفيعاً زار المنامة للمشاركة في مؤتمر حول قضايا البيئة. وفي أوائل العام 2000 شهد منتدى دافوس عقد لقاء علني بين ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة والرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريس، كانت أولى ثماره إعلان المنامة إغلاق مكتب مقاطعة إسرائيل في البحرين. أما العام 2008 فقد صنع منعطفاً فارقاً بلقاء الملك البحريني شخصياً مع بيريز وتسيبي ليفني، التي كانت وزيرة الخارجية يومذاك، على هامش مؤتمر «الحوار بين الأديان» في نيويورك. وفي السياق كان الحاخام أبراهام كوبر رئيس «مركز إيلي فيزنتال» الأمريكي قد أعلن أنه التقى مع الملك، وسمع منه تأكيدات صريحة حول حق مواطني البحرين بزيارة دولة الاحتلال.
لكن إمعان السلطات البحرينية في التطبيع على هذا النحو، مقابل شروى نقير من المكاسب والمزايا كما يقول السجل المفتوح والمفضوح، أمر يختلف عن مصادرة حق مشروع للمواطنين في التعبير عن مناهضتهم لهذه السياسة وفي مناقشة أخطارها ضمن القوانين والأنظمة المرعية وعلى نحو يكفله الدستور. ذلك لأن إيقاف بثّ ندوة «الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني»، وبناء على تعليمات من جهات عليا لا بد أنها أمنية صرفة وتتجاوز صلاحيات وزارة العمل، يعني أن السلطات الحاكمة لا تلهث نحو التطبيع فقط ولكنها أيضاً تريد جرّ المواطنين معها وإجبارهم على ما يكرهون وطنياً وأخلاقياً.
التطبيع لم يأت بأي نفع على كبار المطبعين «الأشقاء»، أمثال السعودية والإمارات، وبالتالي فالأرجح أن حصيلة سلطات المنامة لن تتجاوز فتات الفتات.