سناء أحمد إبراهيم-
انطوت صفحة الانتخابات النيابية في البحرين، من دون أن ينطوي عهد الأزمة السياسية في البلاد. بالنسبة إلى المعارضة، لا تغيير منتظَراً في الأفق، سوى مزيد من العزل السياسي وتغوّل في التطبيع مع العدو الإسرائيلي. وفي انتظار تحوُّل ما في الصورة القاتمة هذه، لا يبدو قريباً، يستمرّ المُعارضون في إعلاء صوتهم في الخارج، وتعبئة جهودهم - بقدْر ما يستطيعون - في الداخل، على أمل إحداث خرق في المشهد
بغياب مختلف أطياف المعارضة، أجرى النظام البحريني انتخابات في 12 تشرين الثاني الحالي، وصفتْها الأولى بأنها «غير دستورية وصُورية». وعلى رغم هذه المقاطعة، أعلنت السلطات، عقِب إتمام عملية الاقتراع، أن نسبة المشاركين في التصويت بلغت 73%، وهو ما يَعدّه رئيس المكتب السياسي لـ«ائتلاف ثورة 14 فبراير»، إبراهيم العرادي، «بعيداً عن الواقع بتاتاً»، وفق ما يقول في حديث إلى «الأخبار». ويستدلّ العرادي على صحّة توصيفه هذا، بحجم الفئات الممنوعة من التصويت، موضحاً أن «النظام عَزل أكثر من 150 ألفاً ومسَح أسماءهم من السجلّ الانتخابي، فيما ثمّة أعداد كبيرة من المهجَّرين والمُسقَطة جنسياتهم لم يُتَح لهم الانتخاب، فضلاً عن أولئك الذين لم يقترعوا في الانتخابات الماضية عام 2018، وتمّت معاقبتهم بشطبهم من السجلّات ومنعهم من المشاركة في هذه الدورة، وأعداد هؤلاء ليست بقليلة». وكانت انتشرت مقاطع عبر وسائل التواصل الاجتماعي تُوثّق صدمة قاضية في أحد مراكز الاقتراع، حين قَدِمت إليه لإعلان النتيجة، ليتمّ بإخبارها بأن هذه الأخيرة باتت منشورة في الصحف الرسمية، لتُجيب بأنها لم تُخبر أحداً بها وبأنها هي من يجب أن تُعلنها. وفي هذا الإطار، يَلفت العرادي إلى أن «قُضاة المراكز الذين هُم أوّل مَن يعلم بالنسبة لتصديرها إلى الإعلام أو للجنة المختصة، فوجئوا بالنتائج منشورة في الصحف، وهذا دليل على أن النسبة مبيَّتة، وأن النظام انتظر لحظة إقفال الدوائر فقط لإعلانها».
والواقع أن هذه الظواهر ليست مستغرَبة، بل هي طبيعية في سياق عملية موسومة بالعزل السياسي، على رغم حشْد السلطات مختلف إمكاناتها لإظهارها بصورة ديموقراطية تعدّدية. وبحسب الأرقام الرسمية، فقد «صوّت ناخبو البحرين، وعددهم 344 ألفاً و713 ناخباً، في 15 مركزاً عامّاً و40 مركزاً فرعياً، لاختيار 40 نائباً و30 عضواً في المجالس البلدية، من أصل 507 مرشّحين، منهم 94 مرشّحة». إلّا أن العرادي يشير إلى أن «أكثر من ثلاثة أرباع شعب البحرين مُقْصَون من الحق السياسي والعملية الديموقراطية»، معتبراً الأرقام المعلَنة دليلاً على «فشل النظام»، ولافتاً إلى «مسارعة السلطة إلى إغلاق بعض الدوائر الانتخابية والمراكز قبل الوقت المحدَّد بسبب قلّة الإقبال». ويرى أن «الخلية التي تدير التجنيس السياسي والتغيير الديموغرافي، والغرف السُّود التي تدير التوحّش في البحرين، تريد إثبت ديموقراطيّتها، خاصة بعد فشل الأهداف السياسية المُتوخّاة من خلال زيارة البابا، وانقلاب نتائجها على عكْس ما يريد الحُكم». في المقابل، استطاعت المعارضة، التي اصطفّت خلْف دعوة الشيخ عيسى قاسم إلى المقاطعة، «تعرية ضعف النظام»، بحسب العرادي، الذي يتحدّث عن «إجبار العديد من الأُسر البحرينية على التصويت، من خلال تهديد أبنائها بالفصل من العمل والمنع من السفر».
