جوناثان هوفمان/ ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة الخليج الجديد-
في الأسبوع الماضي، التقى وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" مع نظيريه الإسرائيلي والإماراتي لمناقشة مجموعة من القضايا الإقليمية بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني وتوسيع ما يسمى بـ"اتفاقيات إبراهيم" والسياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل عام.
ويشير وجود وزيري الخارجية الإسرائيلي والإماراتي مع "بلينكن"، فضلا عن المؤتمر الصحفي اللاحق في وزارة الخارجية، إلى واقع جديد في واشنطن يتمثل في ضغط موحد أكثر رسمية من تل أبيب والعديد من الدول العربية لتوجيه السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وفقًا لمصالحهم المشتركة.
ولا يعد ضغط إسرائيل ودول الشرق الأوسط الأخرى للتأثير على سياسات واشنطن بالأمر الجديد، فلطالما سعت إسرائيل والسعودية والإمارات ومصر وغيرها إلى التأثير في سياسات واشنطن في المنطقة لصالح مصالحهم الخاصة.
تلاقي المصالح
وتتركز مصالح القادة العرب على الحفاظ على أنظمتهم الاستبدادية مع قمع الشارع والحفاظ على الوضع الإقليمي الراهن وإبقاء الولايات المتحدة منخرطة بعمق في الشرق الأوسط باعتبارها الضامن الأمني لأنظمتهم.
أما بالنسبة لإسرائيل، فبالإضافة إلى الحفاظ على الوضع الإقليمي الراهن، فإنها تسعى إلى تطبيع شعبي ورسمي مع الدول العربية، يساعدها أيضا في تشكيل تكتل ضد الخصم المشترك وهو إيران.
ولا توجد شبكة ضغط أنجح من تلك التي بنتها إسرائيل للتأثير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومع تلاقي المصالح السياسية لنخب إسرائيل والعديد من الدول العربية، تلاقت أيضًا جهودهم للضغط في واشنطن.
وبالرغم أن مصالح الطرفين ليست متطابقة في جميع الأمور، لكن العديد من المستبدين العرب سعوا بشكل متزايد للاستفادة من شبكة إسرائيل المؤثرة في واشنطن، ويبدو أن هذه المساعي تؤتي ثمارها.
شبكات الضغط هدية المُطبّعين
على مدى السنوات الماضية، استخدمت إسرائيل نفوذها لحماية هذه الحكومات من الانتقادات الحقوقية والحفاظ على تدفق مبيعات الأسلحة إليها من واشنطن وشيطنة الخصوم المحليين والإقليميين.
وقد تزايدت جهود إسرائيل بعد "اتفاقيات إبراهيم" التي ترعاها الولايات المتحدة، إلا أن الجهود المنسقة للتأثير على السياسة الخارجية الأمريكية سبقت موجة التطبيع بين إسرائيل والبحرين والمغرب والإمارات والسودان، وتحاول إسرائيل الآن استمالة الدول التي لا تزال لا تعترف رسميًا بإسرائيل، خاصة السعودية.
وتجلت حملات التأثير الجديدة في انخراط الإمارات مع منظمات ومراكز دراسات مرتبطة بشبكة إسرائيل للضغط مثل "اللجنة اليهودية الأمريكية"، و"رابطة مكافحة التشهير"، و"مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى"، و"معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، ومعهد "المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة"، و"مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" وغيرها.
وأشادت منظمة "أيباك" (أقوى جماعة ضغط إسرائيلية) و"مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى" بقيادة الإمارات "لالتزامها بمحاربة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله" و"التسامح" و"التعددية".
وفي أغسطس/آب الماضي (بعد توقيع اتفاقيات إبراهيم)، أعرب "أيباك" والسفير الإسرائيلي في ذلك الوقت "رون ديرمر" عن دعمهما القوي لحصول الإمارات على الطائرات المقاتلة من طراز "F-35" في وقت خضعت فيه صفقة الأسلحة للتدقيق في الكونجرس.
وفي وقت سابق من هذا العام، تم الكشف عن ضغوط إسرائيلية على الرئيس "جو بايدن" لحثه على عدم اتخاذ إجراءات ضد الإمارات والسعودية ومصر بشأن المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان.
