الخليج أونلاين-
ثلاث صور يفصل بين أولها وآخرها أربعة عقود مثلت ألماً كبيراً للفلسطينيين، مثَّل شخوصها زعيم الاحتلال الإسرائيلي، وشخص آخر هو زعيم عربي، وثالث هو الرئيس الأمريكي.
جميع هذه الصور وثقت الشخوص الذين في داخل أضلاعها الأربعة والابتسامة تعلو وجوههم وفي أخرى تكاد تسمع قهقهات ضحكاتهم، لكنها صور لم تَسرَّ عربياً سوى المؤيدين لمن في داخل تلك الصور.
أولى الصور تلك تعود لعام 1979، تجمع بين مناحيم بيغن، رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي، والرئيس الأمريكي جيمي كارتر، والرئيس المصري محمد أنور السادات.
المناسبة كانت توقيع أنور السادات ومناحيم بيغن اتفاقية تطبيع العلاقات؛ على إثر 12 يوماً من المفاوضات السرية في كامب ديفيد.
تم التوقيع على الاتفاقيتين في البيت الأبيض وشهدهما الرئيس جيمي كارتر.
توثيق الصورة
تعتبر معاهدة السلام بين مصر و"إسرائيل"، التي وثقتها هذه الصورة أول خرق للموقف العربي الرافض للتعامل مع الاحتلال. وبموجبها تعهد الطرفان بإنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بينهما تمهيداً لتسوية، كما انسحبت "إسرائيل" من سيناء التي احتلتها عام 1967.
ورغم الغضب المصري والعربي والإسلامي من خطوة السادات فإن مؤيديه يرون أن خطوته نتجت عن توقعه مستقبلاً أكثر ظلاماً كان سيواجه مصر بسبب فارق القوة بين مصر و"إسرائيل"، وبسبب الدعم الأمريكي غير المحدود لـ"إسرائيل"، وضعف الدعم العربي وحتى الروسي لمصر.
لكن كثيرين رأوا أن ما قام به السادات "خيانة" للعروبة وقضاياها ولفلسطين، وبعد أيام من زيارة السادات للقدس كانت الدول العربية قد التأمت في قمة قررت مقاطعة مصر، ونقل مقر جامعة الدول العربية منها إلى تونس، واستمرت المقاطعة ما يقرب من 10 سنوات.
هذه الصورة توثق أيضاً ربح "إسرائيل" اعترافاً رسمياً بوجودها من جانب أكبر دولة عربية، وتسلم أول سفير إسرائيلي مهام عمله بالقاهرة في فبراير 1980.
وتوثق أيضاً خسارة مصر أشقاءها العرب، لكنها نالت مساعدات مالية من واشنطن ظلت مستمرة حتى الآن عبر مساعدة عسكرية قدرها 1.3 مليار دولار، إضافة إلى مساعدات اقتصادية تبلغ 250 مليون دولار منذ عام 1989.
الصورة الثانية
في 26 أكتوبر 1994 وقّع الأردن و"إسرائيل" اتفاق وادي عربة، بعد جولات من المفاوضات المباشرة بين عمّان وتل أبيب.
هذا ما وثقته ثاني الصور التي يعتبرها غالبية العرب من أشد الصور إيلاماً على قلوبهم.
دشّنت تلك المفاوضات علناً في مؤتمر مدريد للسلام الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب عام 1992، وانتقلت بعدها إلى واشنطن ووقعت في عهد الرئيس بيل كلينتون.
ولم يكن الاتفاق وتوقيعه بين الطرفين مفاجئاً خاصة للأردنيين؛ إذ سبقت ذلك محاولات كشفت عنها كتب التاريخ السياسي.
سياسياً، أعلنت اتفاقية السلام الأردنية - الإسرائيلية إنهاء حالة الحرب، وارتخت أطول حدود برية للمملكة الأردنية من حالة الطوارئ المعلنة في صفوف القوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي)، والتي عاشتها البلاد بعد احتلال الضفة الغربية في 4 يونيو العام 1967.