ليست هذه المرّة الأولى التي تُقاطع فيها المعارضة استحقاقاً انتخابياً
وليست هذه المرّة الأولى التي تُقاطع فيها المعارضة استحقاقاً انتخابياً؛ إذ سبق لها أن قاطعت انتخابات 2018، وقبْلها انتخابات 2014 إثْر اعتقال الأمين العام لـ«جمعية الوفاق» علي سلمان، وانتخابات 2011 عقِب اندلاع الأزمة السياسية، وأيضاً انتخابات 2002 احتجاجاً على الانقلاب على ميثاق العمل الوطني والذي أنتج سلطة تشريعية عديمة الصلاحيات. وبرّرت جمعيّتا «الوفاق» و«العمل الإسلامي» و«تيّار الوفاء الإسلامي» و«ائتلاف 14 فبراير» وحركة «أحرار البحرين الإسلامية» وحركة «الحريات والديمقراطية» (حق)، قرارها هذه المرّة، بـ«عدم وجود دستور عَقدي في البلاد، وتصرُّف الحاكم وفق أهوائه السياسية»، معتبرةً أن «النظام يستثمر هذه العملية لمزيد من الاستبداد والتسلّط ومصادرة الإرادة الشعبية والاستحواذ على الثروة، ولمزيد من التطبيع مع الصهاينة والجرائم الماسّة بحقوق الإنسان وتغوّل الفساد». كذلك، بادرت بعض قوى المعارضة إلى اقتراح مشروع دستور جديد للبلاد، على اعتبار أن الدستور المعمول به منذ عام 2002، «مفروض على الشعب بحُكم انقلاب على الدستور العقدي الأول الذي تمّ وضعه في مجلس تأسيسي منتخَب في عام 1973». وخلال مؤتمر في لندن نظّمته «أحرار البحرين» و«14 فبراير» و«الحريات والديموقراطية»، أُطلقت وثيقة بعنوان «الإعلان الدستوري»، تتضمّن «خارطة طريق وطنية»، وتقترح إجراء «استفتاء شعبي حرّ يَنتج منه مجلس تأسيسي». وفي هذا الإطار، يؤكد العرادي أن «المعارضة البحرينية تُواصل طريقها، ووحدتها واضحة»، معتبراً أن «الذين وصلوا من خلال الانتخابات الأخيرة إلى البرلمان هُم معيَّنون لا منتخَبون، وظيفتهم التطبيل، وتمرير قوانين الاضطهاد الطائفي ومراسيم الإعدام، خصوصاً أنه بموجب التعديل الأخير في القانون لا تحقّ لهم محاسبة أيّ فرد في الحكومة».
شعبياً، سُجّلت استجابة كبيرة لدعوة المعارضة إلى المقاطعة، فيما خرجت تظاهرات في أنحاء مختلفة، استنكاراً لاستمرار سياسات الاضطهاد، ومُواصلة النظام خطوات التطبيع مع العدو الإسرائيلي، حيث رَفع المتظاهرون شعار «بصوتك تطبّع». ويرى العرادي أنه «مع منْع النظام وجود المعارضة، فإن التظاهرات اليومية تثبت عدم شرعيّته، فيما لو أنه يَسمح بمسيرة واحدة مرخّصة، لخرجَت كلّ البحرين رافضةً الحُكم الاستبدادي وانتخاباته».