إنترناشونال بوليسي دايجيست - ترجمة الخليج الجديد-
مر عام على اتفاقيات أبراهام التي طبعت العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، بما في ذلك الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، ولكن في حين أن هذه الخطوة كانت واحدة من أهم التطورات في الشرق الأوسط خلال عام 2020، فإن تأثيرها لا يزال غير ظاهر، سواء في المجال الاقتصادي أو الأمن الإقليمي فيما يتعلق بإيران وفلسطين.
يعود التأثير المحدود بشكل جزئي للفترة الزمنية القصيرة التي مرت منذ أن وقعت إسرائيل والإمارات والبحرين الاتفاقية في البيت الأبيض في 15 سبتمبر/أيلول من العام الماضي، وفي حين حدث تبادل للسفراء وفتح السفارات، فإن النتائج الموضوعية لم تتحقق بعد، كما اقتصر التقدم الأكبر على إسرائيل والإمارات فقط.
وقال "يوسف العتيبة" سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة، في فعالية "مركز ويلسون" للاحتفال بالاتفاقية هذا الأسبوع، إن العلاقات بين البلدين ما تزال "سطحية" فقط.
العلاقات الإسرائيلية الإماراتية
وعلى الرغم من أن التجارة السرية بين إسرائيل والإمارات كانت موجودة من قبل، إلا إن حجم التجارة شهد ارتفاعًا من 190 مليون دولار في عام 2020 إلى 523 مليون دولار في الأشهر الـ6 الأولى من عام 2021، ومن المحتمل أن تنمو عن ذلك.
فقد أوردت تقارير في "بلومبرج" و"رويترز" هذا الأسبوع أن التجارة بين الاثنين يمكن أن تصل إلى تريليون دولار في غضون 10 سنوات.
وإذا كانت إسرائيل والإمارات ستصلان إلى هذا المستوى من التبادل الاقتصادي، فسوف تساعدهما الطبيعة التكميلية لاقتصادات البلدين.
فعلى سبيل المثال، يمكن للإمارات أن تقدم للاقتصاد الإسرائيلي ما هو أكثر من الألومنيوم والسيراميك، عبر المساعدة في قطاعات الطاقة والبناء، وقد باعت شركة "ديليك دريلينج" الإسرائيلية هذا الشهر، حصة تقدر بـ 22% في حقل الغاز الطبيعي "تمار" لشركة "مبادلة" للبترول في أبوظبي بمبلغ 1.1 مليار دولار.
وفي السابق، كان هناك أيضا اهتمام إماراتي بتطوير خط أنابيب "ريد-ميد" لنقل الغاز بريًا عبر إسرائيل وتجنب اختناق قناة السويس، على الرغم من أن مساره قد قوبل باحتجاجات وتحديات بيئية.
وبالنسبة للإمارات، تعد إسرائيل مصدرًا جذابًا للتكنولوجيا المتقدمة، حيث تحرص الإمارات على ترقية قطاعها للتقنية العالية وجذب الاستثمار والنشاط الإسرائيلي، خاصة من خلال المناطق الحرة المختلفة التي تديرها.
كما إن هناك اهتمام أيضا بالأمن السيبراني الإسرائيلي، حيث حضر ممثلون عن عالم الأعمال التجارية وخدمات الأمن الإسرائيلية فعالية "سيبرتيك" العالمية في دبي في أبريل/نيسان الماضي.
تأخر الدول العربية الأخرى
ولكن على النقيض من الإمارات، كان التقدم مع البحرين والمغرب والسودان أقل شمولا، ويعود هذا جزئيًا لأن ما يربط بين هذه الدول وإسرائيل مباشرة يعتبر أقل، ومع إن البحرين تتصدرهم فيما يتعلق بالانخراط، إلا إنها تأتي بعد الإمارات من حيث تطوير الفرص الاقتصادية؛ ولا تزال تعمل على صياغة اتفاقية تجارية.
أما بالنسبة للمغرب والسودان، فإن قرارهم بالاعتراف بإسرائيل ينبع أكثر من الإقناع الأمريكي، فقد عرض الرئيس السابق "دونالد ترامب" مساعدة السودان على تقليل ديونها العامة والاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية المتنازع عليها.
