دول » البحرين

جيوبوليتكال: لهذه الأسباب لن يرى الناتو الشرق أوسطي النور

في 2022/07/12

هلال خاشان- جيوبوليتكال فيوتشرز – ترجمة الخليج الجديد-

قبل أسابيع، أعلن العاهل الأردني الملك "عبدالله الثاني" دعمه لتشكيل تحالف عسكري شرق أوسطي على غرار "الناتو". ويعود الاهتمام بتأسيس تحالف عسكري إقليمي إلى سنوات الحرب الباردة عندما ساعدت المملكة المتحدة في إنشاء حلف بغداد عام 1955، الذي انهار بعد 3 سنوات في أعقاب الانقلاب على النظام الملكي بالعراق.

ويعد هذا مجرد مثال واحد على المحاولات العديدة للتعاون العسكري الإقليمي، التي تعثرت على مر السنين. وكان أحدث هذه المحاولات اقتراح الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" في عام 2017 إنشاء تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط على غرار حلف "الناتو".

ورغم أن هذا التحالف لم ير النور حتى الآن، استمرت الجهود لحث قادة المنطقة على الاتفاق على ترتيب أمني تعاوني.

وفي مارس/آذار الماضي، استضافت شرم الشيخ ضباطا عسكريين من الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن ومصر والإمارات؛ لتقييم تهديد الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار الإيرانية.

وفي الآونة الأخيرة، عقد وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكين" اجتماعا مع نظرائه من نفس البلدان والمغرب لمناقشة القضايا الأمنية قبل زيارة الرئيس "جو بايدن" إلى المنطقة في منتصف يوليو/تموز، لكن من غير المرجح أن يكون أداء "بايدن" أفضل من أسلافه.

إن العداء العميق وعدم الثقة والخلاف حول تصور التهديدات الخارجية يحول دون أي شكل من أشكال التعاون ناهيك عن إبرام اتفاق عسكري.

وقد فشلت الدول العربية مرارا في التنسيق خلال اللحظات الحاسمة للصراع الإقليمي. على سبيل المثال، فشلت الجيوش العربية في حرب عام 1948 في تنسيق خططها مما ساعد في انتصار إسرائيلي حاسم.

وفي عام 1950، تبنت الدول العربية معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، وأسسوا قيادة عسكرية عربية موحدة، ظلت غير نشطة حتى عام 1964 عندما قرروا في قمة عربية تحويل روافد نهر الأردن وإرسال قوات سورية وعراقية إلى لبنان والأردن لحماية مواقع التحويل, وحينها رفض كلا البلدين قبول وحدات عسكرية عربية على أراضيهما.

لكن عشية حرب الأيام الستة عام 1967، وقع العاهل الأردني الملك "الحسين بن طلال" اتفاقية دفاع مع مصر وعين ضابطا مصريا لقيادة الجيش الأردني، وسمح لفرقة من الجيش العراقي بدخول الأردن وأمر الجيش الأردني بقصف مواقع إسرائيلية في القدس الغربية.

وفعل الملك "الحسين" ذلك بالرغم من تأكيدات رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "ليفي إشكول" بأن إسرائيل لن تستولي على الضفة الغربية إذا لم يشرع الجيش الأردني في "الأعمال العدائية". وكان الملك "الحسين" قد خلص إلى أن حكم مملكته سيكون أسهل بدون الضفة الغربية، معتبرا أن الشعب الفلسطيني رفض الهاشميين واغتال جده الملك "عبد الله الأول" عام 1951.

وفي عام 1973، خاضت مصر وسوريا حربا ضد إسرائيل دون صياغة استراتيجية مشتركة للحرب.

وأراد الرئيس المصري "أنور السادات"، آنذاك، صراعا محدودا لإقناع الولايات المتحدة بتنفيذ قرار للأمم المتحدة يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967. وفي المقابل، اعتقد الرئيس السوري "حافظ الأسد" أنه يستطيع استعادة مرتفعات الجولان. ونتيجة الأهداف المختلفة والافتقار إلى التنسيق، تمكنت إسرائيل من التقدم حتى بات يفصلها عن دمشق 40 كيلومترا فقط.