شعبياً، صعّدت تلك الاتفاقية من حالة الاحتقان، وتبلورت مؤسسات أهلية متعددة تحت شعار مقاومة التطبيع، وقادت تلك الجهود نخب سياسية محسوبة على النظام الأردني.
واصطدمت تلك الجهود بقمع خشن في أكثر من مرة نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي. كما مست تلك الاتفاقية حدود حرية الرأي والتعبير في البلاد، ونفذت حملات اعتقالات واسعة ضد معارضيها.
في الأثناء كانت الساحة الرسمية الأردنية تشهد جدلاً واسعاً، وانقسمت نخبة النظام بين مؤيد للاتفاق ومعارض. وانتصر الراحل الملك حسين لفكرة تأمين حقوق المملكة، عبر السلام لا الحرب، ودعمته قوى سياسية برلمانية وقتها.
تلك الصورة توثق لاتفاق سمح من خلاله للأردن بتحصيل حقوقه فيما يخص ترسيم الحدود، وحصول المملكة على حصتها من مياه طبريا واليرموك، والاعتراف الإسرائيلي بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
وكانت قضية اللاجئين الفلسطينيين والنازحين في الأردن مثار جدل استراتيجي، وانتزعت المملكة الأردنية مقعداً لها في أي مفاوضات بين السلطة الوطنية الفلسطينية و"إسرائيل"، وتحديداً في قضايا الوضع النهائي التي تطول مسائل الحدود والأمن والمقدسات واللاجئين.
في حسابات الراحل الحسين، الذي كان أحد أركان الصورة الموثقة في عام 1994، كانت المملكة الأردنية تسعى إلى ضمان أي مدخل للضغط من أجل حصول مفاوضات سلام جادة تدعم قيام الدولة الفلسطينية على ترابها الوطني، وعاصمتها "القدس الشرقية"، وعبر التزام أمريكي بذلك المسار.
في الصورة كان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ممثلاً عن أمريكا، والطرف الثالث كان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي إسحاق رابين.
الصورة الثالثة
إن كانت الصورتان الأولى والثانية التقطتا بعد صراع كلف مصر والأردن كثيراً، فجميع من اطلع على الصورة الثالثة سأل آخرين، أو نفسه: ما الذي يدفع الإمارات والبحرين أن تكونا بطلتَي مشهد الصورة الثالثة؟
تلك الصورة التقطت يوم الثلاثاء 15 سبتمبر 2020، وجمعت وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد ووزير خارجية البحرين عبد اللطيف الزياني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكالعادة، الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب.
في الصورة الثالثة كانت الابتسامات العريضة حاضرة وموثقة في الصور، على الرغم من الانتقادات العديدة التي طالت البلدين الخليجيين منذ أن أعلنا استعدادهما للتطبيع.
نصت معاهدة السلام التي وقعتها الإمارات والبحرين مع دولة الاحتلال الإسرائيلي على "التطلع لتحقيق رؤية تجعل الشرق الأوسط ينعم بالاستقرار والسلام والازدهار".
وجاء في الاتفاق أن "التحديات المطروحة على الشرق الأوسط لن تجد حلها إلا بالتعاون وليس الحرب"، كما أن الطرفين "عقدا العزم على تحقيق السلام الدائم والاستقرار والازدهار لدولتيهما".
وفي استعراض الصور السابقة يبرز ثابتان هما أمريكا و"إسرائيل"، ومتغيرات هم ممثلو الدول العربية، وفي اطلاع على تصريحات المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين يتبين أن ما أكدوا على تحقيقه بتوقيع دول عربية اتفاقيات سلام مع "تل أبيب" وقع.
ولا يدعو هذا إلا إلى الاعتقاد بأن ما أكدوه أيضاً بركوب دول أخرى قطار التطبيع، متحقق سواء في المستقبل القريب أو المستقبل القريب جداً، لا محالة، وهو ما تخشاه الشعوب العربية.