العربي الجديد-
شهدت المنطقة العربية تحسنا مستمرا في العلاقة مع الكيان الصهيوني خاصة بعد فشل ثورات الربيع العربي، إذ مثلت صفقة القرن في العام 2018 حدثاً مفصلياً أدى إلى انطلاق قطار التطبيع الإقليمي، وأحدث نقلة نوعية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، وفرض تسويات لا تتضمن أي استحقاقات فلسطينية؛ القدس واللاجئين والحدود والمسائل الأمنية، وفق الطروحات الإسرائيلية الجديدة الاقتصاد مقابل السلام، والهدوء مقابل السلام.
مر عامان على توقيع اتفاقات التطبيع؛ بين الدول العربية والكيان الصهيوني، المعروفة بـ"اتفاقيات أبراهام"، التي صاحبها الكثير من الاتفاقيات الثنائية في كافة المجالات الدبلوماسية والاقتصادية؛ تجارية وزراعية وتكنولوجية والأمنية، إذ لم تقتصر الاتفاقيات الثنائية على تجارة الأسلحة والتجهيزات والعسكرية، بل عبرت عن تحالف استراتيجي.
دفعت التطورات التي تشهدها المنطقة، من توسع النفوذ الإيراني، وبروز روسيا لاعباً مؤثراً في المنطقة، والانسحاب العسكري النسبي الأميركي من الشرق الأوسط، إلى مسارعة الجانب العربي نحو التحالف مع إسرائيل؛ الدول الخليجية والسودان والمغرب ومصر والأردن، من المتوقع اتصال دول عربية أخرى مع الجانب الإسرائيلي من أجل تعزيز التعاون الثنائي الاقتصادي والأمني.
أثار التحالف الاستراتيجي دهشة الإسرائيليين أنفسهم، بسبب سرعة استجابة الأطراف الإقليمية في تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني والعسكري مع إسرائيل، الذي فتح المجال أمام إسرائيل كي تمارس دوراً إقليمياً محورياً، مستندةً إلى تفوقها العسكري والتكنولوجي وإلى الدعم الأميركي غير المشروط.
لم تقتصر تلك الاتفاقية على الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، بل عززت دول أخرى علاقاتها مع العدو الإسرائيلي؛ مصر وتركيا، اللتان شعرتا بضرورة انضمامهما لتلك الاتفاقيات، رغم علاقاتهما السابقة وتعاونهما الاقتصادي والعسكري مع الدولة العبرية، كي تعززا من دورهما الجيوسياسي في المنطقة، التي تعاد صياغتها من جديد.
كان فتح المجال الجوي السعودي أمام الرحلات الجوية الإسرائيلية؛ خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن في مارس/آذار 2022، بداية دخول السعودية لاعباً أساسياً في قطار التطبيع الإقليمي مع إسرائيل. وكذلك مثل تأسيس منتدى النقب الاقتصادي، الذي حضره رؤساء وزراء الدول العربية المطبعة، حجر أساس اقتصاديا يعزز التحالف العربي الإسرائيلي الجديد.
في يوليو/حزيران الماضي صدر تقرير معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب؛ تقرير هرتسليا لعام 2022، تضمن عدة أوراق بحثية منها ورقة الباحثين الإسرائيليين مئير من شبات وديفيد أهرونسون، رصدت الورقة التطورات التي رافقت قطار التطبيع الإقليمي المتسارع مع دولة "إسرائيل"، والتحديات التي يمكن أن تواجه الدولة العبرية.
رغم التفاؤل الذي ينتاب الساسة والأكاديميين الإسرائيليين تجاه التطبيع الإقليمي؛ الأخذ في التقدم بوتيرة غير مسبوقة، تشير بعض التقارير الإسرائيلية إلى محدودية نتائجه الاقتصادية والمالية، لذلك على إسرائيل العمل على إيجاد طرق تجارية برية بينها وبين دول الخليج من جهة، وتعزيز علاقات الدول المطبعة التجارية مع دول أوروبا عبر الكيان الصهيوني من جهة ثانية.
كما يرى الإسرائيليون أنه من أجل استكمال التحالف الاستراتيجي العربي الإسرائيلي، على إسرائيل تجاوز العقبات السياسية والأمنية داخل الأراضي المحتلة، فلا يكفي التزام الدول العربية سياسة الاحتواء التي مارستها أثناء العدوان على غزة؛ كما حدث في الاعتداءين الأخيرين 2021 و2022، وكذلك في مواجهة الاحتجاجات المستمرة في القدس، بل عليها الإسراع إلى تعزيز المشاريع الإقليمية مع مصر ودول الخليج داخل قطاع غزة، من أجل احتواء الحركة الإسلامية في قطاع غزة والضفة الغربية.
"استقرار المنطقة" هو هدف الدولة العبرية الرئيسي، كي يتحقق لها تعزيز التحالف العربي الإسرائيلي، وكي تصبح لاعباً استراتيجياً في المنطقة، لذا عليها العمل على حماية الأنظمة في دول الخليج العربي من تنامي الدور الإيراني، وضمان استقرار النظم الحاكمة في مصر والأردن، وضمان استمرارية بقائهم تحت مظلة الدعم الأميركي في مواجهة الدور الروسي والصيني المتنامي، وتعزيز الدور التركي وتنامي نفوذه لسيطرته على مسارات الغاز في البحر المتوسط، وتعزيز دوره الاقتصادي والأمني في تلك المرحلة.
على ما يبدو سوف تزداد وتيرة تطبيع الدول العربية يوماً بعد يوم، كما تسرع التغييرات الدولية والإقليمية من وتيرة إنشاء تحالف إقليمي، تكون فيه إسرائيل لاعباً رئيساً يقود هذه المنطقة. في حين يواصل الفلسطينيون وحدهم دفع ثمن التحالف الجديد؛ خاصة في ظل قيادة فلسطينية ضعيفة ومنهكة وغير فاعلة، لكنهم بمقاومتهم واحتجاجهم ضد السياسات الاستعمارية الإسرائيلية قادرون على قلب المعادلة الإسرائيلية، أي لن يتحقق استقرار وأمن الدولة العبرية والدول العربية طالما هناك حقوق فلسطينية لم تسترد.