وخوفا من الهيمنة الإيرانية والعراقية، سعى مجلس التعاون الخليجي إلى إنشاء قوة عسكرية للدفاع عن الدول الأعضاد في المجلس ضد المنتصر في الحرب الإيرانية العراقية. وفي عام 1984، شكلوا قوة "درع الجزيرة" المتمركزة بالقرب من الحدود السعودية العراقية. ومع ذلك، فإن الخلافات الداخلية، خاصة حول نشر القوات، جعلت هذه القوات لم تتجاوز أبدا 4000 جنديا، وفشلت في منع العراق من غزو الكويت عام 1990.

وفي إعلان دمشق، الذي صدر بعد فترة وجيزة من طرد العراق من الكويت، تعهدت سوريا ومصر بتقديم قوات عسكرية للدفاع عن دول مجلس التعاون الخليجي ضد التهديدات الخارجية. لكن السعودية والإمارات لم تكترثا بالإعلان، وشرعتا في خطط منفصلة لبناء جيشين خاصين بهما بمساعدة الغرب. وكان الدافع وراء ذلك هو عدم الثقة في نوايا مصر وسوريا.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2013، أعلن أعضاء مجلس التعاون الخليجي إنشاء قيادة عسكرية موحدة تشرف على 100 ألف جندي نصفهم من السعودية. وبعد 3 أشهر، استدعت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر؛ للاحتجاج على سياستها الخارجية، مما أدى إلى إلغاء مقترح القيادة العسكرية الموحدة.

وفي عام 2015، أطلقت السعودية والإمارات عملية "عاصفة الحزم" ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. وعرضت 7 دول عربية المشاركة في المجهود الحربي، لكنها سرعان ما سحبت مشاركتها. وفي عام 2019، انسحبت الإمارات أيضا من الحرب، واختارت الاعتماد على الجهات المحلية التابعة لها لتحقيق أهدافها. وواصلت السعودية الحرب بمفردها، معتمدة على قوات الجيش اليمني والمرتزقة الأفارقة وقوتها الجوية.

وفي عام 2016، دعت السعودية 20 دولة إسلامية للمشاركة في تدريب عسكري أطلق عليه اسم "رعد الشمال" بالقرب من الحدود الكويتية، على بعد أقل من 400 كيلومتر من مدينة عبدان الإيرانية. واستمرت التدريبات الرمزية لمدة شهر تقريبا، وشملت دولا لا علاقة لها بسياسات الشرق الأوسط، مثل ماليزيا والسنغال وجزر المالديف وموريشيوس. بعد عام واحد، أصبحت، قطر هدفا لحصار استمر 3 سنوات بقيادة السعودية ومصر والبحرين.

ويعد أحد معوقات التعاون بالنسبة للدول العربية هو الموقف من إيران. وتدرك دول مجلس التعاون الخليجي والأردن أن بإمكان طهران زعزعة استقرار أنظمتها بالرغم أنها أبدت استعدادا للتعاون مع أنظمة معينة بغض النظر عن توجهاتها الأيديولوجية. وفي مواجهة هذا الواقع، حافظت بعض دول المنطقة، بما في ذلك عمان وقطر والكويت والإمارات، على درجات متفاوتة من الشراكة مع إيران.

وفي كل مرة تقترب الإمارات من إسرائيل، ترسل مسؤولا رفيع المستوى إلى طهران لطمأنة القيادة الإيرانية بأنها لن تسمح للقوى الأجنبية بشن هجمات على إيران من أراضيها. ولطالما دعا حاكم دبي إلى تخفيف العقوبات على طهران. وفي الوقت نفسه، فإن مصر ودول شمال أفريقيا، التي تتباهى بامتلاكها أقوى جيوش عربية، لا تنظر إلى إيران كعدو، ومن غير المرجح أن تنضم إلى تحالف يعتبرها تهديدا.

ومع ذلك، فإن هناك دولا أخرى تعتبر إيران تهديدا أمنيا كبيرا. ويفسر ذلك سبب اعتبار الأردن للوجود العسكري الروسي في سوريا قوة استقرار ضد كل من الحركات الإسلامية الراديكالية ووكلاء إيران بالقرب من حدودها الشمالية، لكن حرب أوكرانيا تسببت في انسحاب القوات الروسية من جنوب غرب سوريا واستبدالها بالمليشيات الموالية لإيران. ومع ذلك، يتجنب الأردن انتقاد إيران بشكل علني، ويلقي ذلك بظلال من الشك على دعمه لتحالف إقليمي يستهدف إيران.

