ويليام هارتونج - ريسبونسيبل ستيتكرافت - ترجمة الخليج الجديد-
تسببت اتقاقات التطبيع بين إسرائيل من جهة والإمارات والبحرين والمغرب والسودان من جهة أخرى في ضجة كبيرة عندما بدأت شرارتها بالتوقيع الأول بين الإمارات وإسرائيل في سبتمبر/أيلول 2020.
ووصف "جاريد كوشنر"، صهر الرئيس الأمريكي آنذاك "دونالد ترامب"، اتفاقيات التطبيع بأنها نهج جديد لإحلال السلام والتعاون الاقتصادي في المنطقة وتحسين ظروف الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي التي تحتلها إسرائيل.
وأعرب آخرون عن مخاوفهم من أن الاتفاقات قد تصبح فقط مجرد مبرر لضخ المزيد من الأسلحة في المنطقة دون تقديم شيء لتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "مبيعات برنامج التجسس الإسرائيلي بيجاسوس لعبت دورا غير مرئي ولكنه حاسم في التفاوض على اتفاقيات التطبيع".
وعززت عملية البيع من قدرة الإمارات على مراقبة المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان في الداخل
واكتسب مستقبل التطبيع أهمية متجددة الآن حيث يجري تحرك في الكونجرس لتكريس الاتفاقات قانونيا في الولايات المتحدة من خلال قانون تطبيع العلاقات الإسرائيلية، أو ما يعرف بـ "قانون إيرنا"، الذي يمكن طرحه للتصويت في الأسابيع القليلة المقبلة.
وهناك الآن أيضا مؤتمرات حزبية تم تشكيلها حديثا حول اتفاقيات التطبيع في مجلسي النواب والشيوخ. لكن يجب على الأعضاء التفكير مليا قبل تقديم الدعم غير المشروط للاتفاقيات التطبيع وإلا فستصبح الولايات المتحدة متورطة مع شبكة من الأنظمة الاستبدادية في المستقبل المنظور، مع عواقب سلبية خطيرة على مصالح الولايات المتحدة في السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويأتي أحد المؤشرات على الطبيعة الحقيقية لـ"اتفاقات أبراهام" في تقرير جديد صادر عن "المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي"، وهو مركز أبحاث متشدد من المحافظين الجدد في واشنطن. وعمل على التقرير 8 ضباط عسكريين ودبلوماسيين سابقين، 7 منهم لهم صلات بصناعة الأسلحة، بما في ذلك الشركات التي باعت أسلحة أو قامت بأعمال تجارية مع الإمارات.
وكان التقرير صريحا وصادقا حول تداعيات الاتفاقية، مشيرا إلى أن "العامل الحاسم في نجاح إدارة ترامب هو استعدادها لتزويد المشاركين العرب في الاتفاقية بمحفزات مهمة فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، وشمل ذلك مبيعات الأسلحة إلى الإمارات".
وبالتوازي مع انضمام الإمارات إلى الاتفاقات، عرضت إدارة "ترامب" على أبوظبي صفقات أسلحة بقيمة 23 مليار دولار، بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز "إف-35" وطائرات مسلحة بدون طيار فضلا عن ذخائر بقيمة 10 مليارات دولار، وهذه بالطبع ليست أدوات سلام.
وأثارت صفقة الأسلحة رفضا داخل مجلس الشيوخ بـ46 و47 صوتا على التوالي، في إشارة إلى مدى الجدل الذي أحدثته.
وتعد صفقة الأسلحة الآن مقيدة بسبب زفض الإمارات للقيود التشغيلية المتعلقة بطائرات "إف-35". لكن وزير الخارجية الأمريكي "أنطوني بلينكين" قدم تأكيدات بأن واشنطن لا تزال ملتزمة بإنجاز الصفقة.
وتعتبر مبيعات الأسلحة المرتبطة بالاتفاقيات إحدى علامات الخطأ فيها. فلم يقتصر الأمر على تعزيز الوضع الراهن فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي وقمع الفلسطينيين، ولكنها تهدد أيضا بزيادة ربط الولايات المتحدة بشبكة من الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بطرق من شأنها تقويض قدرة إدارة "بايدن" أو أي رئيس مستقبلي على تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وهي خطوة طال انتظارها.
وهناك أيضا مخاوف من أن تعزز الاتفاقات كتلة معادية لإيران من شأنها أن تعمق الانقسامات في المنطقة وتزيد من احتمالات الحرب.
وتعد الإمارات الأكثر إثارة للقلق في هذا الترتيب، نظرا لسجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان وسلوكها المتهور في المنطقة.
وكانت الإمارات شريكا كاملا مع السعودية في حربها المدمرة في اليمن، التي أسفرت عن مقتل الآلاف من المدنيين في غارات جوية عشوائية وأسفرت عن مقتل نحو ربع مليون شخص آخر نتيجة لهذه الحرب. فضلا عن تدمير البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك الطرق والمرافق الصحية وحتى المدارس.
وحاولت الإمارات إخفاء دورها في الصراع من خلال تقليص وجود قواتها على الأرض، لكنها تواصل تسليح وتدريب وتمويل الميليشيات المتطرفة التي تورطت في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أثناء إدارتها لشبكة من السجون السرية.
وتصرفت الإمارات أيضا بعدم مسؤولية حيال الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة، حيث قامت بنقل الأسلحة الصغيرة والمركبات المدرعة إلى الميليشيات التي تدعمها، والتي يشمل بعضها أعضاء حاليين أو سابقين في "القاعدة في شبه الجزيرة العربية".
ولا يعتبر اليمن هو المكان الوحيد الذي شنت فيه الإمارات حربا تنتهك الأعراف الدولية والمصالح الأمريكية.
وتدخلت الإمارات في الحرب الأهلية في ليبيا لدعم أمير الحرب "خليفة حفتر"، في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وشنت غارات بطائرات بدون طيار أسفرت عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين. كما زودت الإمارات حكومة إثيوبيا بطائرات بدون طيار استخدمتها في الحرب الأهلية هناك.
وتشمل العلاقات المريبة الأخرى التي عززتها "اتفاقيات أبراهام" الروابط مع القوى المعادية للديمقراطية في السودان الذي جرى إزالته من قائمة الإرهاب الأمريكية مقابل التوقيع على الاتفاقية أيضا. وقد أيدت إدارة "ترامب" احتلال النظام المغربي للصحراء الغربية مقابل انضمام المغرب إلى الاتفاقات.
ونظرا لما يرتبط باتفاقات التطبيع من أخطار تهدد السلام والأمن وحقوق الإنسان، فليس هذا هو الوقت المناسب لمحاولة جعلها دائمة، ناهيك عن توسيعها.