دول » البحرين

ديون البحرين تتراكم: عبء ثقيل ومعالجات فاشلة

في 2022/06/29

​صباح نعوش- البيت الخليجي-

يستمر ارتفاع الديون الداخلية والخارجية في البحرين رغم المؤشرات المالية الإيجابية في الآونة الأخيرة. ويتضح هذا الارتفاع من خلال تحليل المعايير ذات العلاقة. يترتب على ذلك عدة تداعيات سلبية من بينها هبوط التصنيف الائتماني للدولة. فعلياً، أصبحت المديونية أزمة مستعصية على برنامج التوازن المالي،

وانتقل حجم الديون الحكومية من 3169 مليون دينار في نهاية عام 2011 إلى 14461 مليون دينار في نهاية عام 2021. خلال هذه الفترة ارتفع الحجم إذن بنسبة عالية معدلها السنوي 35%، واستمر الارتفاع في الربع الأول من العام الجاري 2022 فبلغ 14566 مليون دينار.

لكن الديون لا تُقاس بحجمها فقط بل كذلك بعلاقتها مع المؤشرات الاقتصادية. مجموع هذه العلاقات يبين العبء الحقيقي للديون وكذلك فاعلية الإجراءات المتخذة لمعالجتها. لمناقشة هذا الموضوع وضعنا المعايير الستة التالية:

المعيار الأول والأهم: نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي.

 في 2011 كانت هذه النسبة 29.1%، ثم اتجهت نحو التصاعد التدريجي لتصل إلى 114.5% في 2021. بمعنى يرتفع حجم الديون بمعدل أعلى من النمو. وسيستمر هذا الاتجاه في عام 2022. وتجدر الإشارة إلى وجود تقديرات أخرى تتجاوز هذه النسبة ومن بينها حسابات صندوق النقد الدولي.

وفق المعيار الخليجي المقتبس من منطقة اليورو تعتبر الديون مفرطة إذا تجاوز حجمها 60% من الناتج المحلي الإجمالي.

المعيار الثاني:الديون الفردية.

يمكن تقسيمه إلى فرعين: يتناول الفرع الأول مبلغ الديون العامة للفرد الواحد (حاصل قسمة حجم الديون على عدد السكان).

في 2011 بلغت مديونية الفرد 2438 دينارًا، ثم ارتفعت في 2022 إلى 8568 دينارًا.

ويخص الفرع الثاني علاقة الدين الفردي بالدخل الفردي. وهذه العلاقة هي بالضبط نفس علاقة حجم الديون الكلية بالناتج المحلي الإجمالي المذكورة في المعيار الأول. نلاحظ أن ديون البحريني تفوق دخله.

المعيار الثالث: علاقة فوائد الديون بمالية الدولة.

ارتفعت فوائد الديون ارتفاعاً هائلاً خلال العشر سنوات الماضية. فقد انتقلت من 115 مليون دينار في 2011 إلى 708 مليون دينار في 2021، أي بمعدل سنوي قدره 51.5%.

ويمكن تقسيم هذا المعيار إلى شطرين أيضًا:

يتناول الشطر الأول علاقة فوائد الديون بالإيرادات العامة. في 2022 قدرت فوائد الديون بمبلغ 757 مليون دينار، أي يجب رصد نصف إيرادات النفط والغاز لتمويلها.

أما الشطر الثاني فينصرف إلى علاقة فوائد الديون بالنفقات العامة. تبلغ هذه الفوائد حالياً ربع النفقات الكلية للدولة. في عام 2011 كانت الفوائد تعادل نصف نفقات وزارة التربية والتعليم، وفي 2022 أصبحت تساوي ثلاثة أضعاف نفقات هذه الوزارة.

المعيار الرابع: علاقة فوائد الديون بالاحتياطي النقدي.

وضعنا هذا المعيار لأن فوائد الديون صورة من صور الإنفاق العام. كلما ارتفعت الفوائد زادت إذن النفقات العامة وارتفع العجز المالي. قسط من هذا العجز يُمول عن طريق السحب من الاحتياطي النقدي، لذلك تفضي الفوائد إلى تقليص هذا الاحتياطي. يترتب على هذا السحب تداعيات سلبية ترتبط بالعملة والديون والاستثمار.