هناك عائق آخر أمام التحالف الأمني الإقليمي هو حقيقة أن الدول العربية تعتمد منذ فترة طويلة على ضامنات أمنية خارجية. ومنذ القرن التاسع عشر حتى استقلالها بين عامي 1961 و1971، كانت 5 من دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد على لندن للدفاع عنها كمحميات بريطانية. في غضون ذلك، توصل السعوديون إلى ترتيب أمني استراتيجي مع الرئيس الأمريكي "فرانكلين روزفلت" في عام 1945.

ومنذ عام 2015، اقترحت الولايات المتحدة دمج أنظمة الصواريخ الباليستية في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديث أجهزتها الأمنية، وإجراء المزيد من التدريبات العسكرية المشتركة، وتحسين قدراتها في مكافحة الإرهاب، لكن دول الخليج تفضل التدخل الغربي المباشر. وفي السنوات الأخيرة، منح أعضاء في مجلس التعاون الخليجي عدة دول، خاصة الولايات المتحدة، الحق في إنشاء قواعد عسكرية على أراضيها.

ولا يثق أفراد العائلة المالكة السعودية في قدرة قواتهم المسلحة على الدفاع عن البلاد ضد التهديدات الخارجية، حتى ضد المليشيات مثل الحوثيين أو قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران. وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، أنفقت الرياض مئات المليارات من الدولارات على المشتريات العسكرية، لكنها ما تزال بلا جيش مقاتل. وفي عام 2015، طالبت السعودية إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "بارك أوباما" بالتزام رسمي بالدفاع عنها ضد إيران، وهو ما لم تحصل عليه.

وبالرغم أن الولايات المتحدة تعرب في كثير من الأحيان عن تصميمها الثابت على الدفاع عن السعوديين ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، إلا أنها تريد في النهاية الحفاظ على التوازن الإقليمي في الخليج، وليس هزيمة إيران.

بالإضافة إلى ذلك، لا يحترم كبار المسؤولين الأمريكيين القيادة السعودية؛ فقد أصدر آخر 3 رؤساء أمريكيين تصريحات سلبية بشأن المملكة، ووصف "أوباما" السعوديين بأنهم "طفيليون"، وأخبر "ترامب" الملك "سلمان" أنه لن يستمر في منصبه لمدة أسبوعين دون دعم الولايات المتحدة، وقال "بايدن" إن "السعودية لا تمتلك قيمة اجتماعية".

أما بالنسبة لإسرائيل، فلا دليل يشير إلى أنها مهتمة بأكثر من العلاقات التبادلية مع الإمارات والسعودية، بالرغم من الضجة التي اندلعت مع موجة التطبيع الأخيرة. وقد تكون إسرائيل حريصة على بيع أنظمة مضادة للصواريخ إلي دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز العلاقات التجارية، ولكن من المستحيل أن تنخرط إسرائيل في حرب مع إيران نيابة عن العرب.

ويدرك السعوديون أن تأمين التزام أمريكي أكثر أهمية لحمايتهم ليس بديلا عن تحسين العلاقات مع إيران. وبالرغم من المحادثات الجارية بين الرياض وطهران، فإن انعدام الثقة سيعيق أي اتفاق عملي بينهما. بالإضافة إلى ذلك، لن تطبع السعودية علاقاتها مع إسرائيل حتى يخلف ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" والده. وحتى مع ذلك، فإن السعوديين ليس لديهم أوهام بشأن قيام إسرائيل بمنحهم ضمانات أمنية تتجاوز ما تقدمه واشنطن.

وإجمالا، فإن تشكيل التحالفات العسكرية يأتي لمعالجة مخاوف أمنية محددة واضحة لجميع الدول المشاركة، لكن التحولات المتكررة في السياسة في المنطقة العربية ستظل عائقا أمام تشكيل تحالف أمني مستقر ودائم.