الخليج أونلاين-
مع إعلان تطبيع الإمارات مع "إسرائيل" مؤخراً، تذهب المؤشرات إلى أن سير السعودية على خُطا الإمارات في درب التطبيع قادم، لكن ما يمنع استعجاله مكانة المملكة وحجمها، خاصة على المستوى الإسلامي.
لكن التوقعات تذهب إلى أن دولاً خليجية أخرى ستسبق السعودية في التطبيع، أبرزها مملكة البحرين.
وعلى مدى عقود طويلة كانت السعودية تدعم البحرين من نواحٍ عديدة؛ خاصة السياسية، ولها دور كبير في الحفاظ على بقاء حكومة المنامة الحالية على سدة الحكم، وهو ما جعل الأخيرة تناصر الرياض في جميع خطواتها.
وعليه فإن تطبيع البحرين سيكون خطوة أخرى تمهد للتطبيع السعودي بعد الخطوة الإماراتية، وهو ما تطرق إلى ذكره الحاخام اليهودي مارك شنير، المستشار الخاص لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة.
نظرية الدومينو
قال الحاخام مارك شنير، إنه يتوقع أن تقوم دولة خليجية أخرى بتطبيع العلاقات مع "إسرائيل" قبل نهاية العام الجاري، ملمحاً إلى إمكانية أن تكون البحرين.
وفي حديث مع صحيفة أمريكية رأى الحاخام مستشار ملك البحرين أن اتفاقية التطبيع مع الإمارات سيكون لها تأثير الدومينو في المنطقة؛ حيث ستنضم دول أخرى من الخليج إلى الاتفاق.
وأكد الحاخام شنير أنه لا يستطيع التفكير بأي دولة أو بأي زعيم خليجي آخر أكثر استعداداً للتطبيع مع "إسرائيل" أكثر من ملك البحرين.
وفي وقت سابق أعرب وزير المخابرات الإسرائيلي، إيلي كوهين، عن اعتقاده بأن "البحرين وسلطنة عُمان على جدول الأعمال بالتأكيد".
أما الهدف الأكبر في مسار التطبيع فهو السعودية، وفقاً لتصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين، في مقابلة مع قناة "إن بي سي" (NBC) الأمريكية.
يضاف إلى هذا كله ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من أنه يتوقع انضمام السعودية إلى الاتفاق الذي أعلنته الإمارات و"إسرائيل".
تمهيد عبر "تويتر"
وتذهب التوقعات إلى أن السعودية لن تطبع حالياً بسبب "مكانتها كدولة إسلامية مركزية"، وتأكيد وزير خارجيتها التمسك بمبادرة السلام العربية، لكن ما يثار عبر مواقع التواصل الاجتماعي يعتبر تمهيداً من نوع آخر للتطبيع السعودي.
ومنذ إعلان التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، يواصل ما يطلق عليه "الذباب الإلكتروني" في السعودية تهيئة المجتمع السعودي لخطوة مماثلة، ويتوضح هذا جلياً من خلال الوسم "#فلسطين_ليست_قضيتي"، الذي سرعان ما شهد تفاعلاً في المملكة.
وعبارة "فلسطين ليست قضيتي" غرد بها الكاتب السعودي تركي الحمد، وهو المعروف بقربه من الديوان الملكي، على "تويتر"، الأربعاء (19 أغسطس 2020)، سرعان ما تحولت لوسم ارتفع إلى الأكثر تداولاً في المملكة.
ببساطة..فلسطين ليست قضيتي..
— تركي الحمد T. Hamad (@TurkiHAlhamad1) August 18, 2020
تبعية سعودية
تعود الهيمنة السعودية على البحرين -أصغر دولة عربية- إلى العام 1963؛ حينما اكتُشف حقل "أبو سعفة" النفطي على الحدود البحرية المشتركة بين البلدين، وقرّرت الرياض آنذاك السيطرة على الحقل ومنح جزء من أرباحه السنوية للبحرين، رغم أن القسم الأكبر من الحقل يقع في الجزء البحريني من المنطقة الحدودية.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، أصرّت السعودية على رسم حدودها مع البحرين وفق مصالحها، لتضع يدها على جزيرتي "البينة" البحرينيتين، لتمنع بعد ذلك مواطني البحرين من الوصول إليهما.
وازداد اعتماد المنامة بشكل كبير على البضائع والخدمات والسياح السعوديين بعد إنشاء جسر الملك فهد عام 1986، الذي يربط البحرين مع السعودية.
وتعزّزت هيمنة الرياض على أركان الدولة الجزرية بعد مساهمتها القوية في قمع احتجاجات اندلعت في التسعينيات ضدّ نظام حكم عيسى آل خليفة.
