عودي ديكل ونوا شوسترمان- معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي-
لتحليل اتفاقية التطبيع بين (إسرائيل) من جهة والإمارات والبحرين من جهة أخرى، عقد معهد دراسات الأمن القومي اجتماعا في اليوم التالي لمراسم توقيع الاتفاقية في البيت الأبيض في 15 سبتمبر/أيلول.
وركز الباحثون على دوافع الاتفاقية وانعكاساتها على (إسرائيل) والشرق الأوسط. وتناول المشاركون عدة أسئلة من بينها: ما الذي تضمنته الاتفاقية وما الذي تم حذفه؟، ما هي أهداف إدارة "ترامب" من وراء هذه الاتفاقات؟، لماذا كانت الإمارات في عجلة من أمرها لتوقيع الاتفاقية في هذا الوقت؟، لماذا يتحفظ الأردن على الاتفاقية ولماذا بقي الفلسطينيون على الهامش؟
وأدار الاجتماع العميد الجنرال (احتياط) "عودي ديكل". وكان من بين المشاركين العقيد (احتياط) "بنينا شارفيت باروخ"، الذي ناقش الجوانب القانونية للاتفاقية وهيكله مقارنة بالاتفاقيات السابقة بين (إسرائيل) وجيرانها. كما شارك السفير "دان شابيرو"، الذي تحدث عن أهداف إدارة "ترامب"، وناقش البروفيسور "موران زاجا" من معهد "ميتفيم" دوافع الإمارات. فيما قيّم السفير "عوديد عيران" أثر الاتفاقية على الأردن. وتحدثت الدكتورة "سارة فوير" عن إمكانية انضمام دول أخرى إلى تيار التطبيع مع (إسرائيل). وقدم البروفيسور "كوبي مايكل" تقييما للساحة الفلسطينية.
الموجود والغائب في الاتفاقات
يشير عنوان الاتفاقية "معاهدة السلام"، الذي تراها الأطراف كخطوة تاريخية، إلى تجاوز السياق المباشر؛ حيث تم تقديم الاتفاقية على أنها اتفاقية سلام، رغم أنه لم تكن هناك حروب أو سفك دماء بين (إسرائيل) والإمارات أو البحرين. والرؤية هي التطبيع الكامل للعلاقات خلافا للعلاقات القائمة حاليا بين (إسرائيل) ورواد اتفاقيات السلام في المنطقة؛ الأردن ومصر.
في الواقع، تحتوي الاتفاقية على فقرات تتعلق بالتعاون في مجموعة من المجالات المدنية، بما في ذلك الصحة والزراعة والسياحة والطاقة وحماية البيئة والابتكار. ويهدف هذا الطيف إلى تسهيل إقامة علاقات دافئة بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين، وفي نفس الوقت التغلب على أي أزمات سياسية قد تظهر، خاصة فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ولا تتضمن الاتفاقية أيا من القضايا المتنازع عليها مع الفلسطينيين كحل الدولتين، ومسألة تطبيق السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية (تم تعليق هذه الخطوة لمدة 4 سنوات بحسب التسريبات). أو بيع الولايات المتحدة أسلحة هجومية متقدمة للإمارات (سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت إسرائيل ستستخدم لوبيها في الكونجرس لمنع بيع الأسلحة التي تقوض ميزتها النوعية).
إضافة إلى ذلك، لم يرد في الاتفاقية إشارة محددة للتهديد الذي تمثله إيران، بالرغم من مصلحة الطرفين المشتركة في عرقلة مساعي طهران لتوسيع نفوذها الإقليمي ومنعها من الحصول على القدرة النووية العسكرية. ومع ذلك، كان هذا هو ما أشار إليه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، راعي الاتفاقية، في مؤتمر صحفي، متوقعا أنه سيحصل أيضا على صفقة جيدة مع إيران بشأن القضية النووية إذا أُعيد انتخابه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
يشك رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، الذي جلس إلى جانب "ترامب" خلال هذا البيان، في إمكانية التوصل لهذه الصفقة، ويبدو أنه لم يكن راضيا عن هذا البيان.
أهداف إدارة "ترامب"
بصرف النظر عن رغبتها في تحقيق إنجاز سياسي قبل الانتخابات، فإن إدارة "ترامب" مهتمة بتطبيق نهجها الاستراتيجي لإعادة تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط. وتسعى الإدارة الأمريكية إلى تشكيل تحالف إقليمي من الدول العربية السنية البراجماتية القريبة من الولايات المتحدة؛ لعرقلة طموحات إيران وعرقلة النفوذ الروسي والصيني المتنامي في المنطقة.
