ذي إيكونوميست - ترجمة الخليج الجديد-
"لماذا توقفنا؟.. كنّا معاً، وكان زمناً جميلاً".. بهذه الكلمات سألت البحرينية "مريم" حارس مقام شيعي في بلادها عن سبب توقف المواطنين من أهل السنة عن زيارة المقام، في علامة على ما أحدثه الانقسام السني الشيعي مع صعود المد الإيراني بالمنطقة.
ذهبت "مريم"، ولأول مرة منذ طفولتها، إلى مقام "النبي صالح" في جزيرة صغيرة تقع قبالة شواطئ المنامة، عاصمة البحرين، وأمسكت الغطاء الأخضر الذي يغطي الضريح، الذي يعود إلى القرن الرابع عشر، وتحمل الجزيرة اسمه، باحترام وتبجيل.
توقفت عند نبع المياه الذي كانت عائلتها تشوي عنده لحم الأضحية، وتذكرت طعم التمر الحلو من البستان، ونظرت إلى الأمواج الملتفّة حول الجزيرة، حيث كانت تسبح، وهي ذكريات اختفى كثير منها فالبحر ملوث بمياه الصرف الصحي، والنبع جفّ، وحلَّ محل بستان التمر موقف للسيارات، وتوقفت العائلات السنية، مثلها، عن زيارة المقام، حسبما أوردته "ذي إيكونوميست".
وعلقت المجلة البريطانية بأن البحرين، ومنذ الثورة الإسلامية 1979 التي هزت إيران وهدّدت عروش شيوخ الملكيات السنية على الجانب الآخر من الخليج، كانت على خط الصدع في الانقسام السني الشيعي. وهي الدولة الوحيدة، من بين 6 أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، التي يتفوق فيها الشيعة على السنة من ناحية التعداد السكاني.
وبعد سيطرة آيات الله على حكم إيران، أصبحت البحرين محصورة بشكل غير مريح بين عدوين أيديولوجيين، هما إيران والسعودية، إذ حاول كل من السنة والشيعة الحصول على النجدة من "الأخوين الكبيرين"، وتبادلا الاتهامات أحياناً بالكفر، ورفض مشايخ السنة المتشددين المقامات واعتبروها ضد التوحيد.
لكن المشاعر الطائفية خفت على ما يبدو بعدما كممت السعودية الإسلاميين المتشددين، وبدأت مشروعاً "علمانياً"، حسب وصف المجلة البريطانية، مشيرة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة، الراعي الآخر للبحرين، حظرت الأحزاب الإسلامية، ودعت الدول الجارة لعمل الأمر نفسه.
كما نوهت المجلة إلى أن الأحزاب الإسلامية السنية في البحرين لم تحقق نتائج في الانتخابات الأخيرة، مشيرة إلى مؤشرات على أن "المشيخة السنية" في البحرين بدأت تتخلى عن طائفتيها.
وأضافت أن الكثير من الشبان الشيعة يريدون أن تكون مرجعياتهم الدينية على المنوال ذاته، وأن تسمع صرخات المحتجين المطالبة بإسقاط الحكومة في إيران، ولا تتبع أوامر إيران.
ولهذا تشعر مرجعيات الشيعة في البحرين بالضغوط التي تدفعها لعدم البقاء تحت التأثير الإيراني، و"ربما يعزز ذلك الانسجام بين السنة والشيعة لو منحت العائلة المالكة فرصاً متساوية للطائفتين"، بحسب تقرير المجلة البريطانية.
لكن السلطات لازالت تحظر الحزب الشيعي الرئيسي في البلاد (الوفاق)، حيث عقدت الانتخابات الأخيرة دون مشاركته، كما تمنح العائلة المالكة فرص التوظيف العليا في الجيش والأمن للسنة فقط، ويتم يتم تدريس الإسلام السني في المدارس. وعادة لا تظهر أسماء القرى الشيعية على اليافطات في الطرق، ولا يتم الإشارة للمساجد الشيعية القديمة على الخريطة.
ولذا تخلص "ذي إيكونوميست" إلى أن رغبة "مريم" في أن يلتقي السنة والشيعة بمقام النبي "صالح" مجددا ليمارسوا شعائرهم معاً، يبدو حلما لا تريد عائلة "آل خليفة" الحاكمة تحقيقه، إذ لو تعاون السنة والشيعة في الشؤون الدينية والسياسية فسيسهل على السكان محاسبة العائلة الحاكمة، وربما طالبوا بملكية دستورية يفصل فيها بين الملك والحكم.