حسين إبيش معهد دول الخليج العربية - ترجمة الخليج الجديد-
يعتبر القرار البحريني باتباع خط الإمارات في التطبيع مع (إسرائيل) ضربة أخرى لآمال الفلسطينيين في استخدام الاعتراف العربي بـ(إسرائيل) كوسيلة ضغط في جهودهم لإنهاء الاحتلال الناجم عن حرب 1967.
كما أن هذه الخطوات تعد مؤشرا آخر على انتهاء مبادرة السلام العربية، التي أطلقتها السعودية في عام 2002 وأيدتها بالإجماع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
كان القصد من مبادرة السلام العربية الشروع أولا في عملية من شأنها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وفي مقابل ذلك إقامة علاقات رسمية بين تل أبيب والدول العربية.
وبالرغم من إصرار الإمارات والبحرين على استمرارهما في دعم المبادرة، فإنهما يضعان اللمسات الأخيرة على عكس مسار المبادرة: التطبيع أولاً بغض النظر عن أي خطوات لإنهاء الاحتلال.
لكن لماذا اتخذت البحرين هذه الخطوة بهذه السرعة في أعقاب الإمارات؟ هناك العديد من الدول العربية الأخرى المنفتحة على التطبيع مع (إسرائيل)، بما في ذلك عمان والسودان والمغرب.
ويمكن القول إن الإمارات قفزت إلى المجهول، لكن الأيام التي أعقبت إعلان الإمارات أظهرت أن الثمن الدبلوماسي والسياسي لدول الخليج العربية الأصغر في اتخاذ هذه الخطوة سيكون محدودًا.
لم تستنكر أي دولة عربية بشدة خطوة الإمارات، حتى الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" أمر مسؤوليه بالتوقف عن انتقاد الإمارات بعد أن هاجمها كثيرون منهم، كما أن هذه الإدانات لم يرددها قادة عرب آخرون، وأظهر الإماراتيون أن التكاليف (في المدى القريب على الأقل) للالتزام بالانفتاح مع (إسرائيل) ضئيلة.
بالإضافة إلى ذلك، من شبه المؤكد أن السعودية لم تثر اعتراضات قوية على مثل هذه الخطوة، بالنظر إلى درجة خضوع المنامة للرياض فيما يتعلق بمسائل الدفاع والسياسة الخارجية.
وقد يشير ذلك إلى درجة من الانفتاح السعودي لاتخاذ مثل هذه الخطوات في المستقبل إذا كانت الظروف مناسبة، بالرغم من أن حسابات الرياض ستكون أكثر تعقيدًا بكثير من حسابات جيرانها الأصغر.
وفي حين تهتم الإمارات بمواجهة إيران وتركيا، والتواصل مع الولايات المتحدة والوصول إلى أنظمة الأسلحة الأمريكية المتقدمة، وإقامة شراكة مع (إسرائيل) في مجال التكنولوجيا الفائقة والتكنولوجيا الإلكترونية والتجارة، فإن البحرين مدفوعة بالكامل تقريبًا بالتهديد الذي تشكله إيران، التي أصرت عدة مرات على أن البحرين جزء من مناطقها السيادية.
وفي حين أن البحرين بها أسرة سنية حاكمة، لكن لديها أيضًا أغلبية شيعية مضطربة ومهمشة سياسيًا، وقد أثبتت العناصر المتطرفة داخل الشيعة البحرينيين أنهم أكثر استجابة للمبادرات الإيرانية من المجتمعات الشيعية في الكويت أو السعودية.
لذلك، في حين أن جميع دول الخليج العربية، تعتبر إيران بدرجات متفاوتة تهديدًا، فإن المنامة ترى أن الخطر الذي تمثله طهران تهديدا وجوديا.
وفي حين ترى البحرين أنها أكثر أهداف إيران عرضة للخطر فإنها تعتبر (إسرائيل) الدولة الأكثر أهمية في مواجهة طهران، لذلك، بينما تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى مجموعة من المزايا المحددة، مثل القدرة على شراء طائرات مقاتلة أمريكية من طراز "إف-35"، فإن جدوى إقامة علاقات أوثق مع (إسرائيل) أكثر وضوحًا بالنسبة للبحرين.
وبينما تأمل البحرين في الحصول على أسلحة أكثر تطوراً من واشنطن، وفرص تجارية أو سياحية جديدة من (إسرائيل)، فإن هذه تعد اعتبارات ثانوية. فبالنسبة للبحرين، يعتبر توثيق العلاقات مع (إسرائيل) هدفا بحد ذاته نظرًا لتركيز المنامة على التهديد الإيراني.
ومع ذلك، قد تتعرض البحرين لمخاطر أكثر من الإمارات، بينما أظهرت الإمارات أن رد الفعل الإقليمي للانفتاح مع (إسرائيل) محدود للغاية، فقد تواجه البحرين بعض ردود الفعل السياسية المحلية السلبية.
وبقدر ما تنظر إيران إلى هذا الاتفاق على أن الهدف منه طهران، فإنها قادرة على إقناع مؤيديها في البحرين بالتحرك ضده، ما قد يؤدي إلى جولة أخرى من الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
وقالت الباحثة المقيمة الأولى في معهد دول الخليج العربي في واشنطن "كريستين سميث ديوان": "يبدو أن معارضة التطبيع منتشرة على نطاق واسع في المجتمع البحريني، وقد تم التعبير عنها في بيان وقعه 17 مجموعة سياسية ومدنية تمثل الإسلاميين السنة والشيعة واليساريين والقوميين، والمنظمات المهنية والعمالية".
إذا تمكنت البحرين من احتواء مثل هذه العواقب السياسية المحلية المزعزعة للاستقرار، فضلاً عن العواقب الدبلوماسية الإقليمية، فإن تحركاتها لتطبيع العلاقات مع (إسرائيل) يمكن أن تشجع الآخرين، خاصة عُمان والسودان، على أن يحذوا حذوها.
ولدى (إسرائيل) والولايات المتحدة حافز قوي لجعل هذه العملية تسير بشكل جيد لصالح دول الخليج حيث سيراقب المرشحون العرب الآخرون عملية الانفتاح الدبلوماسي على (إسرائيل) وعواقبها عن كثب.