كان تقديم مخطط جديد لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يهدف إلى تعزيز التحالف الإقليمي مع إعفاء الدول العربية من التزاماتها التقليدية تجاه القضية الفلسطينية، والتي ثبت حتى الآن أنها غير مجدية، وحرمان الفلسطينيين من حق النقض ضد تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
وقال الرئيس "ترامب" إن 5 دول أخرى قريبة جدا من إقامة علاقات مع (إسرائيل).
هناك عدد من الشروط التي يجب أن تتحقق ظاهريا لدولة أخرى للانضمام إلى عملية التطبيع: مصالح مشتركة مع إسرائيل، خاصة في عرقلة المحور الإيراني؛ التقدم في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بالرغم من أن ذلك ليس الأولوية الإقليمية الرئيسية، والمكاسب الاقتصادية والعسكرية من الاتفاق مع (إسرائيل) وغياب الالتزامات السياسية أو الدينية تجاه العالم العربي.
في ظل هذه الظروف، من الصعب تحديد من سيكون التالي في الصف. تتمتع عُمان بالفعل بعلاقات وثيقة وإن كانت غير رسمية مع إسرائيل، وربما تفضل في هذه المرحلة تأجيل أي قرار والحفاظ على مكانتها كوسيط بين الولايات المتحدة ودول الخليج وإيران. ومن المتوقع أيضا أن يؤجل المغرب قراره حتى لا يخاطر بمنصبه كرئيس للجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي.
وسيؤثر نجاح الاتفاقيات على قرار الدول الأخرى بشأن دخولها دائرة التطبيع، وستفحص ما تحصل عليه الإمارات والبحرين من الولايات المتحدة. ومع ذلك، فمن المحتمل جدًا أن يتخذوا خطوات نحو التطبيع حتى بدون علاقات رسمية، مثل فتح السعودية مجالها الجوي للرحلات الجوية الإسرائيلية إلى الإمارات.
لا يعتقد المرشح الديمقراطي للرئاسة "جو بايدن" أن خطة "ترامب" ستروج لواقع دولتين في الحلبة الإسرائيلية الفلسطينية، لكنه على الأرجح سيستخدم اتفاقيات التطبيع لكبح تحركات (إسرائيل) على الجبهة الفلسطينية (لا سيما فيما يتعلق بالبناء في المستوطنات وإبعاد الفلسطينيين عن المنطقة ج) وتجديد العملية السياسية بضغط عربي مباشر على الفلسطينيين من أجل تخفيف شروطهم للعودة إلى المفاوضات، إلى جانب ضغوط مماثلة على إسرائيل من قبل الإدارة.
ضرورة الإمارات
بالنظر إلى اقتراب موعد الانتخابات في الولايات المتحدة، فإن الإمارات وربما البحرين أيضا لهما مصلحة في تحقيق إنجازات استراتيجية مع إدارة "ترامب"، وتحديدا عقود توريد أسلحة متطورة واتفاقيات اقتصادية قد لا يمكن تحقيقها إذا وصل رئيس ديمقراطي إلى البيت الأبيض في عام 2021.
من الناحية الإستراتيجية، تشعر الدولتان الخليجيتان بقلق شديد من القوة المتزايدة لمحورين متنافسين في الشرق الأوسط. الأول هو المحور الإيراني الشيعي، الذي لا يتردد في تحدي دول الخليج العربي اقتصاديا وعسكريا، وهو التحدي الذي سيتزايد بعد رفع حظر الأسلحة عن إيران، والتقارب الأخير بين إيران والصين. والثاني هو المحور التركي، الذي يسعى لبسط النفوذ من الخليج العربي إلى شمال العراق، عبر شمال سوريا، والحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط حتى ليبيا (حيث القوات الإماراتية والتركية على شفا اشتباكات عسكرية).
في مواجهة هذين المحورين، وبالنظر إلى الاتجاه الأمريكي نحو تقليص الوجود العسكري في الشرق الأوسط، تهدف الإمارات إلى إنشاء محور موازنة للدول السنية البراجماتية، التي ستسعى إلى جانب (إسرائيل) للتأثير في المعادلة الإقليمية.
يؤدي تعزيز العلاقات مع إسرائيل إلى توسيع نطاق الفرص والنفوذ بالنسبة للإمارات، التي تهدف إلى تعزيز مكانتها الإقليمية، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية في الخارج والعمل كوسيط في النزاعات الإقليمية البارزة.