وفي يونيو/حزيران الماضي، افتتحت "اللجنة اليهودية الأمريكية" مكتبًا رسميًا في أبوظبي، وخاطب وزير الخارجية الإماراتي "عبد الله بن زايد" المنتدى العالمي الافتراضي لـ"اللجنة اليهودية الأمريكية" لعام 2021، حيث أعرب عن حماسه للمكتب الجديد.
تنمية العلاقات
بدأت الإمارات والسعودية والبحرين في تنمية العلاقات مع القادة اليهود البارزين والمسيحيين الإنجيليين داخل الولايات المتحدة.
وتعتبر هذه الجهود جزءا من مشروع أوسع نطاقاً تتبناه هذه الحكومات للترويج لما يسمى "الإسلام المعتدل" (أي الإسلام الذي تسيطر عليه الدولة) لجذب الغرب وشيطنة المعارضة الداخلية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، استضافت السعودية وفداً من القادة الإنجيليين المسيحيين بقيادة "جويل روزنبرج" (تم الترحيب بهم في الإمارات في وقت سابق)، وقام وفد مماثل ضم القس "جوني مور" (الذي كان آنذاك الرئيس المشارك للمجلس الاستشاري الإنجيلي للرئيس "دونالد ترامب") بزيارة المملكة مرة أخرى في سبتمبر/أيلول 2019.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، قاد "محمد العيسى" الأمين العام لـ"رابطة العالم الإسلامي" المُموّلة من السعودية، وفدا من كبار العلماء بصحبة ممثلين عن "اللجنة اليهودية الأمريكية" في زيارة غير مسبوقة لموقع معسكر "أوشفيتز" للإبادة الجماعية لليهود في بولندا.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، سافر مسؤولون من البحرين إلى مدينة نيويورك واستضافهم قادة الجالية اليهودية المحلية والتقوا بمنظمة "مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى". وشجع هؤلاء المسؤولون الاستثمار والسياحة اليهودية في البحرين وأكدوا قلقهم المشترك بشأن التهديد الإقليمي المشترك الذي تمثله إيران.
حماية المستبدين العرب
كما ذهبت شبكة النفوذ الإسرائيلية إلى أبعد الحدود للدفاع عن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بعد اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي"، وقام "جوش بلوك" الرئيس التنفيذي آنذاك لمجموعة الضغط "مشروع إسرائيل" على سبيل المثال، بالتغريد على "تويتر" واصفا "خاشقجي" بـ"حليف الإرهاب الإسلامي الراديكالي الذي كان مقربًا من أسامة بن لادن وتنظيم الدولة وحماس وأراد الإطاحة بالعائلة المالكة السعودية التي تعارض الإرهابيين المدعومين من تركيا وقطر، وكذلك حلفاء إيران".
وفي الوقت نفسه، سعت "أيباك" إلى حماية الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" على الرغم من قيادته للانقلاب العسكري عام 2013 والذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد.
وبالإضافة إلى تحجيم الانتقادات لسجل حقوق الإنسان الخاص بـ"السيسي"، فقد شنت المنظمة حملة ضغط لمنع واشنطن من خفض المساعدات العسكرية إلى القاهرة بسبب الانقلاب.
وكانت آخر الدول التي حظيت بدعم شبكة النفوذ الأمريكية، هما البلدان اللذان انضما مؤخرًا لاتفاقيات التطبيع مع تل أبيب؛ أيّ المغرب والسودان.
فقد حضر وزير الخارجية المغربي "ناصر بوريطة" مؤخرا مؤتمر "أيباك" وأعرب عن حماسة الرباط للانخراط مع إسرائيل والحاجة إلى مواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار.
وتفيد التقارير بأن إسرائيل قد ضغطت بشدة على إدارة "ترامب" للاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية مقابل تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
وبالمثل، كانت إسرائيل مؤثرة في إقناع إدارة "ترامب" بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل التطبيع ومارست ضغطًا كبيرًا على الكونجرس من أجل الموافقة على مشروع قانون كان من شأنه أن يمنح السودان الحصانة من الدعاوى القضائية المستقبلية في الولايات المتحدة من قبل ضحايا الإرهاب في الولايات المتحدة.
ويتجلى من هذه الأمثلة سعي المستبدين العرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى الاستفادة من شبكة إسرائيل في واشنطن من أجل أنظمتهم المحلية ومواقفهم الإقليمية.
وترى دول المنطقة أهمية خاصة للوصول لشبكة الضغط القوية هذه، في الوقت الذي ترغب فيه واشنطن في تقليل تواجدها العسكري في المنطقة.