كريستين سميث ديوان - معهد دول الخليج العربية –
تشير وفاة رئيس وزراء البحرين "خليفة بن سلمان" إلى نهاية عهد تاريخي، فقد كان أكثر رئيس وزراء بقي في هذا المنصب في العالم.
وقد تزايد الترقب لانفتاح سياسي مع استبداله السريع بالابن الأكبر للملك، ولي العهد الأمير "سلمان بن حمد آل خليفة"، والذي يعتبره البعض أكثر تكنوقراطية وتسامحا مع المعارضة.
لكن في الحقيقة، كانت سلطة رئيس الوزراء الراحل تتضاءل بالفعل لصالح منافسه ولي العهد والفصيل الحاكم المقرّب من الملك والمتمركز في الديوان الملكي وجهاز أمن الدولة.
ومن المرجح أن تظل أولويات هذين المعسكرين (الأمن المالي وأمن الدولة على التوالي) على رأس جدول أعمال البلاد.
ويوفر ترسيخ سلطة ولي العهد مرونة أكبر في إدارة الملف السياسي.
وقد يجد ولي العهد، الذي أصبح الآن في مأزق تنفيذ تدابير التقشف الحكومية، أن التسوية السياسية ضرورة في الوقت الذي يسعى فيه للحفاظ على الدعم الشعبي.
نهاية عهد "خليفة بن سلمان"
استمرت ولاية "خليفة بن سلمان" على رأس الحكومة لمدة 50 عامًا، شملت معظم فترة وجود البحرين كدولة مستقلة.
وعند وفاته، أشادت به الصحف الحكومية باعتباره مهندس البحرين الحديثة، ومع ذلك كانت وسائل الإعلام المعارضة خارج البحرين أقل تسامحًا، مشيرة إلى اعتماده الطويل على قانون أمن الدولة وتلوث سمعته بالفساد والعمل من خلال المحسوبيات والتصرف في الأراضي على أساس العلاقات الشخصية مما حقق له وللدائرة المقربة منه ثروات هائلة.
وكان هذا الفساد هو الذي أثار المعارضة البحرينية في عام 2011. والتي طالبت علانية بإسقاطه، ونظمت احتجاجات في ميناء البحرين المالي، حيث اتهمت "خليفة بن سلمان" بالحصول على أرض مستصلحة في منطقة الميناء المرموقة مقابل دينار بحريني واحد.
كما تصاعدت دعوات لإقالته كجزء من انتقال أوسع إلى نظام رئيس منتخب للحكومة.
ومع ذلك، فقد بقي رئيس الوزراء في النهاية، مستفيدًا من علاقاته الشخصية بالطائفة السنية وعلاقاته بالحكام السعوديين.
وتم حماية النظام بتدخل غير مسبوق عبر قوات "درع الجزيرة" بقيادة السعودية التي أبرزت القوة في مواجهة الانتفاضة السياسية.
لكن المستفيد السياسي الرئيسي من هذه الحملة لم يكن رئيس الوزراء فحسب فقد زاد نفوذ مجموعة "الخوالد"، وهم فرع من عائلة "آل خليفة" الأسرة الحاكمة في مملكة البحرين.
وغالبا ما يتم استخدام "الخوالد" للإشارة إلى أحفاد "خالد بن علي آل خليفة". وهم فصيل حاكم آخر أكثر طائفية ويتبنى تهميش الشيعة مع تركيز أكبرعلى الدولة الأمنية.
وبعد وفاته، بدا أن الحلفاء السياسيين لرئيس الوزراء أصبحوا أيتاما مع تراجع نفوذهم.
ويعد ولي العهد الذي أصبح مكان "خليفة بن سلمان" رائدا لسياسة الجيل الجديد، حيث ترتكز أجندته على دعم رؤية 2030 للتنويع الاقتصادي مع جذب الشباب البحريني المتحمس للتغيير إلى جانبه، وتبدو هذه الأجندة مشابهة للأجندات القومية التي روج لها جيران مثل ولي العهد "محمد بن سلمان" في السعودية.
في عام 2013، تم تعيين "سلمان بن حمد" من قبل والده نائباً أول لرئيس الوزراء مما مهد له التعيين في منصب رئيس الوزراء. وسمحت له عملية إعادة التأهيل هذه باستئناف قيادته للمحفظة الاقتصادية، التي كانت تشغل باله منذ أن تولى والده السلطة في عام 1999.
وخلال السنوات السابقة، بنى مؤسسات موازية مثل "مجلس التنمية الاقتصادية" وهو بمثابة حكومة ظل للالتفاف على رئيس الوزراء وإفشال قبضته على السياسة العامة.
وقد عززت وفاة "خليفة بن سلمان" من سلطة ولي العهد على المحفظة الاقتصادية.
لكن "سلمان بن حمد" اكتسب أيضًا نفوذًا على الملف الأمني أمام خصومه المتشددين في الائتلاف الحاكم أيضًا.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يتخذ فيه الملك "حمد بن عيسى آل خليفة" تدابير لتوجيه السلطة نحو ذريته.
فقد أنشأ الملك في يناير/كانون الثاني، لجنة تنفيذية عليا في مجلس الدفاع الأعلى. وعين نجليه "سلمان" و"ناصر" كرئيس ومقرر للجنة على التوالي، ووضعهما في خطوط واضحة للسلطة على المجلس، ويقوي ذلك من أوراق الاعتماد الأمنية لولي العهد، الذي يشغل بالفعل منصب نائب القائد الأعلى لقوة دفاع البحرين.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، قام الملك بتعيين "حمد ناصر بن حمد آل خليفة"، الأخ الأصغر غير الشقيق لولي العهد، مستشارًا للأمن القومي.