وفي العام 2011، عندما اندلعت انتفاضة شعبية ضد نظام الحكم في البحرين، سارعت الرياض لإنقاذ المنامة بإرسال قوات "درع الجزيرة" لمحاربة المتظاهرين ومنع سقوط حكم "آل خليفة".
واعتبرت تقارير غربية أن دخول قوات "درع الجزيرة" للبحرين، آنذاك، يعدّ إحكاماً مطلقاً لقبضة السعودية على المنامة.
وقال الصحفي البريطاني روبرت فيسك، في مقال له بصحيفة "الإندبندنت" البريطانية، عام 2011: إن "البحرين لم تعد مملكة آل خليفة، لقد أصبحت تابعة للسعودية".
وأضاف فيسك: "السعوديون الآن يديرون الأمور في البحرين، لم يتلقّوا أبداً دعوة لإرسال جنودهم لدعم جنود قوّات الأمن البحرينيّة من وليّ العهد البحرينيّ، لقد احتلّوا المشهد ببساطة، ومن ثمّ تسلّموا الدعوة".
ثم وقفت البحرين إلى جانب السعودية والإمارات ومصر في حصار قطر، كما تصفه الدوحة، والمستمر منذ صيف 2017.
وتحدث مراقبون، إضافة إلى مصادر سياسية خليجية، أن موقف المنامة، التي انضمّت للسعودية والإمارات ومصر في إعلان مقاطعتها للدوحة، كان طوال الوقت بضغط مباشر من حكام الرياض وليس موقفاً مستقلاً.
دعم مالي
البحرين التي مرت بضائقة مالية كبيرة اضطرت إلى توقيع اتفاقية، في 4 أكتوبر 2018، تحصل بموجبها على دعم مالي بقيمة 10 مليارات دولار من السعودية والإمارات والكويت.
ويأتي الدعم المالي الخليجي، الذي تتصدره السعودية، للمنامة لتعزيز استقرار المالية العامة للبلد، وتحفيز النمو الاقتصادي والتنمية، بالتزامن مع تباطؤ اقتصادي وارتفاع في المديونية.
وزادت السعودية من مبادلاتها التجارية مع البحرين في السنوات الأخيرة، وهو ما يدعم تقوية النفوذ؛ حيث ارتفع بنسبة 3.15%، خلال الربع الأول من العام الحالي مقارنة مع الربع نفسه من العام الماضي، ليصل إلى 819 مليون دولار.
واستحوذت السعودية على نسبة 149%؛ بقيمة 819 مليون دولار، من إجمالي التبادل التجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي.
واستوردت البحرين سلعاً بقيمة 541.4 مليون دولار (203.6 ملايين دينار) من دول الخليج، احتلت السعودية المرتبة الأولى بقيمة 2250 مليون دولار.
وصدرت البحرين سلعاً غير نفطية إلى دول الخليج بقيمة 131 مليار دولار، وجاءت السعودية أولاً؛ حيث استوردت من المملكة سلعاً بقيمة 9569 مليون دولار.
تأييد مطلق للسعودية
لكون السعودية بلداً مؤثراً في السياسة الإقليمية ولاعباً دولياً بالعديد من الملفات الساخنة، في مقابل الإمكانيات الضعيفة للبحرين، أصبحت الأخيرة في إحدى دوائر نفوذ الرياض السياسي بعلاقاتها الخارجية والاقتصادية والعسكرية.
وفي آخر مواقف البحرين الدالة على ارتباطها بالسعودية سياسياً أعلنت تجديد موقفها الثابت والداعم لكل ما تقوم به السعودية للحفاظ على أمنها واستقرارها ومواجهة الأعمال العدائية الإيرانية.
وجاء ذلك في إطار التقرير الصادر من الأمين العام للأمم المتحدة التاسع بشأن تنفيذ القرار 2231 (الصادر في عام 2015)، المعني بالملف النووي الإيراني.
وطالب مندوب البحرين مجلس الأمن باتخاذ "خطوات حازمة لردع إيران، وتمديد حظر الأسلحة لحين امتثالها للقوانين والأعراف الدولية وتغييرها لنهجها التخريبي الذي يهدد الأمن والسلم الإقليميَّين والدوليَّين".
ويُظهر الموقف البحريني التماهي السياسي لأصغر دولة عربية مع دبلوماسية السعودية دولياً وإقليمياً بشكل صريح وواضح؛ وهو ما يشير في حال أعلنت المنامة التطبيع مع "إسرائيل" إلى أنه تطبيع سعودي من بوابة البحرين.