على الرغم من أن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي "جو بايدن" قدمت قرضا للسودان سيساعد جزئيا في تغطية ديونه، فما زالت تراجع مسألة الصحراء الغربية.
وبغض النظر عن تفوق العلاقات الشخصية والاقتصادية بين إسرائيل والإمارات، فإن اتفاقات إبراهام لم تؤد إلى أي تغيير كبير في المجالات الأخرى، لا سيما فيما يتعلق بالمسائل الأمنية مثل إيران أو فلسطين.
لماذا لم تثمر الاتفاقيات أمنيًا؟
بالرغم من تشاطر المخاوف بين إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة تجاه إيران وأنشطتها ووكلائها في المنطقة، إلا إن اتفاقية أبراهام بين الاثنين لم تقُد إلى مواجهة أكثر مباشرة مع طهران، وأحد أسباب ذلك كان هزيمة "بايدن" لـ"ترامب" في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.
ففي حين سعى "ترامب" لممارسة سياسة الضغط الأقصى على إيران من خلال الانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية وإعادة فرض العقوبات، عقدت إدارة "بايدن" محادثات غير مباشرة لإعادة إحيائها، وتزامنت محادثات "بايدن" مع محادثات أخرى لإيران، بما يشمل الحوار مع السعودية، التي تعد منافسها الإقليمي الرئيسي. وباختصار، فإن الوضع في الخليج لم يعد ساخنا كما كان خلال سنوات "ترامب".
أحد الأسباب الأخرى هو التغيير السياسي داخل إسرائيل، ففي مارس/آذار، عقدت البلاد الانتخابات، التي أدت إلى خروج رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" من السلطة بعد 12 عاما، حيث استُبدل في يونيو/حزيران بـ"نفتالي بينيت"، وعلى الرغم من أن "بينيت" لديه شكوكه إزاء المحادثات الأمريكية الإيرانية، إلا أنه حريص على إظهار أنه أقل تعطيلًا لها من "نتنياهو" وأنه يمكن أن يكون شريكا أكثر دعما لواشنطن.
أما بالنسبة لفلسطين، فإن الاتفاقيات كانت علامة على شرخ في الإجماع العربي الذي أصرّ سابقًا على عدم الاعتراف بإسرائيل قبل توقيع اتفاق سلام، واستجابة لذلك، بررت الإمارات قرارها بالسعي إلى علاقات رسمية مع إسرائيل من خلال الادعاء بأن ذلك قد يشجع إسرائيل على التراجع عن ضم الضفة الغربية (على الرغم من أن هذه الخطوة بدت وكأنها أُجلت نظرًا للحالة الداخلية غير المستقرة لحكومة نتنياهو).
وأشار "العتيبة" في فعالية "مركز ويلسون" بأن التطلع للمستقبل وزيادة التبادل الاقتصادي بين بلده وإسرائيل، سوف يؤثر بشكل غير مباشر على الفلسطينيين والاقتصاد الفلسطيني.
وبغض النظر عن هذه الادعاءات، فمن غير المرجح بأن يكون هناك تقدم فيما يتعلق بحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين على أي حال، حيث إن هناك عوامل أخرى ذات صلة -كما هو الحال مع إيران- حيث يرأس "بينيت" ائتلافًا هشًا (مثلما كان نتنياهو) وقد لا ينجو ليكمل مدته البالغة 4 سنوات كاملة.
وفي الوقت نفسه، لا يزال النظام السياسي الفلسطيني منقسمًا، ليس فقط بين أحزاب "فتح" و"حماس" التي تسيطر على الضفة الغربية وغزة على التوالي، وإنما داخليا كذلك.
ففي أبريل/نيسان، ألغى الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" الانتخابات عندما بدا من الواضح أن فصيله داخل" فتح" سوف يهزم، ومنذ ذلك الحين، انفصلت القيادة الفلسطينية عن المجتمع أكثر فأكثر خلال احتجاجات الصيف والقمع الذي تعرضت له.