كما أن "خالد بن حمد آل خليفة" الأخ الشقيق لـ"حمد ناصر بن حمد آل خليفة" هو أيضًا ضابط عسكري ويشغل مناصب في قطاع الرياضة، مما يوفر منبرًا للوصول إلى الشباب البحريني.
أجندة المستقبل
تفوق ولي العهد على منافسيه السابقين في الديوان الملكي.
لكن اعتبار أن امتلاك هذا الإصلاحي لسلطة أكبر قد يؤدي إلى انفتاح سياسي أكبر، يعد قراءة خاطئة للحظة السياسية الحالية.
لقد جاء صعود ولي العهد مع الحقائق السياسية الجديدة حيث أصبحت البحرين الآن أكثر اعتمادًا على جيرانها الخليجيين، السعودية والإمارات، فيما يتعلق باحتياجاتها المالية والأمنية.
في المقابل، اتبعت عائلة "آل خليفة" الحاكمة مسارًا إقصائيا في الداخل، مما أدى إلى تفكك الجماعات السياسية المعارضة التي كانت ذات شعبية كبيرة، مثل جمعية الوفاق الشيعية التي يقضي الأمين العام لها "علي سلمان"، حاليًا حكماً بالسجن مدى الحياة.
وفي ذات السياق تم تهميش جماعة "الإخوان المسلمون" التي كانت موالية ذات يوم، وذلك تماشيا مع الحملة السياسية الإماراتية والسعودية التي تشوه هذه الحركة السياسية السنية.
ونظرًا لأن الجماعات السياسية التي كانت تسيطرعليها التيارات الإسلامية الشيعية والسنية قد تم حلها أو تهميشها، فقد تم استبدالها بمستقلين وموالين لا يظهرون أي معارضة للقيادة البحرينية ليتم مؤخرا اختيار البرلمان البحريني المنتخب بعناية؛ وقد كان التلميح الوحيد للمعارضة السياسية يأتي من خلال تيار يساري صغير بقيادة نائب رئيس البرلمان، والذي يركز على القضايا الاقتصادية ويضبط انتقاداته بعناية.
ومن المرجح أن تكون المحفظة الاقتصادية هي أولوية الحكومة حيث تفاقمت التحديات الكبيرة التي تواجهها البحرين باعتبارها الدولة الخليجية الأقل حظًا في ظل بيئة نفطية متدهورة وبسبب جائحة فيروس "كورونا".
وتدير البحرين مشاكل الميزانية من خلال دعم حلفائها الخليجيين في شكل حزم مساعدات.
ورداً على ذلك، طالب الحلفاء الخليجيون بمزيد من الانضباط المالي من البحرين، وقد حققت البحرين بعض النجاحات في هذا الصدد من خلال إصلاحات العمل وإعادة هيكلة الحكومة لخفض النفقات وزيادة الإيرادات الجديدة.
ومع ذلك، لا تزال البحرين في خطر مالي حيث يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضًا بنسبة 4.9% في الناتج المحلي الإجمالي، مع ارتفاع العجز المالي إلى 15.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
وحتى مع المساعدات الخليجية الكبيرة، فقد لجأت البحرين إلى سوق الدين مرتين في عام 2020، حيث أصدرت سندات بقيمة ملياري دولار في مايو/أيار وسبتمبر/أيلول. وتبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البحرين أكثر من 100%، مما دفع وكالات التصنيف مثل وكالة "فيتش" إلى خفض التصنيف الائتماني للبحرين.
ويشير كل ذلك إلى مزيد من التقشف المالي في مستقبل البحرين.
وبينما كانت الحكومة تقدم الدعم للقطاع الخاص خلال الوباء، فقد قامت أيضًا بتخفيضات شاملة في الميزانية بنسبة 30% وبعملية إصلاح للتأمين الاجتماعي لإنهاء الزيادة السنوية في المعاشات التقاعدية.
ومن غير المرجح أن يؤدي عمل ولي العهد كرئيس للوزراء في فترة التقشف إلى زيادة شعبيته بين الجمهور.
حيث ستأتي الضغوط من موظفي الخدمة المدنية وكذلك مجتمع الأعمال، الذين سعوا في كثير من الأحيان سابقا إلى تدخل "خليفة بن سلمان" لإحباط الإصلاحات.
وهكذا، في حين أن دمج منصب رئيس الوزراء مع مقام ولي العهد سيجنب "سلمان بن حمد" النقد البرلماني، إلا أنه ينطوي على بعض المخاطر السياسية.
فقد تؤدي هذه الديناميكية، بمرور الوقت، إلى الضغط على ولي العهد في تسوية سياسية مع فرض رسوم وضرائب أعلى على الجمهور.
وينطبق هذا بشكل خاص على المجتمع الشيعي الذي يتأثر بشكل أكبر بالتقلبات الاقتصادية، ويعتمد أكثر على القطاع الخاص.
وخلاصة القول أن وجود ولي العهد على رأس الحكومة لا ينذر بأي تحول سياسي فوري في الاستراتيجية التي عكست أولويات كل من الأجنحة الأمنية والسياسية للعائلة الحاكمة ووضعتها في مكانة جيدة مع شركائها الإقليميين.
ومع ذلك، فإن وجود قيادة ذات عقلية إصلاحية يحمل الأمل مع تزايد المطالب الاقتصادية وتزايد التوترات السياسية، حيث قد يُنظر إلى الحوار السياسي مرة أخرى على أنه العلاج.