الخليج أونلاين-
رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الإمارات والبحرين والدول المساندة لهما، لتمرير اتفاق التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي منها سياسة القمع والتخويف عبر رصد مواقع التواصل الاجتماعي، لم تنجح في الحصول على حاضنة شعبية راضية عما تم التوصل إليه.
ولم تحصل هاتان الدولتان على تأييد شعبي للاتفاق مع "إسرائيل" سواء من داخل بلادهم أو من الدول العربية، وهو ما يؤكد استمرار تعلُّق الشعوب بالقضية الفلسطينية ورفض إجراء أي تطبيع مع الاحتلال.
المعطيات التي أظهرت رفض الشعوب العربية لاتفاق التطبيع الإماراتي البحريني مع الاحتلال، جاءت من خلال تقرير أجرته وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، كشفت فيه أن 90% من الخطاب العربي على مواقع التواصل الاجتماعي يرفض التطبيع مع "إسرائيل".
ويبدو أن الـ10% الذين أعلنوا تأييدهم للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي من "الذباب الإلكتروني" الذي تجنده تلك الدول للدفاع عن مصالحها ومهاجمة منتقديها وشيطنتهم على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
وكان 95% من الخطاب النقدي حول اتفاق التطبيع موجهاً إلى الإمارات التي قادت المبادرة لا إلى البحرين، وفقاً للتقرير الذي نُشر، الأحد (11 أكتوبر الجاري).
الوزارة الإسرائيلية أوصت بأنه يجب على "إسرائيل" تعزيز حملة "توعية" على الشبكات الاجتماعية العربية، مع التركيز على دول الخليج والدول الأخرى التي قد توقع اتفاقيات معها، وذلك للوصول إلى الشعوب والحصول على رضاها.
خيبة أمل
سيشكل التقرير الذي أعدته الوزارة الإسرائيلية خيبة وضربة للمحاولات الرسمية الإماراتية التي بدأت منذ فترة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال كي وعي جمهورها بالأعمال الفنية، والرسائل الموجهة، واللقاءات مع إسرائيليين على مختلف الصُّعد، لجعل التطبيع أمراً مقبولاً بين الشعوب العربية، والإماراتيين والبحرينيين أنفسهم.
يقول عماد أبو عواد، مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، إنه من حيث المبدأ فإن "إسرائيل" كل عام تصدر تقريراً عن الخارجية تشير فيه إلى أن "90% من الشعوب العربية ترى أن دولة الاحتلال عدو وترفض التطبيع معها وتعتبر قضية فلسطين قضية مركزية".
ويتحدث أبو عواد لـ"الخليج أونلاين" عن وجود نسبة تقدَّر بـ30% من الشعوب العربية، ترى أن القضية الفلسطينية "مشيطنة بسبب الانقسام الفلسطيني والأحزاب الفلسطينية"، إلا أنه يستدرك بالقول: إن ذلك "لا يعني وجود نسبة من هؤلاء لا يعتبرون فلسطين قضيتهم، بل هم متمسكون بمبدأ عدالة وأحقية القضية الفلسطينية".
وعن النسبة الأكبر من الشعوب العربية وصمْتها عما تقوم به حكوماتهم، يقول إن معظم الشعوب لا تستطيع الحديث ورفض التطبيع مع "إسرائيل"؛ "بسبب حكوماتهم الموجودة".
كما يعتقد أبو عواد، أن بعض العرب "غاضبون من الفلسطينيين"، إلا أنه يرى أن ذلك "لا يعني غضبهم وتواءمهم مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتبنيهم للتطبيع".
ويؤكد أن الشعوب العربية "مواقفها مع فلسطين، أما الأنظمة العربية لأسباب أو لأخرى متعلقة ببقائها في الحكم، تتماهى مع الاحتلال"، مشيراً إلى أن القيادة العربية "تدرك أن الشعوب ترفض مثل هذا التطبيع".
وأضاف في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "حتى إسرائيل لا تؤمّن نفسها كثيراً مع الشعوب وتدرك أنها لن تصل لمرحلة كاملة من التطبيع مع تلك الشعوب، وإنما مؤقتة مع الحكومة والأنظمة التي تسعى للاستمرار في الحكم ليس إلا".