وتمنح العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل موطئ قدم للإمارات في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفرصة لاستبعاد قطر من قطاع غزة وتركيا من القدس، وبالتالي تجاوز السعودية، التي ضعفت مكانتها الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة.
الأردن
تشكل اتفاقيات التطبيع معضلة للمملكة الهاشمية. فمن ناحية، يُتوقع من الأردن أن يدعم انضمام دول عربية أخرى إلى دائرة السلام مع (إسرائيل)، وهو الخيار الذي اتخذه قبل 26 عامًا. من ناحية أخرى، هناك قلق متزايد في الأردن من أن التطبيع بين (إسرائيل) ودول عربية أخرى، دون شروط مسبقة لعملية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، سيعيق التقدم نحو تحقيق رؤية الدولتين ويشجع إسرائيل على رؤية الأردن نفسه كدولة فلسطينية.
علاوة على ذلك، تشعر العائلة المالكة بالقلق من الاضطرابات بين المواطنين الفلسطينيين في الأردن، الذين يشكلون غالبية السكان، مما قد يقوض الاستقرار الداخلي. كما يشعر الأردن بالقلق من أن عدم الاستقرار الأمني في الضفة الغربية يمكن أن يمتد إلى أراضيه.
تاريخيا، يعتبر الأردن نفسه وسيطا رائدا بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن تم تنحيته جانبا عندما حصلت الإمارات والبحرين على الفضل في تأجيل الضم، بينما تغيب مبادئ مبادرة السلام العربية (الانسحاب الإسرائيلي إلى خطوط 1967) عن الاتفاقية الجديدة.
إضافة إلى ذلك، شدد الرئيس "ترامب" على أن التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج يفتح الباب أمام المسلمين من جميع أنحاء العالم الإسلامي للصلاة في المسجد الأقصى؛ الأمر الذي يضر بمكانة الأردن كراعي للأماكن المقدسة في القدس. ومع ذلك، يعتمد الأردن على مساعدات دول الخليج؛ وبالتالي لا يمكنه التعبير عن معارضة قوية للاتفاقية.
الفلسطينيون على الهامش
يعد الفلسطينيون الطرف الأكثر تضررا من التطبيع بين (إسرائيل) ودول الخليج. وقد فشلت قيادتهم في إقناع جامعة الدول العربية بإدانة اتفاقات التطبيع أو إثارة الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة للاحتجاج. وتؤكد التطورات بين إسرائيل ودول الخليج على الأزمة الاستراتيجية التي تحيط بالسلطة الفلسطينية الضعيفة، ويمكن تفسير ذلك كدليل على الفشل السياسي لرئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس".
رأت "حماس" التطورات كفرصة لتعزيز موقعها السياسي في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، من خلال التأكيد على أهمية سياستها (المقاومة المسلحة) كوسيلة لتعزيز التطلعات الوطنية الفلسطينية. تم تسليط الضوء على هزيمة "عباس" خلال زيارة قام بها زعيم حماس "إسماعيل هنية" إلى مخيمات اللاجئين في لبنان. وكانت صورة "هنية" محمولا على أكتاف الحشود في المخيمات، التي تعتبر معقل منظمة التحرير الفلسطينية، ترمز إلى التحدي لسيطرة "فتح" على منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية.
علاوة على ذلك، وبالنظر إلى العلاقة بين "محمد دحلان" (الذي يعتبر عدوا لـ"عباس") والقيادة الإماراتية، فإن ذلك يخلق أزمة حادة بين قيادة الإمارات والسلطة الفلسطينية. حاولت الإمارات تخفيف معارضة السلطة الفلسطينية لاتفاق التطبيع مع إسرائيل من خلال الوعد بتقديم مساعدات مالية، لكن "عباس" رفض القبول. لذلك يُتوقع من الإمارات أن تخاطب الجمهور الفلسطيني بشكل مباشر، متجاوزة السلطة الفلسطينية، على سبيل المثال من خلال عروض وظائف للأكاديميين والمهندسين الفلسطينيين الشباب.
ومع ذلك، يجب على إسرائيل ألا تستمتع بالبؤس الفلسطيني الحالي؛ لأن الأزمة والضعف يمكن أن يدفعا السلطة الفلسطينية و"حماس" إلى التقارب؛ مما يعزز من فرص التصعيد الفلسطيني ضد إسرائيل.