في عام 2011 كان حجم الاحتياطي النقدي 1773 مليون دينار وحجم الفوائد 115 مليون دينار، أي لا تشكل هذه الفوائد سوى 6.4% من الاحتياطي. في حين في عام 2021 بلغ حجم الاحتياطي 1950 مليون دينار والفوائد 708 مليون دينار، وهكذا أصبحت الفوائد تشكل 36.3% من الاحتياطي.

كي لا يقود ارتفاع الفوائد إلى استنزاف الاحتياطي النقدي تضطر السلطات العامة إلى اللجوء إلى المزيد من الاقتراض لتمويل الفوائد، عندئذ تزداد مرة أخرى الديون العامة.

المعيار الخامس: علاقة فوائد الديون بالصادرات.

ارتفعت هذه العلاقة بصورة كبيرة خلال الفترة المذكورة حتى وصلت الفوائد إلى 10.1% من مجموع الصادرات النفطية وغير النفطية. ومن المتوقع أن ترتفع في السنة الجارية 2022 إلى 10.7% رغم تحسن الصادرات النفطية.

المعيار السادس: علاقة الديون بفوائدها.

 في 2011 كانت الفوائد تمثل 3.6% من حجم الديون. ثم ارتفعت النسبة إلى 5.2% في 2022.

ونلاحظ أن حجم الديون الخارجية يعادل تقريباً حجم الديون الداخلية، لكن الفوائد على الديون الخارجية أعلى بكثير من الفوائد على الديون المحلية. الأمر الذي يشير إلى ارتفاع أسعار القروض الخارجية بسبب تدهور الوضع المالي للبلاد.

نستنتج مما تقدم أن المديونية أزمة خطيرة في البحرين أدت إلى تدهور الحالة الاقتصادية. وبسبب ضعف المقدرة المالية تضطر المنامة إلى الاعتماد على المساعدات الخليجية الممنوحة من قبل السعودية والإمارات والكويت. وهذه المساعدات ضرورية ليس فقط للقيام بالإصلاح الاقتصادي بل كذلك لأسباب تتعلق بالوضع السياسي للبلاد. ولكن أهمية هذه المساعدات لا تلغي تردي الوضع المالي الذي أدى إلى تراجع التصنيف الائتماني.

تدهور التصنيف الائتماني

تهتم الدول بهذا التصنيف لارتباطه الوثيق بثقة المستثمرين بالمالية العامة وبعبء المديونية الخارجية.

هنالك على الصعيد العالمي ثلاث وكالات كبرى متخصصة بالتصنيف الائتماني الدوري: موديز وفيتش وستاندرد آند بورز. تعتمد كل وكالة على سُلم يتكون من 21 درجة، ينخفض التصنيف أو يرتفع بانخفاض أو ارتفاع الدرجة. وتبني هذه الوكالات قراراتها على عدة مؤشرات منها حالة الميزانية العامة ومستوى الاحتياطي النقدي وحالة ميزان المدفوعات وحجم الديون وأهمية الاستثمارات الأجنبية والمساعدات الخارجية وكذلك السياسة المالية المعتمدة من قبل السلطات العامة.

ستاندرد آند بورز: في إبريل 2006 منحت “أي” للبحرين وهي الدرجة السادسة في سلمها. ثم توالت الانخفاضات حتى وصلت في 26 نوفمبر 2021 إلى “بي زائد” وهي الدرجة رقم 14 في السلم.

موديز: قررت منح “أي 2” للبحرين في 6 يناير 2009 أي الدرجة السادسة في سلم هذه الوكالة، لكنها هبطت لتصل في 22 إبريل 2022 إلى “بي2” وهي الدرجة رقم 15 في سلمها.

فيتش: في 17 أغسطس 2006 كانت الدرجة للبحرين “أي ناقص” وهي السابعة، ثم انخفضت في 28 مارس 2022 إلى “بي زائد” وهي الدرجة رقم 14 في السلم.

وهكذا انتقل التصنيف الائتماني للبحرين من درجات مرموقة إلى أخرى متدنية. نجم هذا التقهقر حسب تلك الوكالات عن عدم وضوح السياسة المالية للدولة وتراجع إمكاناتها المالية وصعوبة سداد الديون. وكان من الممكن أن يهبط التصنيف إلى درجات أدنى لولا المساعدات المالية الخليجية.