واستخدمت الإمارات والبحرين خطاباً مضللاً إلى الجمهورين الداخلي والعربي، لتبرير التطبيع، من أبرز نقاطه أنه سيعود بالخير والتطور على بلادهم، خاصة في مجال التكنولوجيا والاقتصاد، ولكن الشعوب العربية والخليجية- خاصةً الإماراتية- منذ الساعات الأولى لإعلان الإمارات (الخميس 13 أغسطس الماضي)، اتفاق سلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، خرجت أصواتها تعبّر عن رفضها للتطبيع، وكان أبرز نشاطها تدشين نشطاء إماراتيين حركة لرفض التطبيع، أطلقوا عليها "الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع".
وأكدت الحركة في بيانها الأول (السبت 22 أغسطس الماضي)، أن حكومة بلادهم تجاهلت بهذه الاتفاقية تاريخاً مشرفاً ومجيداً للشعب الإماراتي في مناصرة الشعب الفلسطيني ودعم قضيته العادلة.
المعارض الإماراتي عبد الله الطويل اعتبر الاتفاق مع "إسرائيل"، "تغريبة جديدة للمجتمع الإماراتي بعد أن مارست الحكومة الإماراتية سياسة كَي الوعي عند الشعب تمهيداً للوصول الى هذا الاتفاق العلني".
وفي حديث سابق لـ"الخليج أونلاين"، بيَّن الطويل أن إتمام بلاده اتفاق سلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي برعاية أمريكية، يشكل "طعنة في خاصرة الأمة العربية وعلى مستوى القضية الفلسطينية".
ويعد الاتفاق الثلاثي، كما يؤكد الطويل، "تطبيعاً كاملاً مع عدو صهيوني لا يُؤتمن على شيء، وضياعاً للهوية العربية، وسقوطاً للوطنية.. هذا خارجياً".
وخاطب المعارض الإماراتي البارز، وليَّ عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، بأن الشعوب العربية والشعب الفلسطيني يحتاجون أرضاً ووطناً، و"إعطاء الشرعية للصهاينة بالتطبيع معهم نقطة سوداء ستُدوَّن في سجلِّ الخيانات العربية".
ميثاق فلسطين
وتأكيداً لما جاء في تقرير أجرته وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، أظهرت انطباعات وتحركات الشعوب بعد اتفاق التطبيع الإماراتي البحريني، رفضاً كبيراً له، حيث أطلقت أكثر من 30 جمعية ومنظمة ومؤسسات ناشطة في مقاومة التطبيع مع "إسرائيل"، ونصرة القضية الفلسطينية، منتصف سبتمبر الماضي ، حملة "ميثاق فلسطين".
وجمع الميثاق الذي جرى توقيعه على شبكة الإنترنت، أكثر من ثلاثة ملايين توقيع من مختلف دول العالم خلال أسبوع؛ وهو ما يعكس تبايناً كبيراً بين مشروعات بعض الأنظمة السياسية وقناعات شعوبها.
وكان عضو الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع، حميد النعيمي، والمنسق العام لحملة "ميثاق فلسطين"، قد هاجم حكومة بلاده عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثالث عشر من أغسطس الماضي، التوصل لاتفاق لتطبيع العلاقات بين أبوظبي و"تل أبيب".
وقال النعيمي على موقع "يوتيوب"، إن مقولة "النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي"، التي أطلقها مؤسس الإمارات الشيخ زايد بن نهيان، لا بد أن تكون راسخة في وجدان كل إماراتي يرفض التخلي عن قضية فلسطين.
وفي تصريح مقتضب لـ"الخليج أونلاين"، قال الكاتب الإماراتي المعارض أحمد الشيبة النعيمي: "إن الشعوب ليست راضية عما تقوم بها حكوماتها، وهي من خلال توقيعها على الميثاق تعلن براءتها مما تقوم به هذه الحكومات من خيانة للقضية وللشعوب".
وفي البحرين لم تتوقف التظاهرات الرافضة للتطبيع في عدد من أحياء الدولة الخليجية، وهو ما يثبت عدم وجود رضى شعبي لما أقدمت عليه سلطات بلادهم من إعلان اتفاق سلام مع "إسرائيل".
وأمام الرفض الشعبي للتطبيع البحريني مع الاحتلال، توعدت وزارة الداخلية البحرينية بملاحقة النشطاء على المواقع التواصل الاجتماعي الرافضين لاتفاقية التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، واتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم.
وتتهم الداخلية البحرينية الرافضين للتطبيع على مواقع التواصل الاجتماعي بأنهم "ينشرون الفتنة والفرقة بين مكونات المجتمع وتشويه صورة مملكة البحرين والإساءة إليها، على خلفية توقيع إعلان تأييد السلام بين مملكة البحرين ودولة إسرائيل".