عند مقارنة البحرين بدول المنطقة نجد أن الدرجات الممنوحة حالياً لهذه الدول تفوق بكثير تلك التي حصلت عليها البحرين. وفق آخر التصنيفات حصلت السعودية والكويت وقطر والإمارات على الدرجات السادسة والخامسة والرابعة والثالثة على التوالي. لا تختلف درجة البحرين عن تلك الممنوحة لمصر والأردن، لكنها أعلى بكثير من الدرجات المتدنية المقررة للعراق وإيران.

يترتب على هذا الهبوط تراجع ثقة المستثمرين الأجانب بمقدرة البحرين على احترام التزاماتها المالية. وهذا أمر خطير لارتباطه بحسابات ميزان المدفوعات والتنمية الاقتصادية. كما يقود هذا الهبوط إلى ارتفاع تكلفة التمويل الخارجي حيث تصبح شروط الاقتراض أكثر صعوبة خاصة أسعار الفائدة التي شهدت ارتفاعا في الآونة الأخيرة.

هبوط التصنيف الائتماني سبب ونتيجة لتفاقم الديون الخارجية في البحرين. كما نستنتج من الإصدارين الأول والثاني من برنامج التوازن المالي عدم وجود إمكانية بل ورغبة حقيقية لتخفيف عبء المديونية.

برنامج التوازن المالي

بما أن الديون ناجمة عن توالي عجز الميزانية، لذلك لا يمكن معالجتها إلا عن طريق إصلاح يتصدى لهذا العجز. وهكذا تم إطلاق “برنامج التوازن المالي” في 2018 الذي يهدف إلى تصفير عجز الميزانية بحلول عام 2022. تضمن البرنامج عدة إجراءات تتناول زيادة الإيرادات وتقليص النفقات.

كما تطرق مباشرة إلى الديون فقرر استهداف نسبة قدرها 82% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2022. هذه النسبة مرتفعة مقارنة بالمعيار المقبول في بلدان مجلس التعاون وهو 60% كما ذكرنا آنفا. وعلى هذا الأساس ومن هذه الزاوية لا يعالج البرنامج أزمة المديونية.

حدثت أيضًا، تطورات جديدة غيرت موعد وحجم الاستهداف. ففي منتصف عام 2021 قررت المنامة تعديل البرنامج تحت تأثير وباء كورونا. أصبحت سنة الاستهداف في هذا الإصدار الثاني من البرنامج 2024، كما ارتفعت نسبة الديون المستهدفة إلى 104.1% من الناتج المحلي الإجمالي.

والواقع لو كان هذا الوباء هو السبب الأساس الذي أدى إلى التعديل لكان من المنطقي والأحسن أن تكون سنة الاستهداف 2023 وليس 2024، وأن تكون النسبة في حدود المعدل المقبول. فقد شهد النصف الأول من العام الجاري 2022 عدة مؤشرات إيجابية تدل على إمكانية تحقيق الإصلاح. فارتفعت أسعار النفط والغاز بمعدلات عالية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وسجل الميزان الجاري وللمرة الأولى منذ عدة سنوات فائضاً مهمًا. وقررت الدولة في مطلع العام الجاري زيادة سعر ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 10% وما يترتب على ذلك من مضاعفة حصيلتها.

البرنامج لم يُعدل إذن لتقليص ثقل المديونية بل للحد من تفاقمه. فهو يشير إلى نسبة مستهدفة قدرها 104.1% من الناتج المحلي الإجمالي في حالة تطبيق تلك الإجراءات المتعلقة بالإيرادات والنفقات. أما إذا لم تطبق فسوف ترتفع النسبة إلى 122.6%.

البرنامج لا يعالج المديونية على النحو المتعارف عليه، بل يحاول تجنب تفاقمها. وحتى في هذا الميدان لا يستطيع تحقيق ذلك لأن تصاعد المديونية خاصة بسبب ارتفاع الإنفاق العسكري يفضي إلى منح المزيد من المساعدات الخليجية.

تستوجب معالجة الديون في البحرين إصداراً ثالثاً لبرنامج التوازن المالي، يتناول الضغط الشديد على النفقات غير الإنتاجية وفي مقدمتها المصروفات العسكرية التي تسهم مساهمة فاعلة في العجز المالي وبالتالي في تراكم الديون.